وهران ـ واج
يعرف علاج داء إلتهاب الكبد الفيروسي بواسطة ما يسمى "القطيع " إنتشارًا واسعًا في وهران على الرغم من توفير المؤسسات الاستشفائة العلاجات اللازمة لهذا المرض .
ويعتقد كثير من المصابين بالداء الذين يلجأون إلى علاج "القطيع " وهوعملية التشريط بمعدات حديدية كشفرات الحلاقة على مناطق من الجسم أن هذا النوع من التداوي يعتبر "أنجع" علاج لداء "التهاب الكبد" بنوعيه "العادي" أو "الأكحل" الذي يعرف عند عامة الناس ب" وصفير" .
وفي هذا الإطار أبرز أطباء مختصون في معالجة هذا الداء " انه تم التكفل سنة 2013 فقط بنسبة 10 من المائة من المصابين بداء التهاب الكبد على مستوى المؤسسات الاستشفائية بوهران فيما فضل 90 من المائة منهم جلسات "القطيع" أو التداوي بالأعشاب الطبية" .
ويحدث هذا على الرغم من أن التعافي من داء التهاب الكبد ( أ) الذي يصيب لاسيما شريحة الأطفال و المراهقين يكون فعالا وفي بضعة أسابيع ولا يحتاج اللجوء إلى الطب التقليدي التي قد يؤدي إلى مضاعفات و تعقيدات حسبما ذكره رئيس مصلحة الوقاية بمديرية الصحة و السكان لوهران الدكتور دهاريب العربي .
وأوضح ذات المتحدث انه تمت معالجة 132 حالة إصابة بالتهاب الكبد ( أ) في 2013 بالمركز الاستشفائي الجامعي و بالمؤسسة الاستشفائية الجامعية أول نوفمبر 1954و المؤسسة المتخصصة لطب الأطفال بالمنزه وأغلبهم أطفال وهو ما يمثل نسبة 84 بالمائة من مجموع الحالات المتكفل بها .و بخصوص التهاب الكبد بنوعيه (ب ) و ( س ) الذي تتعرض له فئة الكبار والذي لا يمكن علاجه بالطرق التقليدية فقد تم التكفل بمائة مصاب السنة الماضية بالمركز الاستشفائي الجامعي يقول ذات المتحدث.
تنتشر بيوت علاج داء إلتهاب الكبد كالفطريات بمختلف مناطق ولاية وهران لاسيما بأحياء "نجمة" و "عين البيضاء" و "السانية" و "بوفاطيس" و بقرى بلدية بطيوة حيث تمارس جلسات "القطيع " بداخل غرف و مآرب لا تتوفر فيها أدنى شروط النظافة حسبما لوحظ .
كما يفضل بعض ممارسي "القطيع " أو ما يعرف عند المرضى ب"المعالجين" التجوال عبر المناطق المعزولة و ينصب بعضهم خيما يجلس بداخلها على كرسي بلاستيكي و بجانبه عدته وينادي في المارة بمكبر الصوت لاستقطاب المصابين بداء "بوصفير" الراغبين
في إجراء عملية "التشريط" .
و يمارس هذه الطريقة التقليدية الشيوخ والكهول وحتى النساء حيث وجدوا في"القطيع" مصدر رزق وتجارة رائجة علما وأن تكلفة الجلسة الواحدة للعلاج التي تدوم مدتها تتراوح بين 500 إلى ألف دج . وتتم ممارسة " القطيع " طيلة أيام الأسبوع شريطة أن يكون المريض صائما ويستخدم في ذلك معدات حديدية كشفرات الحلاقة أو إبر الخياطة أو السكاكين الصغيرة الحادة للكي على الجبين أو على مستوى البطن والبعض يستعمل غصن شجرة "الدفلى" بعد حرقه في النار ليضعه مع زيت الزيتون فوق بطن المريض.
وعادة تكون الوصفة التي يقدمها أغلبية ممارسي " القطيع " موحدة و تتمثل في عدم أكل صفار البيض كون أن من أعراض داء التهاب الكبد شحوب الوجه وتغير لون العينين و البول إلى الأصفر مع تناول عشبة " يطلق عليها اسم "مليمس" تقول الأستاذة بن نعمة عائشة باحثة بوحدة البحث في العلوم الاجتماعية بجامعة وهران . للإشارة تم تسجيل وفاة ثلاثة أطفال بوهران خلال الثلاثي الأخير من السنة الماضية اثر ممارسة عليهم العلاج التقليدي منهم واحد بسبب تناوله جرعات زائدة لهذه العشبة حسب مصلحة الوقاية بمديرية الصحة والسكان .
على الرغم من الخدمات الطبية المتطورة المقدمة على مستوى مصالح المؤسسات الإستشفائية بوهران في مجال التكفل بحالات التهاب الكبد لا سيما بالمؤسسة الإستشفائية (أول نوفمبر 1954 ) التي قامت قبل سنتين بأول عملية زرع للكبد لدى مريض استفحل عنده الداء و كذا توفر الأدوية التي تمنح مجانا إلا أن المصابين يلجأون إلى جلسات "القطيع" .
وتستقبل خلال هذه الجلسات يوميا عشرات المصابين من مختلف الفئات العمرية و مستوياتهم الاجتماعية و التعليمية بحثا عن الشفاء من هذا الداء الذي سكن جسدهم و يئسوا من طول مدة العلاج داخل المستشفيات معتقدين إن ضالتهم موجودة في"القطيع". والزائر لأحد بيوت ممارسة "القطيع "بحي "الحاسي " بوهران يرى العديد من المرضى ينتظرون دورهم للعلاج ويفيد أحدهم " بأن الشفاء من "بوصفير" عن طريق القطيع مضمون كون في يد هؤلاء المعالجين "البركة و الحكمة التي توارثها عن أجدادهم ". ويبقى التفسير الوحيد لإقبال المرضى على "القطيع" شعور المريض باليأس من الشفاء وإيهام الممتهن لهذا النوع من الطب البديل المرضى بأنه قادر على شفائهم معتمدا على أساليب غريبة من خلال طقوس معينة مما يجعله يكتسب "الشرعية الاجتماعية" لمهنته تصرح الباحثة بن نعمة عائشة من وحدة البحث في العلوم الاجتماعية و الصحة بجامعة وهران .
و أوضحت نفس المتحدثة أن " الممتهن "للقطيع" يضفي على جلساته مسحة من الروحانيات التي تؤثر على المريض و توهمه بالشفاء غير أن المعالج ينسلخ عن مسؤوليته المهنية عند حدوث الكارثة". كما يعود إقبال المصابين بداء التهاب الكبد على هذه الطريقة التقليدية
"إلى الثقة العمياء التي يضعونها في المعالج الذي يأخذ الوقت الكافي للإصغاء إلى أوجاعهم الوضع الذي يعطي للمرضى شفاء نفسيا غير حقيقي" تشير الباحثة بن نعمة عائشة مضيفة " أن أغلبية المرضى يعتبرون أن هذا العلاج سريع و سهل ولا يكلف المريض عناء التردد على المستشفى للإجراء الفحوصات وحجز سرير".
و في هذا السياق أفادت الدكتورة قاسمي نسيمة بمصلحة الطب الشرعي بالمركز الإستشفائي لوهران " حتى وإن كانت الأدوية تقدم مجانا بالمستشفيات فإن تحاليل الدم الخاصة بداء التهاب الكبد مكلفة جدا ولا يستطيع المريض إجراؤها بصفة دورية لمراقبة ومعرفة تطور حالته".
كما أن تعويض تكاليف هذه التحاليل زهيد جدا " الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في هذه التعويضات من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حتى لا يضطر المصابون إلى التخلي عن العلاج في المستشفيات و اللجوء إلى هذا النوع من الطب الشعبي غيرالمكلف
و الذي له عواقب وخيمة على صحة الفرد " تضيف نفس المختصة.
وإذا كانت طرق العدوى لداء التهاب الكبد من نوع ( س ) أو ما يسمى ( بوصفير لكحل) تنتقل عن طريق الدم الملوث فإن "القطيع " الذي يستخدم فيه وسائل ومعدات حديدية غير معقمة يشكل خطرا على صحة الأشخاص حيث يسهل انتقال العدوى من شخص إلى
آخر . وفي هذا الشأن تحذر الدكتورة حاكم شهرزاد رئيسة مصلحة الجهاز الهضمي بالمركز الإستشفائي بوهران المصابين بالتهاب الكبد بأنواعه الثلاث التدواي بهذا النوع من العلاج التقليدي داعية المصابين إلى إجتناب جلسات "القطيع " التي قد تؤدي إلى أمراض أخرى هم في غنى عنها .
ويلاحظ كثير من الأطباء الذين يفحصون المصابين بالتهاب الكبد بالمستشفيات أثار خدوش ( تشريط )على مستوى بطونهم لاعتقادهم أن ذلك يعتبر وسيلة للشفاء غير أنهم يعرضون حياتهم إلى الخطر لاسيما أن التهاب الكبد من نوع ( س) لا يتوفر على لقاح على مستوى العالم و إن لم يتم معالجته سيتطور إلى تصلب الكبد وبالتالي إلى سرطان الكبد وفق المصدر السالف الذكر.
للتذكير فان التهاب الكبد ( أ) ينتقل عن طريق استهلاك المياه غير المراقبة أو عن طريق مأكولات غير نظيفة و بسبب انعدام النظافة بينما ينتقل نوع ( ب) عن طريق العلاقات الجنسية والدم ويتوفر لقاح للحماية منه أدرج في رزنامة التطعيم فيما أن نوع ( س) ينتقل عن طريق الدم واستعمال أدوات ملوثة بالدم ولا يوجد له اللقاح وفق أطباء مختصين في معالجة الداء .
و لحماية المصابين من داء التهاب الكبد الفيروسي يتعين تنظيم حملات إعلامية واسعة عبر وسائل الإعلام الجوارية التي تلعب دورا في استقطاب مختلف شرائح المجتمع لاسيما الإذاعة لتوعيتهم حول مخاطر "القطيع" على صحة المواطنين حسبما لفتت إليه بن نعمة عائشة بوحدة البحث في العلوم الاجتماعية و الصحة بجامعة وهران .
و من جهة أخرى يجب أن تكون مكافحة هذا المرض الصامت أيضا عن طريق الكشف المبكر له لتوجيه المصابين في الوقت المناسب إلى المستشفيات و متابعتهم عن كثب كما ذكره مسؤول مكتب وهران لجمعية مرضى التهاب الكبد.
أرسل تعليقك