وصلت الإماراتية خديجة محمد إلى قمة جبال كليمنجارو مرتين: الأولى وهي برفقة 16 فتاة من مجلس التعاون الخليجي لرفع علم فلسطين وشعار القدس عاصمة فلسطين، والمرة الثانية ذهبت وحدها وبشكل شخصي لرفع علم الإمارات في عام زايد، وسعياً منها لتكون جزءاً من حملة الصاعدين لتنظيف الجبل، بعد أن لاحظت بقايا ومخلَّفات الزوّار المترامية هنا وهناك على قمة الجبل، ولتنقل صورة مشرقة عن الفرد الإماراتي الذي يسعى إلى أن يكون جزءاً من أي حدث عالمي له علاقة بالإنسان والتطور.
قمة إفريقيا
جبل كليمنجارو هو الجبل الأكثر ارتفاعاً في إفريقيا، ويقع شمال شرق تنزانيا، ويتألف من ثلاثة مخاريط بركانية هي: كيبو وماوينسي وشيرا. تبلغ أعلى قمة للجبل 5895 متراً عن سطح البحر. ويعد الجبل أقرب نقطة تغطيها الثلوج قريبة من خط الاستواء.
ارتباط خديجة مع الجبال انتقل إلى مرحلة روحانية، فمن خلاله تعرفت إلى الخالق أكثر، وتعرفت إلى مكامن طاقتها الدفينة، فالتحاور مع الطبيعة يجعلك ــ على حد تعبيرها ــ تستشعر الرسائل القادمة من السماء وتبدأ بمعرفة ترجمتها.
رحلة إلى التغيير
تقول خديجة وهي حالياً في رحلتها الجديدة نحو قمة «إيفرست»: «تستهويني الرياضة بشكل عام والمغامرات، وبدأت فعلياً في 2013 عندما تعرفت إلى الدكتورة هالة كاظم من خلال برنامجها رحلة الى التغيير، وذهبت وفريقها إلى إسبانيا، للمشي في أحضان الطبيعة لمسافة 100 كيلومتر في خمسة أيام، ومنها قررت الانطلاق الى مغامرات أكبر وبناء علاقة مع الطبيعة أكثر».
وأيقنت خديجة بعد تجربتها الشخصية مع المغامرات، والتي طبقتها عملياً منذ الرحلة الى التغيير، أنها تريد تجربة المغامرات أكثر، ومنذ عام 2013 الى هذا العام قصدت جبالاً كثيرة، إما بهدف تسلقها أو الصعود إليها، ذهبت إلى ألمانيا، السويد، كندا، إسبانيا، ولبنان. وتصف رحلاتها بالقول: «كنت أسعى إلى المزيد، الجميع يربط تسلق الجبال برسائل يود المتسلق إيصالها الى العالم، وهذا الشيء ليس صدفة، بل هو لأنك على وعي أن رسالتك ستُسمع وستصل، وكيف لا وأنت تحكيها على أعلى قمم الجبال».
وتقول خديجة «أول تجربة لي مع جبال كليمنجارو كانت بهدف إيصال رسالة الى العالم، وكانت لأجل فلسطين». وتضيف «اتفقت مع 16 فتاة من الخليج العربي أن نصعد القمة لنرفع علم فلسطين ونكتب باللغتين العربية والإنجليزية (القدس عاصمة فلسطين)، كي يرى العالم كله أن هذا حق ولن يتم التنازل عنه أبداً». أما المرة الثانية ــ تكمل خديجة ــ «فكانت بشكل فردي وكان الهدف أن أرفع علم بلادي الإمارات في عام زايد، وأن أكون جزءاً من سعي محبي الجبال الذين ارتبطوا روحانياً مع الطبيعة، لتنظيف الجبل، وكأننا نقول للجبال شكراً».
وتشرح مُحبة الجبال أن هذه المبادرة منها جاءت ليعرف العالم أن الإمارات بأفرادها يسعون دائماً لأن يكونوا جزءاً من تطور الإنسان، ومواكبته لكل ما يسعى الى الأفضل، وتكشف أن «المحبة التي شعرت بها تجاه الجبل جعلتني أشعر أن عليَّ أن أكون جزءاً من تنظيفه، وكأنني أريد أن اقول له شكراً أيها الجبل للمحبة والاحتواء».
وتؤكد خديجة أنها قبل مسيرتها إلى الجبال لم تطلع على تجارب الآخرين «كان يهمني أن ألمّ بالأدوات المطلوبة ولكن لم أدقق بخبرات الآخرين، كنت أريد أن أعرف ما هو المطلوب من جهتي، مثل الملابس والمعدات، الأمراض التي قد نتعرض لها والمصاحبة للمرتفعات مثل الصداع، فقدان الشهية، والتعرف إلى الأدوية التي تجعلنا نتفاداها».
التواصل مع الطبيعة
تعلمت خديجة الكثير من تسلقها الجبال، وتعلمت كيف تتواصل مع الطبيعة، وتشرح ذلك بالقول «أيقنت معنى التعرف إلى الذات، إعطاء الشخص نفسه فرصة للتعرف إلى ذاته، فالمشي لساعات طويلة، وحتى لو كنا ضمن مجموعة نسمع الموسيقى والأغاني والتحدث مع بعضنا، يتيح لك ان تنسلخ عن كل ذلك وأن تركز مع الطبيعة، فبين الصخور، والتقلبات الجوية، يبدأ الشخص يتعرف إلى نفسه والتأقلم مع الظروف الصعبة التي تكشف مكان قوتنا الدفينة». وتضيف «تعلمت تعزيز مفهوم حب الذات، فحب الذات هو الذي يجعلنا نحب كل شيء من حولنا»، وتسترسل خديجة في وصف ما تعلمته من رحلاتها: «تعلمتُ الصبر، أعط عمرك فرصة لتخطئ وتتعلم وتبطئ السرعة أحياناً، فالبطء مطلوب والتروي والتريث أيضاً، القفزات المتسارعة من الممكن أن نندم عليها»، مؤكدة «مازلت أتعلم من الجبال، أن أحب كل شيء من حولي، تسامح نفسك، وتتسامح».
رسائل من السماء
لا يمكن وصف العلاقة بين المتسلق والجبال، لكن الشعور القوي الذي يسيطر عليك حسب خديجة هو الإنصات، «الإنصات والإنصات بعمق لرسائل السماء»، موضحة «طوال فترة المشي التي تكون أقلها خمس ساعات، واختلائنا مع أرواحنا والأفكار التي تخطر ببالنا، والطبيعة من حولنا، والأصوات التي نسمعها من الريح، المطر، العصافير، الماء، الأشجار، كل هذه الأصوات مجتمعة أو كل واحدة وحدها، رسائل لا ننصت لها إذا كنا على عجلة من أمرنا، لكن عندما نحسن إتقان السماع الى الرسائل وترجمتها، والتي من الممكن أن يكون لها معنى مختلف لكل مُنصت». وتعترف: «كنتُ أخفق أحياناً بتلقي الرسائل، لكن مع التركيز، لا يمكن وصف كم هو إحساس جميل أن تصل لترجمة الرسائل».
وفي المقابل، عنوان كبير يجب الحديث عنه برأي خديجة هو «استشعار قدرة الخالق، فهو إحساس لا أروع منه، وأنت فوق الجبل وبين السحاب، والمطر ينهمر عليك، ورِجلاك تغوصان في الثلج.. يتجلى وجود الخالق وأنت هناك، تمشي بين السحاب وأنت إنسان ضئيل، أمام كل هذه العظمة ورحمة الله».
أرسل تعليقك