القاهرة - العرب اليوم
من المعروف أن البكتيريا الجيدة الموجودة في الأمعاء الدقيقة (Gut bacteria) لها دور كبير في تنظيم عملية الهضم والحفاظ على الجهاز الهضمي سليماً، ودون إصابات من الميكروبات الضارة. وعدم نضج هذه البكتيريا النافعة بشكل كاف لدى الأطفال الخدّج (المبتسرون) يعرضهم لمخاطر صحية متعددة. بكتيريا نافعة أحدث دراسة نُشرت في مطلع شهر سبتمبر (أيلول) من العام الحالي في «مجلة الخلية العائلة والميكروب (journal Cell Host & Microbe)»، والتي قام بها علماء من «جامعة فيينا» بالنمسا (University of Vienna)، تناولت دور هذه الميكروبات في حماية الرضيع، وتبين أيضاً أنها تلعب دوراً مهماً بعيداً عن دورها الأساسي في الأمعاء، يشمل الجهاز العصبي.
وأشارت الدراسة إلى الصلة الوثيقة بين اكتمال نمو هذه الميكروبات الحميدة ونمو خلايا المخ ونمو القدرات الإدراكية للطفل في بداية حياته. وقبل الولادة مباشرة تتجمع ملايين من هذه الخلايا البكتيرية في الأمعاء. وقد لاحظ العلماء أن الرضع المبتسرين يتعرضون لخطر الإصابة بتلف المخ لأسباب ربما تكون بعيدة عن الجهاز العصبي أو نقص الأكسجين أو السموم الناتجة من عدم قدرة بعض أعضاء الجسم على القيام بوظائفها بشكل كامل؛ ومنها الكبد.
واتضح أن إصابة المخ يمكن أن تكون متعلقة بالميكروبيوم (الوسط الميكروبي) الموجود في أمعاء الرضيع، وأنه كلما كان نموه أقل؛ كانت درجة التلف في المخ أكبر؛ والعكس صحيح أيضاً. أوضح العلماء أن هناك دائماً ارتباطاً وثيقاً بين تطور الأمعاء والمخ وعمل الجهاز المناعي فيما يشبه محوراً خاصاً بهذه الأجهزة الثلاثة معاً (الهضمي والعصبي والمناعي gut - immune - brain axis). ويشير الباحثون إلى أن الأجهزة الثلاثة تتناغم في العمل منذ بداية حياة الرضيع وتستمر بعد البلوغ. ومن المعروف جيداً تأثير الحالة النفسية والعصبية على الشهية وأيضاً على الأمراض العضوية المرتبطة بالجهاز الهضمي مثل القولون العصبي.
وفي مرحلة حديثي الولادة؛ تقوم البكتيريا الموجودة في القناة الهضمية بتقوية جهاز المناعة بشكل غير مباشر، حيث إن وجودها في حد ذاته يوفر التنافس على الحيز المكاني في الأمعاء. وبذلك؛ فإنها تمنع وجود البكتيريا الضارة في الأماكن التي توجد فيها، بجانب القيام بما يشبه التمرين للجهاز المناعي للتعرف على خصائص البكتيريا والشفرة الجينية الخاصة بها بشكل عام، وبالتالي تمكنه من مقاومة الميكروبات الخارجية في حال دخولها الجسم.
المناعة والأعصاب
في المقابل؛ يقوم جهاز المناعة بمراقبة ميكروبات الأمعاء ويعمل على تطوير الاستجابات المناسبة لها. وبالإضافة إلى ذلك؛ فإن «العصب الحائر» يكون هو العصب الناقل للإشارات العصبية من المخ لكل من القناة الهضمية وأيضاً الجهاز المناعي. ويرى الباحثون أن هذا الربط بين هذه الأجهزة يلعب دوراً كبيراً في نمو المخ؛ خصوصاً في المراحل الأولى من حياة الطفل. وبالنسبة للأطفال ناقصي النمو، تكون الميكروبات الحميدة أقل مما لدى الرضيع العادي، كما يقل تنوعها أيضاً؛ حيث إنها تعدّ مجموعات حيوية من مئات الأنواع من البكتيريا والفطريات والفيروسات والميكروبات الأخرى، وكل هذه الكائنات الدقيقة تكون في حالة توازن لدى الرضع الطبيعيين. ولكن لدى المبتسرين نتيجة لعدم تطور هذه الميكروبات بشكل كامل، فلا يمتلك الجهاز المناعي القدرة على التطور؛ وهو الأمر الذي ينعكس على تطور المخ أيضاً.
أشارت الدراسة إلى أن العلماء نجحوا أيضاً في تحديد نماذج معينة في كل ميكروبيوم والاستجابة المناعية الخاصة به والتي ترتبط بشكل واضح بتطور الإصابة في المخ وشدتها. وفي الأغلب تظهر مثل هذه الأنماط السلوكية قبل حدوث التغييرات العصبية بفترة زمنية بسيطة، وهو الأمر الذي يوضح أن هناك فرصة لفترة قصيرة يمكن خلالها منع تلف المخ لدى الأطفال المبتسرين من التفاقم أو حتى يمكن تجنب حدوثه من الأساس.
وكانت نقطة البداية في تطوير العلاج المناسب من خلال المؤشرات الحيوية التي تمكن الفريق الطبي متعدد التخصصات من تحديدها؛ حيث توصل الباحثون إلى أن النمو المفرط لبكتيريا الـ«كليبسيلا» الضارة (Klebsiella) والتي تسبب عدوى في أجهزة عدة بالجسم وما يرتبط بها من مستويات مرتفعة من «خلايا تي» المناعية (T - cell) في رد فعل طبيعي لمحاولة مقاومتها، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم تلف المخ في هذه المرحلة الزمنية من عمر الرضيع.
تابع الباحثون لمدة أسابيع عدة أو لأشهر 60 من الأطفال المبتسرين الذين ولدوا قبل 28 أسبوعاً من الحمل، وكانت أوزانهم قليلة جداً (أقل من كيلوغرام). والمعروف أن وزن الرضيع الطبيعي نحو 3 كيلوغرامات، وكلما قلّ وزنه؛ زادت احتمالات الخطورة على حياته. واستُخدمت أساليب حديثة جداً لرصد الميكروبيوم في الأمعاء باستخدام التسلسل الجيني (16S rRNA)، وهذه الأساليب تجرى لرصد الأعداد ومدى التنوع في خلايا الميكروبيوم وتعطي صورة مفصلة عنه.
وأيضاً استخدم الباحثون الطرق التقليدية لرصد الربط بين محور الأجهزة الثلاثة، مثل تحليل البراز، وعينات الدم، وتسجيل موجات المخ عن طريق استخدام رسم المخ (EEG)، وأيضاً التصوير بالرنين المغناطيسي. وتعدّ هذه الدراسة نقطة البداية لمشروع بحثي كبير يبحث في البكتيريا الحميدة (الميكروبيوم) وأهميتها للتطور العصبي لدى الأطفال المولودين مبتسرين بشكل شامل. وبالإضافة إلى ذلك؛ سوف يستمر الباحثون في متابعة أطفال الدراسة لمعرفة كيف تتطور المهارات الحركية والمعرفية لديهم. وأوضحوا أن ذلك سوف يستغرق سنوات عدة حتى يمكن الحكم على الرابط بين المخ والأمعاء والجهاز المناعي؛ وإلى أي مدى يمكن التحكم فيه لمحاولة إنقاذ هؤلاء الأطفال.
قد يهمك ايضا
من مكونات الوجه البشري بكتيريا نافعة عالقة على جدار البشرة الخارجي
دراسة ترتبط بين جائحة كورونا ومشكلات في الإبصار لدى الأطفال
أرسل تعليقك