القدس المحتلة ـ ناصر الأسعد
عاد السيّاح والمصلون للتدفق إلى كنيسة القيامة التي فتحت أبوابها بعد 3 أيام من الإغلاق، احتجاجاً على القرار الإسرائيلي بفرض ضرائب باهظة على أملاك الكنائس المقدسية، وهزّ إغلاق الكنيسة قطاع السياحة في الدولة العبرية وهدد بتوقفها، خصوصاً أن كنيسة القيامة في القدس المحتلة وكنيسة المهد في بيت لحم، تعدّان الجاذب الأول للقطاع، ومنذ عام 2010، بدأت سلطات الاحتلال دراسة فرض “ضريبة الأملاك” على الكنائس في المدينة المقدسة، غير أنها حسمت أمرها أخيراً، مستقوية على ما يبدو، بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس “عاصمة لإسرائيل”، لكن إغلاق أبواب كنيسة القيامة وما رافقه من مسيرات واحتجاجات قادها رجال دين مسيحيون، والتلويح بإغلاق أبواب كنيسة المهد، ألحق ضرراً كبيراً بصورة إسرائيل في العالم الغربي، وهدد بتوقف السياحة الأجنبية إليها، ما حدا بإسرائيل إلى الإسراع إلى تجميد تنفيذ القرار. لكن مسؤولين فلسطينيين أكدوا أن التجميد “غير كافٍ”، وأعلنوا عزم السلطة على إطلاق حملة دولية لإلغاء القرار بشكل كامل، وليس فقط تجميده.
ورأى رجال دين وشخصيات مسيحية فلسطينية أن سياسة الضرائب هدفت إلى دفع الكنائس لبيع أو تأجير بعض أملاكها من أجل توفير المال لتسديدها، وإلى تقليص الوجود غير اليهودي في القدس، وتحويلها من مدينة فلسطينية الملامح والهوية، إلى مدينة يهودية، علماً أن أوقاف الكنائس تملك 28 في المئة من مساحة القدس الشرقية المحتلة، فيما تملك الأوقاف الإسلامية 29 في المئة، وكانت جمعيات استيطانية إسرائيلية وضعت أيديها على عدد من ممتلكات الكنيسة الأرثوذوكسية بأساليب مختلفة، من بينها تزوير عقود إيجار من خلال شراء ذمم عدد من الموظفين اليونانيين في الكنيسة.
وقال عضو اللجنة الرئاسية لشؤون الكنائس الدكتور حنا عيسى إن تلك الجمعيات “تقف بالمرصاد للسيطرة على هذه الأملاك، خصوصاً في القدس، حيث لا تقدّر الأراضي بثمن”. ولفت إلى أن كنيسة الروم الأرثوذوكس تستخدم إيرادات أملاكها للإنفاق على المشافي والمدارس المنتشرة في المدن والقرى الفلسطينية المختلفة”. وقال إنه “في حال فرض الضرائب، فإنها ستعجز عن تشغيلها”، معتبراً أن “هذا هو الهدف الخفي وراء القرار الإسرائيلي”، غير أن الاحتجاجات والإضرابات التي قادها رجال دين مسيحيون ومسلمون، نجحت في إجبار الحكومة الإسرائيلية على التراجع عن قراراتها في شأن المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس، لتضاف إلى الانتفاضات الشعبية الفلسطينية التي احتلت المدينة المقدسة عناوينها في العقدين الأخيرين. ففي عام 2000، اندلعت “انتفاضة الأقصى” إثر قيام زعيم اليمين الإسرائيلي السابق أرييل شارون باقتحام المسجد الأقصى. ثم تفجرت “هبة القدس” الشعبية في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، احتجاجاً على اقتحامات المتدينين اليهود المتكررة لباحات المسجد، قبل أن تتفجر هبة شعبية جديدة الصيف الماضي، في مواجهة قرار سلطات الاحتلال فرض بوابات فحص إلكترونية على مداخل الأقصى. وأخيراً، تفجرت هبة الكنائس في وجه الضرائب الباهظة على أملاكها والتي هددت بقاءها.
وقال الكاتب المقدسي يونس العموري: “من جديد، نكتشف أن للقدس حسابات مختلفة عن باقي المدائن، فالقدس تاريخياً تحررنا من هزائمنا ومن انكساراتنا، فيما نحن نسعى إلى تحريرها، توحدنا فيما نجهد من أجل توحيدها، وتفتح لنضالنا الآفاق الواسعة فيما نحاول أن نكسر من حولها القيود، ذلك أنها تجمع الأمة بمكوناتها كافة”.
أرسل تعليقك