أشاد وزير الإعلام الجزائري جمال كعوان، بـ"فلسفة العيش معًا في سلام"، التي ينطوي عليها "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"، الذي احتفلت الحكومة ,السبت, بمرور 13 سنة على إطلاقه.
وعرفت المناسبة منع قوات الأمن مظاهرة قام بها أفراد عائلات آلاف المغيبين أثناء الحرب ضد التطرّف، للمطالبة بـ"الحقيقة والقصاص" ضد من كانوا سببًا في اختفائهم في تسعينيات القرن الماضي، بسبب انتمائهم للتيار الإسلامي.
وجرت الاحتفالات الرسمية بـ"المصالحة" في ولاية عين الدفلى "150 كلم غرب العاصمة" وهي من أكثر المناطق التي عانت من التطرّف، وتعتبرها السلطات "نموذجًا للمصالحة" على أساس أن عددًا من المتطرفين الذين يتحدرون منها، عادوا إلى الحياة من جديد وانغمسوا في مدن وقرى عين الدفلى، بعد أن استفادوا من إبطال المتابعة القضائية وأحكام السجن، التي صدرت بحقهم بسب تورطهم في أعمال متطرفة. وبحسب السلطات لم تحدث أبدًا أعمال انتقام ضد "التائبين عن التطرف".
وقال كعوان، الذي كان يتحدث بحضور السلطات العسكرية المحلية، إن "سياسة المصالحة التي أقرها فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كانت ناجحة، لدرجة أن بلدانا تعيش نزاعات داخلية طلبت استيرادها لتطبيقها". في إشارة إلى مساع تقودها الجزائر في مالي و ليبيا للتقريب بين الأطراف المتنازعة بهذين البلدين.
ويحلو للمسؤولين الجزائريين القول إن "مصالحتنا مطلوبة دوليًا"، لكنهم يظهرون حساسية لأي حديث عن "نزاع داخلي"، أو "حرب أهلية" عاشتها بلادهم. و يعتقدون، حسب بعض المراقبين، أن ما جرى كان "اعتداء على شعب من طرف إرهابيين"، وأن "الانتصار عليهم كان بفضل اصطفاف الشعب وراء قواته الأمنية، وبخاصة جيشه".
وأيّد الجزائريون في استفتاء نظم في 29 سبتمبر /أيلول سنة 2005 "ميثاق السلم والمصالحة"، الذي يقترح على المتشددين عفوًا مقابل تسليم أنفسهم وأسلحتهم. وعشية الاستفتاء سلم متطرف بارز نفسه، يدعى حسان حطاب، زعيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، وعد ذلك وقتها "ضربة موجعة للإرهابيين".
وصدر "قانون المصالحة"، الذي يتضمن تفاصيل "الميثاق"، في فبراير /شباط 2006. وأهم ما جاء فيه أن "الإسلاميين" الذين تورطوا في بعض الجرائم، محرومون من الانخراط في الأحزاب ومن الترشح للانتخابات، لكن من دون ذكر أحد بالاسم. وعد ذلك مخالفًا للقانون، الذي يمنع إنزال عقوبات جماعية.
ولا يعرف بالتحديد عدد المتطرفين الذين استفادوا من "المصالحة"، برغم مرور سنوات كثيرة من تطبيقها. بينما أعلن في مشروع "الوئام المدني" 1999بأن 6 آلاف من أعضاء "الجيش الإسلامي للإنقاذ" استفادوا من عفو رئاسي.
و منعت قوات الأمن ,السبت , في ذكرى "المصالحة" ,مظاهرة وسط العاصمة لعائلات "المفقودين" كما يسميهم الخطاب الرسمي, وهم من ضحايا الاقتتال بين قوات الأمن والتطرف.
وطالب نشطاء المظاهرة بـ"الكشف عن حقيقة مصير" أبنائهم، وسبق أن رفضوا تعويضا اقترحته عليهم الحكومة على سبيل طي الملف.
ويفوق عدد "المفقودين" 22 ألفًا، بحسب "جمعيات عائلات المختفين قسريا"، تم اقتيادهم إلى مراكز الشرطة مطلع تسعينيات القرن الماضي بشبهة التطرف, ولم يعد هؤلاء إلى ذويهم، الذين يتهمون قوات الأمن بقتلهم ودفنهم في أماكن مجهولة. وتمنع "المصالحة" رفع دعوى في القضاء بتهمة "الخطف"، أو "القتل"، أو "التعذيب" ضد أي رجل أمن، بحجة أن ذلك "يثخن الجراح". فيما يطلق المعارضون لمشروع بوتفليقة على ذلك بأنه "يكرس الإفلات من العقاب".
ودعا مكتب "منظمة العفو الدولية" في الجزائر في بيان ",السلطات الجزائرية إلى اتخاذ إجراءات فعالة لمحاربة الإفلات من العقاب"، و"إلغاء النصوص القانونية الحالية التي تعاقب انتقاد أفعال قوات الأمن بشكل علني".
وقال البيان "بدلًا من التحقيق في جرائم القتل خارج القانون وحالات الاختفاء القسري، والتعذيب والاعتداء الجنسي، التي حصلت خلال سنوات 1990 ومتابعة مرتكبيها أمام القضاء، قررت السلطات الجزائرية اتخاذ سلسلة إجراءات، تثبت اللاعقاب ومنعت الضحايا وأسرهم من العدل والتعويض".
وأكّدت حسينة اوصديق، مديرة مكتب منظمة العفو الدولية في الجزائر، أنه يتوجب على السلطات أيضًا "السهر على ألا تتكرر الخروقات الخطيرة لحقوق الإنسان في سنوات 1990"، داعية السلطات إلى التصديق على المعاهدة الدولية للحماية من الاختفاء القسري التي سبق أن وقعتها في 2007. بحسب ما نقل عنها البيان.
وذكرت المنظمة الحقوقية أن التعديلات الصادرة في ديباجة دستور 2016 "دعمت ثقافة الإفلات من العقاب بتأكيدها على نجاح المصالحة الوطنية"، و"إرادة الشعب الجزائري في الحفاظ عليها، دون أي اعتبار للوضع المأساوي للضحايا، وأسرهم المعارضين لهذا الإفلات من العقاب".
أرسل تعليقك