أبوظبي - وام
يشكل الماضي دائما حضوره رغم الصور العصرية المختلفة التي تتمثل في العديد من الأنماط الحياتية والتي من بينها انتشار الفاكهة المستوردة ذات المواصفات العالمية بعد استيرادها من شتى أصقاع المعمورة وعرضها بصورة مغرية في المجمعات والمراكز التجارية الكبيرة إلا أن فاكهة الإمارات القديمة ما زالت تحتفظ بجاذبية كبيرة لكثير من الأهالي ويسترجعون ذكرياتها الحلوة الضاربة في الجذور .
لم يبقى من الماضي إلا القليل واختفى الكثير وتغيرت الأحوال المعيشية والاقتصادية وتبدلت مراكز الإنتاج وصارت الحياة أكثر تعقيدا وانزوت البساطة والطيبة وعمت الرفاهية وكان للاتصال بالثقافات الأخرى سواء بالذهاب إليها في شكل السفر والسياحة والتعليم نتيجة للوفرة المادية او عن طريق قدوم أعداد بشرية هائلة للدولة أحضرت معها أنماط ثقافية مادية كالمنتجات أو غير مادية كالقيم والعادات والتقاليد مدخلا سمح للمقيمين الجدد بدخول منتجاتهم وثقافاتهم للدولة .
ويجمع كبار السن على ان صيف الإمارات فيما مضى أحلى والطعم الحلو هو ما يرافق كل صيف إذ ينضج فيه البلح فيكثر الرطب ويشبع أهل القرى والمزارعون ويفرحون باستضافة أقاربهم وتوافد أولادهم من كل مكان كانوا يعملون فيه ليقضوا وقت القيظ /الصيف/ في تجمع مؤقت ينتهي بانتهاء فترة المقيظ فكان بالفعل صيفا أحلى .
وأكدوا على ان الآباء والأجداد كانوا ينتظرون موسم الصيف بفارغ الصبر ليتقاسموا الفاكهة الطيبة وما تجود به الأرض من خيرات وقد ظل هذا حالهم حتى منتصف القرن الماضي فتبدل وتغير الحال مع الوفود القادمة من الخارج للعمل فزاد عدد الأهالي وخاصة القادمين الجدد فأصبح الإنتاج لا يسد الطلب واعتمدت الدولة على الاستيراد من الخارج فضاعت الفواكه المحلية أمام طوفان المستورة .
وفي هذا الخصوص يقول المواطن عبدالله احمد المزروعي من المنطقة الشرقية /70 عاما/: /ما ان يهل فصل الصيف وتبدأ تباشيره بالظهور حتى يبدأ الأهالي بجني الخيرات التي من بها الله عليهم ولتخفف عنهم حر الصيف اللافح/ .
يتذكر المزروعي موسم القيظ الذي تكثر به الفاكهة قائلا: //نبحث عنها في منازل الجيران وهم نيام حتى وان كانت وسيلتنا القفز من فوق الأسوار لجمع "البيذام والنبج" بعد إسقاطه بالعصا وجمعه والهروب إلى مكان ظليل بعيدا عن العيون فيجلس الجميع يتلذذ بأكله ولا تكفي حبة واحدة لإشباع البطون//.. ولكن المزروعي يتحسر الآن على هذا السلوك الذي أصبح من الماضي البعيد ولكنه ضارب في الجذور .
وتحدث عن الأنواع الأخرى من المحاصيل التي تجود في الصيف: /كان الصيف في الماضي أغنى الفصول التي تجود بالفواكه اليانعة ذات المذاق الطيب ننتظر موسمها بلهفة وفرح/.. مشيرا إلى أن صيف الإمارات كان يعج بأصناف كثيرة من الفواكه التي تنتج محليا عكس اليوم.. وعدد الكثير من هذه الفواكه ومنها: اللوز ويسمى بيذام وهي فاكهة ذات لون أحمر أو أصفر إذا جففت تحت أشعة الشمس تكسر ويستخرج منها ما يشبه اللوز المعروف وكانت هذه الشجرة موجودة بكثرة إذ يحرص الأهالي على زراعتها داخل منازلهم ولا يخلو منزل من وجود شجرة واحدة على الأقل .
وبين أنها تتحمل درجات الحرارة المرتفعة وهي شجرة تصل إلى ارتفاعات عالية تشكل عدة طبقات فيصبح تحتها الظل الوارف وتتصف شجرة اللوز بأوراقها العريضة الكبيرة والثمر يبدأ بغصن دقيق يخرج من جانب الورقة ويجتمع عليه حبيبات دائرية خضراء ما تلبث ان تتفتح بزهور نجمية بيضاء صغيرة ومن هذه الزهور تعقد ثمرة اللوز اللذيذة .
وأوضح ان الثمرة تبدأ خضراء وتمر بمراحل اصفرار واحمرار وتؤكل القشرة الرقيقة الخارجية مع الطبقة الثانية والطبقة الداخلية الثالثة عبارة عن نواة خشبية ليست صلبة جدا ولا تؤكل ويوجد بداخلها لب يشبه اللوز الذي في المكسرات مع اختلاف بسيط .
وذكر من فاكهة الإمارات القديمة النبق /يلفظ النبج بالعامية/ وهو ثمار شجرة السدر والليمون /ويقال لومي بالعامية/ وهو على نوعان منه الحامض ومنه الحلو وهو من فصيلة الحمضيات وصغير الحجم وألوانه بين الأخضر والأصفر .
ويقول عبدالله أحمد المزروعي "اعتمد أهالي الإمارات في صيفهم قديما وبشكل أساسي على زراعة الخضراوات والفواكه وأشجار النخيل بأنواعها وبعض الحبوب وجمع محاصيل العسل البري من الكهوف الجبلية ".
ويضيف " تعددت المناطق الزراعية الخصبة في الإمارات مثل واحة الذيد وسهول رأس الخيمة والعين والظفرة والساحل الشرقي والذي حتى وقتنا الحاضر تعتبر المنطقة جنة خضراء بمزارعها المملوءة بأشجار النخيل والمانجو والليمون وشجر السدر المعروف عند أهل المنطقة لذلك كان هناك إقبال كبير من الأهالي على الزراعة خصوصا أشجار النخيل بأنواعها المختلفة علاوة على أصناف مختلفة من الخضراوات والفواكه مثل النبق وأشجار الموز والمانجو والليمون وبعض الحبوب مثل الذرة والشعير ".
ويواصل " من أبرز الفواكه الصيفية التي تنتجها مزارعنا التين والرمان وثمرة الجوافة والبطيخ والشمام والتوت المحلي وغيره كما اشتهرت المنطقة الشرقية ومازالت بزراعة أشجار المانجو "الهامبا" والعديد من أشجار الفواكه والحمضيات ".
ويشير إلى ان للمانجو فوائد صحية كثيرة بالإضافة لطعمها اللذيذ واحتوائها على الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة وفيها أيضا إنزيم يساعد على تهدئة المعدة .
وتعتبر أنواع المانجو التي تنتجها مزارع المنطقة الشرقية من أفضل أنواع المانجو محليا على مستوى الدولة وتشهد إقبالا كبيرا بمجرد عرضها في الأسواق المحلية وعند الباعة المتجولين علما بأن موسم قطف المانجو يبدأ فعليا منتصف الشهر المقبل .
وذكر المزروعي من الفواكه الأخرى /الهمبو/ وهي فاكهة صيفية إماراتية محلية صغيرة الحجم حلوة ولذيذة الطعم بها مادة صمغية سائلة لزجة في داخلها كأنها صمغ سكري شفاف تحيط بالنواة /الطعامة/ تسبب لذعة خفيفة على اللسان تزرع الشجرة وتنتشر في العديد من الأماكن والمناطق في دولة الإمارات ويحتاج الهمبو إلى تربة طينية تمزج بالرمال وهي نوعان /أبو الروان وبو الحصا/ وهي شجرة استوائية يقال إن موطنها الأصلي اندونيسيا وتعتبر من الأشجار وحيدة النواة ولون ثمارها أخضر يتحول عند النضج إلى الأصفر المائل إلى الوردي .
ويضيف " همبو /بو الروان/ هي فاكهة صيفية مستديرة بحجم حبة النبج الكبيرة لونها أصفر وبها نواة كبيرة وسائل لزج حلو المذاق استخدم هذا السائل في الماضي كصمغ عند أهل الإمارات وهمبو /بو الحصا/ هو بحجم همبو بو الروان لكنه من حيث الشكل يختلف قليلا أما السائل الذي بداخله فهو ليس لزجا وطعمه حامض ".
وذكر المزروعي من الأنواع الأخرى: الزيتون وهو أسم محلي يقصد به الجوافة أما الفرصاد هو التوت .
ونوه إلى ان الموز نوعان: موز فرضي وهو موز صغير أشبه بعقلة الإصبع وهو حلو المذاق وموز برحي وهو موز ثخين وقصير وطعمه قليل الحلاوة .
ومن أنواع الفاكهة في الماضي ذكر قلم شكر وهو قصب السكر والشخاخ والترني ويزرع مع اللومي وهي من الحمضيات والتين والرمان والصبير والفيفاي وهو دخل الإمارات حديثا .
من جانبه يقول المواطن عبدالله سهيل المزروعي من اهالي محاضر ليوا /75 عاما/ .. "عشنا تلك الأيام الجميلة ورأينا ذلك التعاطف الكبير بين الناس لأن وقت الصيف بالنسبة للمزارعين وقت جهد وعمل فالنخيل بمختلف أنواعها تبشر بالرطب وكانت النخيل هي الشجرة الأولى التي نعتمد عليها في الغذاء" .
ويواصل " نتابع النخيل ونعتني بمحصوله فنبدأ بتنبيت النخيل ثم يصبح حبيبو ثم بلح ثم رطب وقد تعدد وتنوع الرطب في الإمارات من حيث الصنف والشكل واللون وإذا جفف أصبح سحا /التمر/ ويأكل عادة في الشتاء ".
ويتابع "لا يعتبر نخيل التمر مصدر غذاء للإماراتي فحسب بل إنه مصدرا للظل والحماية من رياح الصحراء أيضا بالإضافة إلى أنه يدخل في صناعة العديد من المنتجات اللازمة للإنتاج الزراعي والاستخدام المنزلي وأداة من أدوات البناء وأثاث المنزل التقليدي إلا أن التمر في المجمل يشكل الغذاء الرئيس للسكان في منطقة أضنت عليها الطبيعة ".
وينوه إلى انه رغم انتشار النخيل في معظم مناطق الدولة إلا أنه يتركز بشكل رئيس في أربع مناطق هي العين والساحل الشرقي وواحة الذيد شرقي الشارقة وسهول رأس الخيمة والمنطقة الغربية في أبو ظبي وتشمل ليوا ومدينة زايد وغياثي ودلما والرفأ .
ويضيف "في المحاضر نزرع النخيل واليح والبطيخ /اليح هو البطيخ في اللغة العربية الفصحى أما البطيخ فهو الشمام الأصفر/ ولا تجدي زراعة الفاكهة الأخرى نفعا في المحاضر ".
ونوه إلى أن الأهالي تكثر من أكل اليح والبطيخ في الصيف نظرا لاحتوائهما على السوائل التي تساعد على تلطيف درجة حرارة الجسد .
ويعتبر اليح من الأغذية الصيفية المهمة واللذيذة والباردة فهو يروي ظمأ الحر الشديد ويملأ المعدة بالماء والألياف فيعطي طاقة سريعة لاحتوائه على السكر البسيط الذي سرعان ما يمكن امتصاصه بواسطة جدران المعدة ليعوض ما فقده الجسم أثناء يوم صيف حار جدا والأهم من ذلك يعتبر الغذاء العلاجي لحالات ضربة الشمس الخفيفة لأنه يعوض ما يفقده الجسم من ماء وسكر وأملاح معدنية .
وأرجع المزروعي سبب قلة حضور فاكهة الإمارات في الأسواق الآن إلى قلة ماء المطر في السنوات الأخيرة مما أدى إلى هجرة الأهالي لمهنة الزراعة كما ان طعم الفاكهة تغير لأن طريقة التسميد تغيرت ففي الماضي كانت الأسمدة طبيعية أما الآن تستخدم الأسمدة الكيماوية كما ان عدد سكان الإمارات الآن تضاعف عدة مرات مما جعل الأسواق تغرق بالفاكهة المستوردة لسد حاجة السوق .
أرسل تعليقك