رام الله ـ العرب اليوم
لم يتمالك جهاد شوكة نفسه. هرول نحو منزله، طرق الباب، لتفتح الزوجة، بينما على بعد أمتار، كانت الطفلة ميلا، لمحته، صرخت، بينما مدت ذراعيها لاحتضانه، تردد الأب في البداية، قبل أن يندفع نحوها، يضمها لصدره، وتطلب منه المصابة بكورونا قُبلة، لم يستطع. مطلع مارس الجاري، استقبل منزل شوكة شقيق الزوجة، أحضان وقبلات تعرفها مثل تلك المقابلات العائلية، لساعات لاعب الخال ميلا صاحبة العام والعشرة أشهر، قبل أن يعود إلى بيته نهاية اليوم، وتستقبل الأسرة بعدها بأيام الخبر المفزع، اكتُشف إصابة الخال بوباء كورونا المستجد.
"انتقلت العدوى لخال ميلا، من خلال فوج يوناني حامل للفيروس، كان موجود في الفندق الذي يعمل به"، بحسب ما أبلغت جهات الاختصاص شوكة، وطالبت الأسرة بالاستعداد لإجراء التحاليل اللازمة، كونهم ضمن المُخالطين للحالة المصابة بفيروس كورونا، حيث وصل إجمالي المصابين بالوباء المستجد في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى 38 حالة، وفق إحصاء مكتب الشرق الأوسط لمنظمة الصحة العالمية. أُخذت عينات من شوكة وزوجته وطفلته، وفي انتظار الأسرة لنتيجة التحاليل، عاش الرجل "حرب أعصاب.. شعور كتير مزعج.. رعب
على زوجتي وطفلتي"، لترده مكالمة من وزارة الصحة الفلسطينية في اليوم التالي، تُبلغه بإصابته بكورونا "خفت لكن شعرت باطمئنان أن زوجتي وابنتي بخير"، ليغادر الأب الاسرة إلى عزل في غرفة تبعد عن المنزل، قبل أن تأتي بعد نصف ساعة مكالمة أخرى، غيرت مسار العزل. "قالولي أنت عينتك سلبية، وغير مصاب بالفيروس"، فرحة كبيرة مست الرجل، قبل أن تمر نصف ساعة أخرى، ويأتيه مكالمة فيها اعتذار وخبر بإصابة ابنته بكورونا، "في اللحظة اللي سمعت فيها أن ابنتي مصابة، صدقًا انهرت"، غلبت العاطفة عقل الأب، لم يتدارك
الأشياء من حوله، قبل أن تصله مكالمة رابعة "أبلغوني أن قد يكون هناك خطأ في نتائج التحاليل، ونحن بحاجة إلى إعادة سحب عينات من الأسرة"، هنا تشبث الرجل بأمل جديد. رغم إحياء الأمل، مرّ ذلك الوقت كأقدام تدوس على أعصاب شوكة، تم أخذ العينات من الأسرة للمرة الثانية، وفي انتظار نتائج مسحة الأنف والحلق "مرت الساعات كأنها حرب، خلال الدقيقة كنت أمسك الهاتف 3 مرات، أشوف مرّ أد أيه عشان تطلع النتيجة"، ليتأكد الخبر الصاعق، ميلا مُصابة بكورونا "ما كنت قادر استوعب المصيبة، طلبت أن تُفحص عينة بنتي في معمل
آخر، وبصراحة كان عند الجانب الإسرائيلي"، لتتأكد النتيجة ويضطر مرغما التسليم لها. عُزلت ميلا داخل المنزل، وترافقها أمها إلى الآن، لـ5 أيام لم ير شوكة ابنته، لكن ولا مرة أشاح بفكره عنها، يطمئن عليها من خلال "شباك المنزل، على أساس أن بنتي ما تشوفني، لأنها كانت عمالة تسأل وين بابا؟ وين بابا؟"، سؤال دفع الأب إلى خرق الاحترازات الطبية في خامس أيام العزل، والتوجه إلى منزله لرؤية ميلا والشد من أزرها. اتخذ الأب احتياطاته كاملة، قبل الالتقاء بالصغيرة، ارتدى بدلة واقية، وقفازات في يديه، وداخل المنزل لعب مع ميلا
لـ3 ساعات، لكن "نظرتها لي كانت غريبة، وعيونها بتحكي أني أحضنها وأُقَبلها، كانت شاعِرة أن في شيء غريب عم بيصير، ضليت ألعب معاها، لكن كانت تبعد عني، وتشير لي أني ألبس الماسك على وجهي، وأأخذ احتياطاتي من الفيروس" متأثرا يحكي الرجل، عن حديث دار بينه وطفلته، لم يكن حديثا كلمة بكلمة، بل لغته الأبوة. المصيبة التي ضربت الأسرة، أعادت لشوكة فرصة اكتشاف زوجته، كأنه يتعرف عليها من جديد "ألهمني تمالكها لنفسها الصبر، زوجتي استطاعت أن تكون أم ودور رعاية صحية كاملة في ظروف شديدة صعبة..
تفاجأت بشجاعتها". رغم صعوبة المهمة في أيام العزل، ومر منهم 11، لم تتوانَ الأم عن الاعتناء بالطفلة، حتى إنها اشتغلت لها إخصائية نفسية "تواجه شعور الطفلة بأن هناك شيء غريب حولها لا تفهمه، وتمحي عنها إحساسها بتمثيلنا للضحكة وعطفنا عليها"، وطبيبة معالجة تجتهد في الاطلاع والبحث عن الوسائل المتاحة لأداء مهمته على أكمل وجه "الأم هي اللي بتقيس درجة حرارتها، وتعطي لها الدواء، وتشيك على نشاط جسمها كل دقيقة في فترة حاسمة ممكن البنت تتغير فيها أو تضعف في لحظة"، وصولا لنشرها الإيجابية بين أفراد الأسرة
بالكامل "بتصور مقاطع فيديو لميلا وهي بتضحك وترسلها لنا في الخارج حتى تُطمئنا وترفع معناوياتنا". حال كل الأسر في فلسطين، كانت حياة أسرة شوكة، "متواضعة" كما يقول، "كنت أغيب عن المنزل 4 أيام بحكم العمل، وأعود، وفي الإجازات آآخد ميلا لأماكن ألعاب الأطفال، وكانت تحب الجولات بالسيارة". لكن تلك الأمور لم تعد بالأمر اليسير "بعد الحجر أجواء الفرح والطمأنينة في البيت اختفت"، يكفي الأب والأم شعور بخوف لا ينتهي "بضل ماسك تليفوني طوال اليوم، خوفا من مسدج أو مكالمة من زوجتي، تخبرني لا قدر الله بشيء مزعج جرى للطفلة"، ويزداد رعب الرجل من أن تفقده المحنة صلابته "وما أقدر آخد بالي من زوجتي وبنتي". يتمنى شوكة انتهاء الحجر الصحي، الـ14 يوما فترة حضانة الفيروس، على خير، طالبا من الله أن يشفي ابنته، دون أن يصيب الضرر زوجته، أو أي من أفراد أسرته، يزوره فزع كلما فكر في إمكانية أن "يظهر أعراض المرض على البنت لاحقا"، ولا يملك الرجل غير دعاء، وكلمات ينطقها وهو ينظر إلى السماء: "يا ليت يختفي الفيروس من هذا العالم".
قد يهمك ايضا:
فرنسا تعلن تسجيل أكبر عدد من الوفيات والمصابين في يوم واحد
الكونغو تسجل أول حالة إصابة بفيروس كورونا
أرسل تعليقك