ظهيرة أمس نشر لاعب المنتخب المصري وفريق ليفربول الإنجليزي "محمد صلاح"، صورة له جالسًا مُستريحًا يقرأ كتابًا، لم يظهر من غلافه البرتقاليّ سوى الاسم الأخير لاسم كاتبه "مارك مانسون"، خلال ساعات قليلة قد تم التعرف على اسم الكتاب، وأصبح ترتيبه الثاني في محرك البحث جوجل.
الكتاب هو "فن اللامبالاة.. لعيش حياة تخالف المألوف"، وقد صُدر في سبتمبر 2016، ووصلت مبيعاته إلى 2 مليون نسخة بحلول فبراير 2018، وعلى موقع "الجودريدز" وصل عدد قراء الكتاب إلى أكثر من مئة وخمسين ألف قارئ، أما تقييمه فيصل إلى 4.02.
وقد تم نقل الكتاب إلى العربية عام 2018، للمترجم الحارث النبهان، وتصل عدد صفحاته إلى 272.
كيف تعيش حياة جيّدة تكون فيها نفسك؟، هذا ما يُحاول الكتاب الإجابة عليه، عبر تجارب حياتية شخصية للكاتب ذاته، وتجارب أخرى يقتبسها مؤيدة للفكرة التي يتحدث عنها، وينقسم الكتاب إلى تسعة فصول.
تحت عنوان "لا تحاول" يتحدث الفصل الأول، حيث يوصل الكاتب للقارئ أن أي مُحاولة في غير طريق نفسك هي محاولة غير مُجدية، فيقول مُستشهدًا بالشاعر الأمريكي شارلز بوكوفسكي "لم يحال بوكوفسكي أبدًا أن يكون شيئًا غير ما كانه حقًا، ليست عبقرية أعماله كامنة في التغلب على عقبات لا يصدقها عقل، ولا في تطوير نفسه إلى أن يصير نبراسًا أدبيًا مُتألقًا، كان الأمر عكس ذلك تمامًا. إنه قابليته البسيطة لأن يكون صادقًا مع نفسه كل الصدق".
قيمة الصدق تحدّث عنها الكاتب أكثر من مرة عبر فصول كتابه، وأن على المرء قول ما يراه، ويحسه دون خوف من أية تداعيات، فقيمة الصدق تجعلك تعرف نفسك بشكل أكبر، تعرف العيوب والميزات، وتعمل على تطوير ذاتك، كذلك كان تطوير الذات مسار نبَش حوله الكاتب أكثر من مرة.
فتطوير الذات يكمن في عدم الخوف من الفشل، وأنك كلما فشلت أكثر فقابليتك على خوض التجارب، والمشروعات أكثر وأكثر.
أما الفصل الثاني المُسمى "السعادة مشكلة"؛ فيوُضح فيه مانسون أن الألم والخسارة لا مفر منهما في حياة الإنسان، وعليه أن يتوقف عن محاولة مقاومتهما، ففي رأي الكاتب أن المعاناة أمر مفيد من الناحية البيولوجية، فهي الدافع للتغيير، وأن الغياب الدائم للرضا هو ما جعل بني البشر يقاوم وينجح في البقاء والبناء.
يقول مانسون إن الألم في أشكاله كلها، سواء المعنوية والجسدية، هي الوسيلة الأكثر فعالية لدى أجسادنا من أجل دفعها إلى الفعل، لأن الألم يجعلنا نبتعد عن مسبباته، فكيف سنعرف ما يؤلمنا دون أن نجربه؟، هذا ما يتساءل بشأنه مانسون فيُكمل حديثه "الألم يساعدنا في رؤية ما هو جيد لنا وما هو سئ، إنه يساعدنا في فهم حدودنا وعدم تجاوزها، وهذا يعني أن تفادي الألم، والسعي وراء المسرّة ليس بالأمر المفيد دائمًا لأن الألم يمكن أن يكون أحيانًا ذا أهمية حاسمة فيما يتعلق بصحتنا وبقاءنا".
ويؤكد مانسون أيضًا أنه لا يقصد فقط الألم الجسدي، بل النفسي أيضًا، فهو مؤشر على أن هنالك شيئَا قد اختل توازنه، ويعلمنا الألم الانفعالي الناجم عن الفشل أو الصد كيف نتجنب الوقوع في الأخطاء نفسها مستقبلًا.
من أين تأتي السعادة إذًا؟ هذا هو سؤال مانسون التالي في الفصل نفسه، يقول السعادة تأتي من حل المشكلات، حيث يوضح "يجب أن يكون لدينا شئ نحله حتى نكون سعداء"، إذًا فإن السعادة هي شكل من أشكال الفعل، إنها نشاط وليست شيء سحري يأتينا من السماء ونحن جالسون.
يكرر مانسون حديثه عن الفعل، أن المرء عليه أن يفعل شيئًا دومًا، وفي الفصل السابع المعنون "الفشل طريق التقدم"، يتحدث الكاتب عن الفعل بشكل أكبر، وبشكل معادلة يوضح "الإلهام – التحفيز- الفعل المرغوب فيه"، يشرح مانسون في تلك الجزئية عن مكمن الحافز، ويتساءل أيضًا من أين يأتي الحافز الذي يدفع الإنسان لفعل شيء.
يُلخّص مانسون الإجابة في أن الدافع ليس إلهام يسقط عليك من السماء، و لا فعل آخر أمامك فتستقبله بشكل مُحفز، وإنما يأتي مما تقوم به من نفسك، لذا عليك القيام بفعل صغير، تتحرك داخل مساحة ضئيلة، تدفعك لفعل شيء أكبر فأكبر، ويوضحها بشكل معادلة أخرى أكبر من السابقة "الإلهام- التحفيز- الفعل- الإلهام- التحفيز- الفعل- وهكذا دواليك"، فالإلهام يؤدي إلى تحفيز، والدافع يؤدي إلى فعل، وينتج عن ذلك الفعل إلهام أكبر يدفع إلى تحفيز وفعل أكبر وهكذا.
ينصح مانسون قارئه أيضًا بألا يرى نفسه شخص متميز، هكذا يُسمى الفصل الثالث، فلا يوجد أحد فينا استثنائي، وأن إحساس المرء الجيد تجاه نفسه هو مشكلة، وأن الإحساس الزائد بذلك يعني أنهم لا يشعرون بمن حولهم، وهو ما يسمح بخداع نفسهم، وجعلهم يصدقون أنهم ينجزون أشياء عظيمة، وهم على عكس من ذلك.
لذا يُحذر الكاتب قارئه ألا يضع حول نفسه فقاعة نرجسية تجعله يُشوّه ما حوله، ولا يرى فيها المشكلات الواقع فيها، حيث يرى من حوله كأشخاص لا قيمة لهم.
في كافة فصوله يؤكد مانسون على أن وسائل التواصل الاجتماعي ووجود التكنولوجيا المتزايد يزيد من تلك المشاكل، منها تدمير نظرة الناس إلى أنفسهم، وتزيد من شعورهم بالسوء تجاه نفسهم، وأنهم بحاجة دومًا لأن يكونوا أكثر تميز.
يعود مانسون ثانية على تأكيد قيمة المعاناة، حيث يفرد مساحة أكبر للحديث عن الألم في الفصل الرابع، وأنك لكي تُدرك معالم ذاتك التي شبهها بطبقات البصلة، فيجب أن تفهمها درجة درجة، ولكي تعرفها جيدًا عليك أن تفكر فيما يُزعجك حقًا، وأن تُطبق مقياس صحيح على نفسك وحياتك، لأن تطبيق قيم سيئة يجعلنا نهتم اهتمام زائد بأشياء لا قيمة لها، تسحب من طاقتنا في مسار خاطئ.
ولتصحيح ذلك المسار يجب وضع القيم الأفضل، واختيار أشياء أفضل تمنحها اهتمامك.
هناك سؤال وجودي مُعلق دومًا هو؛ هل الإنسان مخير أم مسير، في الفصل الخامس يُجيب مانسون عن هذا السؤال دون أن يعلم، حيث وضع اسم الفصل "أنت في حالة اختيار دائم"، في قناعة مانسون أن الإنسان بشكل واعي أو غير واعي يدرك ما يقوم به، فيقول "إننا مسئولون دائمًا عن تجاربنا وعما يمر بنا"، حتى مشاعرنا التي ترى أنها عشوائية هي باختيار منّا.
ويؤكد مانسون أنه علينا أن نختار أن نكون أكثر قبولًا بالمسئولية في حياتنا، حتى نتمكّن من ممارسة سلطة أكبر عليها، ورغم وجود مشكلات لا تقع على كاهلنا لكننا نظلّ مسئولون عنها، واختيار المسئولية ذلك يجعلنا أشخاص أفضل.
لم يُصرّح مانسون أبدًا في كتابه أننا أشخاص جيدون، بل دومًا نحاول أن نكون هكذا، لذا فإن الفصل السادس يتحدث فيه عن "أنت مخطئ في كل شيء"، ويعقبه بقول "وأنا كذلك"، فلا يوجد أي شخص غير مُخطئ، والخطأ في نظر مانسون هو ما يطور حياتنا، فيقول "نحن لا ننتقل من خطأ إلى صواب عندما نتعلم شيء جديد، بل إننا ننتقل من خطأ إلى خطأ أقل، وعندما نتعلم شيء إضافي بعد ذلك فإننا ننتقل إلى خطأ أقل وهكذا".
الخطأ هو جُزء من عملية تطوير الذات، لذا فإن مانسون في الفصل السابع يؤكد على قيمة "الفشل طريق التقدم"، و يحث القارئ على أنه لا يوجد خوف من الفشل، وأن الفشل التام يجعلك أكثر قابلية في المحاولة والتجريب، ويقول "يقوم تطوّر كل شيء على آلاف حالات الفشل الصغيرة، وإذا كان شخص أفضل منك في أمر، فمن المحتمل كثيرًا أنه فشل فيه أكثر مما فشلت".
ينتج عن الفشل والخطأ والتعلم بالطريقة الأصعب هو معرفتك بذاتك بشكل أكبر، وهو ما يجعل امكانية قولك "لا" أكبر، وهذا ما يتحدث عنه الكاتب الأمريكي في الفصل الثامن، لأن الموافقة على كل شيء يُبعد المرء أكثر عما يُريده، وعن الإطار الذي رآه أفضل له ولحياته، لذا يوضح مانسون "الرفض مهارة من مهارات الحياة، ما من أحد يرغب في أن يظل عالقًا في علاقة لا تجعله سعيد، وما من أحد يرغب في أن يظل في عمل يكرهه ولا يؤمن به".
يُنهي مانسون كتابه بذكر الحقيقة الأكبر، لا يُخفيها عليك، ففي الفصل التاسع يتحدث عن قيمة الموت، لأنه يرى أن وجود الموت هو ما يُعطي لحياتنا أهمية، ولولاه لكان كل شيء معدوم الأهمية.
يُذكّر مانسون قرائه في الفصل التاسع أن الموت يجعل الإنسان راغبًا في عمل مشروعات للخلود، وهو ما يراه شئ غير مجدي، وأن التصالح مع فكرة الموت، وقبول أنفسنا كما نحن والعمل على تطويرها، والحياة بشكل بسيط دون تعقيدات هو ما يجعل الحياة أفضل.
يختم مانسون كتابه بفقرة أخيرة؛ فيقول "أنت عظيم حقًا، أنت عظيم سواء أدركت ذلك أم لم تدرك، لست عظيم لأنك اخترعت تطبيق من أجل هاتف الآيفون، ولا لأنك تمكنت من إنهاء دراستك قبل الآخرين بسنة، أنت عظيم بالفعل لأنك قادر في مواجهة ما لا نهاية له من التشوش، وفي مواجهة الموت المحتوم".
أرسل تعليقك