انتشرت المطاعم والمحلات التي تقدم أطعمة غذائية ذات نكهات مميزة, وللأسف هذه الأكلات ذات الطعم المختلف غنية بالمواد المكسبة للون أو الطعم أو الرائحة, والتي يتهافت الكثيرون على تناولها, خصوصا الأطفال والشباب, فضلا عن أن تلك المواد وجدت طريقها الى المطابخ العربية أيضًا. فما مخاطر هذه المواد على الصحة العامة? ولماذا الاقبال المتزايد على استخدام مكسبات اللون والطعم في الأطعمة الغذائية?
يقول الدكتور يوسف حلمي, استشاري التغذية العلاجية: مكسبات الطعم واللون هي مواد كيميائية صناعية تحاكي الطعم الأصلي لبعض النكهات أو الألوان أو الطعوم, وهي المقننة والمنصوص عليها في الفهرس الغذائي, ولها أرقام ومواصفات محددة, وتركيباتها معروفة, وهناك بعض المواد منها محظورة الاستخدام لأن الافراط في استخدامها يؤدي الى الاصابة بالكثير من الأمراض مثل السرطانات وغيرها. وهناك أنواع أخرى تستخدم بكثافة وبحرية لأنها ثبت أنها سليمة وليست لها أي أضرار.
وقد أصدرت منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية كشفًا بالمواد المحظور استخدامها, يتم مراجعته وتعديله كل 3 الى 5 سنوات, والمواد المحظور استخدامها كثيرة قد تصل الى 1500 نوع تتراوح بين مكسبات الطعم واللون والنكهات, وهي من الأمور التي يجب الالتفات اليها والاهتمام بها. ومن أمثلتها (E107) التي تحتوي على نكهة الليمون, و(E135) وتحتوي على نكهة الفانيليا, وهكذا, فهي رموز تستخدم فيها, وكلها مركبات كيميائية صناعية.
تؤثر هذه المكسبات على الأطفال, لأنها تتراكم على الكبد والكلى, كما تتراكم الشوارد الحرة فيها منتجة موادًا سامة بتركيزات مرتفعة ما ينعكس سلبًا على الكلى, ومع تناول المواد المحظور استخدامها وغير الخاضعة للرقابة فقد يحدث فشل كلوي, وسبب استخدام مكسبات الطعم والرائحة والنكهة بهذه الكثافة هو الحاجة الى تنوع المنتجات وخفض سعرها.
ثمة مشكلة أكبر يشير اليها الدكتور يوسف حلمي وهي عملية سوء التخزين, حيث إن أي مادة كيميائية لا يتم تخزينها بشكل سليم تتعرض الى تغير في التركيب الكيميائي لها, واذا تم استخدامها فستؤدي الى مخاطر على الصحة, يحدث هذا مع المواد المصرح بها, فما بالنا بالمواد غير المصرح بها? وهناك مشكلة أخرى وهي أن البائع من الممكن أن يعرض منتجاته بصورة تعرضها الى حرارة الشمس المباشرة فتتعرض الى درجة حرارة أعلى بكثير من الصورة المفروض أن يتم التخزين عليها, وبالتالي يكون المنتج عرضة الى أن يفسد أو يحدث تحول للمواد المضافة بداخله فتؤدي الى مخاطر, والمستهلك لا يعرف ذلك, فهو يشتريها باطمئنان نظرًا لعدم انتهاء تاريخ الصلاحية. كما أن الأكياس الألومنيوم التي تباع فيها المنتجات غير صالحة, وهناك دول منعت استخدام هذه الأكياس, ونحن ما زلنا نستخدمها.
فسوء تخزين عبوات الألومنيوم التي تحتوي على مواد غذائية في غلاف من الألومنيوم, يؤدي الى زيادة مفعول الألومنيوم أو امتصاصه بالنسبة للمواد الغذائية, ما يؤدي الى أضرار على الكلى والكبد فيما بعد.
قال الدكتور مجدي نزيه, رئيس وحدة التثقيف الغذائي بالمعهد القومي للتغذية ¯ ورئيس المؤسسة العلمية للثقافة الغذائية: الكثير من الدراسات أوضحت أن للمركبات الكيميائية المضافة للأغذية سابقة التصنيع بغرض الحفظ أو منع التزنخ أو التلوين أو اكتساب النكهات أو الطعوم أو التحلية اثاراً سلبية كثيرة على الصحة العامة, ولكن تتفاقم المشكلات الصحية مع الألوان الصناعية, وجدير بالذكر أن الألوان الصناعية الكيميائية هي التي يتم استخدامها على نطاق واسع, مع معظم أنواع الأغذية لأن لها صفة الثبات في الطبيعة مع الزمن, أما الألوان ذات الأصل الطبيعي فليس لها صفة الثبات, فمثلا الألوان الطبيعية الخضراء المأخوذة من مادة الكلوروفيل النباتية الطبيعية لا تدوم اكثر من ثلاثة أيام, والألوان الصفراء التي تؤخذ من الكركم لا يستديم وجودها أكثر من أسبوع, والألوان الحمراء التي يتم الحصول عليها من البنجر لا تعطي اللون الأحمر الزاهي, ولذلك يتم استخدام الألوان الصناعية لثبات وجودها وزهاوة درجة ألوانها. وأوضحت كثير من الدراسات أن الألوان الصناعية لها سلبيات كثيرة على الصحة العامة, خاصة الجهازين التنفسي والعصبي.
والمشكلات الصحية التي تتسبب عن استهلاكها بكميات كبيرة ترتقي الى درجة السمية في الجهاز التنفسي, ودرجة الضمور في الجهاز العصبي, وعليه فقد أوصت البحوث والدراسات الميدانية بخفض نسبة المستهلك اليومي قدر المستطاع من الأغذية سابقة التصنيع التي تحتوي على الألوان الصناعية, شأنها في ذلك شأن بقية المواد المضافة, حيث تأتي في درجة السمية خطورة بعد الألوان والمواد الحافظة, أي المواد التي توقف النمو الميكروبي داخل الأغذية, ثم يليها المواد مانعة التزنخ, ثم المحليات ومكسبات النكهة وتكوين المستحلبات, فتعتبر مكسبات النكهة والطعوم هي أقل ضررًا بالمقارنة ببقية المركبات الأخرى.
وأوضحت الدراسات والبحوث أن الأغذية سابقة التصنيع بما تحتويه من اضافات كيميائية يفضل استهلاكها مرة واحدة فقط أسبوعيًا, أما الاستهلاك الذي يتعدى مرتين أسبوعيًا فله آثار سلبية على الصحة العامة حيث يظهر جليًا في فقدان الذاكرة اللحظي, وضعف وارتعاش الجهاز العصبي, وزيادة ما يسمى بحالات حساسية الصدر, وأيضًا انخفاض القدرة المناعية للكبد فتزيد احتمالية اصابته بأنواع الفيروسات المختلفة, وتنخفض بوجه عام القدرة المناعية للجسم.
يرى الدكتور سمير عنتر, استشاري الحميات والكبد - ونائب مدير عام مستشفى حميات امبابة, أن انتشار مكسبات الطعم وباء القرن العشرين والواحد والعشرين الذي أصاب البشرية كلها في جميع الطبقات, حيث تدخل في تصنيع واعداد أنواع كثيرة من الأغذية سواء المقرمشات أو النشويات أو بعض البروتينات, تضاف عليها فتكسبها لونًا يعطي بريقًا ويعطي تقريبًا لشكل الأطعمة الطبيعية, وكذلك روائح تحبب المتعاملين مع هذه المأكولات فيها, فاذا كانت هذه المأكولات للأطفال, فتلجأ الشركات الخاصة بهذه الأنواع من الأغذية الى الروائح الجذابة والألوان المبهجة, واذا كانت المنتجات خاصة بالبروتينات, فانها تقترب من حيث الرائحة والشكل الى المأكولات الطبيعية, والجميع يعلم كل ما يحدث, لكن المشكلة الخطيرة تكمن في أن مكسبات الطعم والرائحة رغم ما تقدره وزارات الصحة في أماكنها أو هيئات الرقابة على الأغذية والأدوية, لا يمكن التخلص منها لأنها تصل الى حد الادمان, وبالتالي يكون الاقبال اليومي على تناول هذه الأغذية, قد أثر في الأجيال الجديدة بأن تتعامل مع هذه الأطعمة والأشربة بمختلف أشكالها رغم خطورتها.
والخطورة التي تنتج عن ادمان تناول مكسبات الطعم والرائحة لاسيما الخارجة عن السيطرة القانونية, أنها يمكن أن تصيب بمشكلات صحية, حيث إنها قد تؤدي على المدى الطويل الى التهابات شديدة في الجهاز الهضمي, كما قد يؤدي بعضها الى الاصابة ببعض أنواع السرطانات لأنها مركبات كيميائية فيها ألوان من الممكن أن تدخل فيها معادن ثقيلة, قد تصيب بأوبئة شديدة من ميكروبات معوية معينة, مثل التيفود, وميكروب حمى "البروسيلا" وميكروبات النزلات المعوية, نتيجة أن هذه التركيبات أو الاضافات قد تحدث في أماكن بعيدة عن الرقابة, ما يشكل همًا كبيرًا للأطباء لأنه خارج عن السيطرة بشكل كبير جدًا, أما الأغذية التي تكون تحت الرقابة ففي الغالب لا تسبب مشكلات, شريطة أن يكون التعامل معها بشكل موقت أو نتيجة ظروف معينة مثل الظروف الطارئة لأسرة لم تعد الطعام أو رحلة أو ما شابه, لكن أن يكون الطعام روتينًا يوميًا لأطفال المدارس أو الجامعات أو الموظفين وغيرهم, فخطر جدًا حيث إن التراكم المستمر في الدم والجسم بكميات كبيرة وبهذه الاضافات من الألوان أو الروائح فانها تضاعف من احتمال التسبب في الاصابة بالسرطانات المعوية, وقد تدمر الكليتين, نتيجة احتوائها على كمية من المعادن الثقيلة التي هي مصدر رئيسي للألوان لدى المصنعين.
وهذه المواد قد يؤدي تناولها أحيانًا الى تقزم الأطفال نتيجة افتقار هذه الوجبات لعناصر مهمة للنمو, وفي الوقت نفسه تصيب الأطفال بالسمنة الضارة نتيجة احتوائها على نسبة عالية من النشويات والسكريات, كل هذه الأمور لا تنتج في النهاية الا جيلاً لا يمكن أن يتحمل المسؤولية, لأنه اذا لم يصح الجسد فان العقل أيضًا يصاب بالعجز والوهن, ولا يمكن أن يكون هناك ابداع على مستوى العالم, فهي مشكلة وبائية تخص العالم كله ولابد من حل يأتي بتضافر جهود المسؤولين في جميع الجهات المسؤولة في الدول من اعلام وتربويين ومدارس وخبراء تغذية, وغيرهم.
أرسل تعليقك