عملان يعيدان نيكولا معوض إلى الجمهور: تلفزيوني وسينمائي. انطلق «عالحلوة والمرة» في 29 أغسطس (آب) على «إم بي سي 4» وفيلم «ماكو» في الصالات المصرية في الأول من سبتمبر (أيلول). ستة أشهر مدة التصوير في تركيا، والعودة إلى لبنان مُحملة بمشاعر متناقضة. ما كلفة النجومية؟ يجيب بأن الثمن هو البعد عن الوطن. يرفض إلحاق صفة «الإجحاف» به، ويقول بصراحة: «لم يظلمني الإنتاج اللبناني، لكن حضوري في مصر نبه المنتجين اللبنانيين أكثر إلي».
يتذكر البدايات مع يحيى الفخراني، وكيف أتقن اللهجة المصرية وتشرب روح «أم الدنيا». يعود إلى لبنان بامتنان. هنا الأحبة والأرض الأبدية. وهنا اللقاء الأول بالزوجة؛ وللمناسبة هي ليست أوكرانية كما تتداول المواقع، «هي من جنوب أفريقيا، تعمل متطوعة في منظمة إنسانية. عمرها 27 سنة وأكبرها بـ15 عاماً. للأسف، الناس يصنفون البشر من أشكالهم. هل أُصدر بياناً أقول فيه بأنها ليست أوكرانية؟ لن يهم ذلك في شيء. التقينا ليكمل أحدنا الآخر».
صور «ماكو» قبل نحو سنة ونصف سنة، فأرجأت الجائحة موعد العرض. فيلم لهشام الرشيدي، يطل فيه التركي مراد يلدريم ضيفاً. تشويق وإثارة وغطس في أعماق البحر، يضع معوض أمام تحدي الشخصية. «يستهويني صنف الشخصيات المستفزة والجديدة». لم يكن قراره الشخصي الابتعاد عن الشاشة اللبنانية. «أتبع العرض الأفضل، في أي مكان». حمله «عالحلوة والمرة» إلى تركيا لستة أشهر. «تحمستُ للتجربة. هذه المرة الأولى التي تُقلب فيها القاعدة: نجم لبناني مع نجمة سورية (دانا مارديني)! أستمتع لأعمل».
لرياح الحياة هبات، فقد تترك المرء على أبواب مُقدرة، وما عليه سوى الاقتحام. فرصة تلو أخرى، تبتسم لنيكولا معوض في مصر. هل هو الحظ؟ بل «اتباع الحدس».
وأكمل معوض في حواره مع "الشرق الأوسط" شعبية «ونوس» (رمضان 2016) وحضور يحيى الفخراني، دفعا باتجاه تشتهيه سفنه، فتوالت الفرص. حيث قدم دور الداعية بمهنية عالية، فحفظ آيات قرآنية وتعمق في الشخصية. سبق ذلك تعمقه بلهجة أهل البلاد وكل نَفَس في الكركتير المصري. دربه مصطفى سامي، وهو في طباعه «نيقة». لثلاث ساعات تقريباً، اتخذ من دكان في أحد الشوارع مكاناً للترصد والمراقبة: «لا يكفي تعلم اللهجة. بل النَفَس ولغة الجسد». ذات مرة عاد إلى مصر، وأجرى اتصالاً طويلاً باللهجة اللبنانية. قرصه الذنب: «ليه ما بتكلمشِ مصري؟».
تلقاه المنتج المصري ومنحه أدواراً بينته، فلفت ذلك المنتج اللبناني وصوب الأنظار عليه. رد الاعتبار له اختياره من «إم بي سي 4» لبطولة «عالحلوة والمرة» المأخوذ من الدراما التركية. «لا أريد المبالغة والقول إنني ظُلمت في بلدي. شعرتُ بالقدرة على إعطاء المزيد. بعد مصر، أنال إنصافاً أكبر».
ترددت العائلة قبل الموافقة على قراره: أنتَ متفوق في الفيزياء والرياضيات، حصدت المرتبة الأولى في الثانوية العامة على مستوى جبل لبنان، ودرست الهندسة المدنية، كيف تترك كل ذلك من أجل المسرح والفن؟ «فعلتُها. هذه إشارات قلبي. في داخلي صوتٌ يرشدني. لا أتبع قواعد المنطق. إن قال العقل أرض بهذا الدور، ودق القلب لدور آخر، أقف في صف قلبي». من أين تأتي بهذه النعمة؟ دائماً ثمة امتنان، تمتلئ بالإيمان وتلمح الجمال في كل لحظة. ربما لأنه منذ سنوات خسر والديه، فتأكد بأن الصحة تأتي أولاً، ولا شيء يستحق الأحزان. «لا المال ولا الأعمال ولا الأدوار». أكثر ما يهم: «السمعة»، هي كنز الإنسان. «تربيتُ على احترام الناس مهما تتفاوت أحوالهم الاجتماعية. النجومية لا تعني التأخر على مواعيد التصوير، بل الالتزام بالوقت. سلوك النجم خلف الكواليس هو صورته الحقيقية، لا ما يظهر دائماً. هل يحترم الجميع، ونفسه والساعة؟ أي أثر يبقى بعد الـ«Cut كاميرا»؟ الغرور نهاية الممثل. تربيتُ على أن البشر يُقدرون بأخلاقهم. البقاء على الأرض يحفظ استمراري».
تعرف على مراد يلدريم في «ماكو»، «وكم هو لذيذ! كأنه جاري وأعرفه منذ مدة». ماذا عن قالب الحلوى وليلتي الفندق، هدية زوجة النجم التركي كيفانش تاتليتوغ المعروف في بلادنا باسم «مهند»؟ يضحك. «باشاك ديزر، زوجته، هي الستايلست الخاصة بي في (عالحلوة والمرة). بعد زواجي، أفرحتني بهديتها. متواضعون ومحبوبون».
يسعده اختياره لفيلم صُور في أستراليا للمخرج جورج ميلر، صاحب «الأوسكار» عن «Happy Feet». «سيعرض في العام المقبل، دوري أساسي ولو أن حجمه ليس كبيراً. وفخور أيضاً لأداء شخصية «النبي إبراهيم» في فيلم «His Only Son»، من بين 1700 مرشح للدور. لسبعة أشهر تقريباً، تأخر التصوير في الولايات المتحدة بانتظار حصول نيكولا معوض على فيزا عمل إلى أميركا. «كان حلماً. لم أصدق ماذا يحدث». متى العرض؟ «حين تفتح الصالات. كان النقاش، هل يُباع إلى منصة أم ينتظر الشاشة الكبيرة؟ مكانه في السينما».
ماذا كلف كل هذا؟ «بُعدي عن لبنان حيث عائلتي وأصدقائي». حين يفكر بما خسر في مقابل ما كسب، تبدو له الخسارة كبيرة، «فأنا متعلق بالأرض، المسافات تعذبني». منذ خمس سنوات وهو يتنقل إلى مصر، «ولا أطيل الغياب». تصوير «عالحلوة والمرة» في تركيا، أبعده لستة أشهر، فالجائحة قاسية. «أسافر ولا بد من العودة».
لا يجد نيكولا معوض نفسه أهم من أي لبناني يقف لساعات في صف الذل. «أكون هنا، فيخف شعوري بالذنب». ما يعنيه هو من يحبهم، قبل الترف والامتياز. يعنيه الانتماء، «فالجنة بلا ناس لا تداس». لبنان يمده بالطاقة: «يشرجني». وبحر مدينة صور (الجنوب) يشرجه أيضاً و«الناس هون».
قد يهمك ايضًا:
أرسل تعليقك