بعد مصادقة الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو على قانون تعديل قانون الانتخابات الفيدرالية خلال الأشهر الماضية، تعيش الصومال حالة من الترقب. فالمعارضة وجهت العديد من الانتقادات للقانون وطالبت بإعادة النظر فيه، باعتباره لا يناسب الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمر بها البلاد يأتي هذا وسط حالة من الاستقطاب السياسي بين الحكومة والمعارضة في وقت تستعد فيه البلاد لإجراء أول انتخابات مباشرة في البلاد في أواخر العام الجاري 2020، ما يعزز من التكهنات بشأن مستقبل الانتخابات نفسها ومستقبل نظام الرئيس فرماجو في الحكم خلال الفترة المقبلةويرى مراقبون أن وباء كورونا المستجد شكل طوق نجاة للرئيس والبرلمان، ومنحهم فرصة لترتيب أوضاعهم وضم المزيد من الولاءات الجديدة وأعطى الرئيس الحق في تأجيل الانتخابات والتمديد لعام أو عامين، ما قد يشكل مزيدا من الاضطرابات في بلد يعاني من عدم الاستقرار منذ سنوات ويخضع لضغوط ومصالح إقليمية ودولية متعارضة
أزمة كورونا
قال عبد الناصر معلم المحلل السياسي الصومالي، إنه "لا مجال اليوم لتحريك إجراءات عمل اللجنة الدستورية التي توقفت بسبب مكافحة وباء كورونا، وهذا متضمن في القرار بوقف عمل اللجنة، والأزمة لم تنته، وبالتالي لا حديث عن معاودة اللجنة أعمالها بالتزامن مع مكافحة الوباء من أجل الانتهاء من قانون الانتخابات، ولم يتضمن القرار توصيفا لأي صيغة بديلة تمكن من إنجاز اللجنة مهامها وفق جدولها الزمني الذي كان مقررا"وأضاف المحلل السياسي في تصريحات لـ"سبوتنيك"، "لم تظهر بعد أصوات معارضة لهذا القرار، وحتى إن ظهرت فإنها ستكون مثار سخرية وغير مؤثرة، فلا مجال الآن لأي صوت آخر لا يتسق مع تعزيز إجراءات مواجهة كورونا".
تمديد اضطراري
وأشار معلم إلى أن "عمل اللجنة سيكون متوقفا حتى انتهاء الأزمة، ولا أحد يمكنه التنبؤ بالفترة الزمنية التي ستستمر فيها، وإذا امتدت الأزمة إلى ما بعد الشهور الأولى من عام 2021 موعد انتهاء فترة البرلمان والرئاسة الحاليين فمعناه تمديد اضطراري لهما"من جانبه قال عبد الرحمن إبراهيم عبدي الباحث بمركز مقديشيو للدراسات بالصومال: "أربك فيروس كورونا المستجد المشهد السياسي في الصومال وخلط الأوراق، إلا أن الجدل محتدم بين القوى السياسية بشأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهذا الجدل بلغ أوجه بعد تعليق عمل اللجان البرلمانية وخاصة المكلفة بإعداد القوانين الضرورية للانتخابات المقبلة بسبب وباء كورونا".
وأضاف الباحث الصومالي لـ"سبوتنيك"، "بحسب رأيي من الصعب إجراء انتخابات شعبية مباشرة في الصومال خلال ما تبقى من فترة الحكومة الحالية وذلك لسببين، أولهما غياب التوافق السياسي بين الأطراف المختلفة على النظام الانتخابي، وضعف الشبكات الانتخابية على المستوى الإقليمي والفيدرالي، وثانيهما التدهور الأمني وتهديدات حركة الشباب"مشيرا إلى أن "جميع الأطراف السياسية المعارضة بما فيها الحكومات الإقليمية والمجتمع الدولي يرفضون التمديد ويشددون على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها وسط صمت مطبق من قبل الحكومة".
سيناريوهات محتملة
وتابع عبدي، "هذا الصمت الحكومي يثير شكوكا حول مصير الانتخابات، ويعيد خلط أوراق الأحزاب السياسية والمرشحين المحتملين، ما يجعل الباب مفتوحا لكل احتمالات لعل أبرزها، تمديد فترة ولاية الرئاسة والبرلمان لمدة عامين وهذا الخيار يقترحه عدد من نواب البرلمان، أو تنظيم انتخابات وفق نظام المحاصصة القبلية، وهذا الخيار لا يروق للحكومة الحالية ويقلل من حظوظها، أو تنظيم مؤتمر وطني تشارك فيه الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية للاتفاق على خارطة طريق، وصيغة معينة للانتخابات وهذا هو الأقرب إلى الواقع".
وأوضح الباحث بمركز مقديشيو، أن الحكومة "تواجه ضغوطا شديدة من قبل الأطراف السياسية والمجتمع الدولي للكشف عن برنامجها تجاه الانتخابات، فيما يبدو أنها غير مستعدة للرضوخ وتفضل الاستمرار في سياساتها المنغلقة وتتحاشى عرض جدول محدد للانتخابات لكن هناك حراك سياسي ومجتمعي وقوي رافض لهذه السياسات وتطالب بقوة إجراء الانتخابات، بغض النظر عن نوعيتها وأنها ستفقد شرعيتها بعد شهر فبراير/ شباط المقبل"وعلق مصدر في مجلس الشيوخ الصومالي لـ"سبوتنيك" قائلا: "إلى الآن ليس هناك نية لعملية التمديد، إلا في حالة حدوث طارئ يستحيل معه إجراء الانتخابات الفيدرالية".
وأضاف المصدر، "في رأيي أنه لن يكون هناك أي تمديد وأن اللجنة الدستورية سوف تستأنف عملها بمجرد انحسار الوباء من أجل الانتهاء من القوانين التي تتطلبها الانتخابات القادمة، الأمر الآن متعلق بوباء كورونا المستجد وليس لأي اعتبارات أخرى"وتمثل الولايات الفيدرالية قوى سياسية هامة في المشهد الصومالي، وتقوم بمعارضة سياسات الحكومة الاتحادية، ما أدى إلى تأزم العلاقة بين الطرفين، ومن أبرز تلك القوى ولايات جوبالاند وبونت لاند إلى جانب صومالي لاند، وقد سعت الحكومة الاتحادية للإطاحة بحكام تلك الولايات وصعود موالين لها إلا أنها فشلت وترتب عليه تعميق الأزمة، وهو ما تجلى في رفض تلك الولايات النظام الانتخابي الجديد كونه يرسخ لديكتاتورية جديدة في البلاد من وجهة نظرها.
ويعد التأجيل هو السيناريو الأقوى في الصومال مع استمرار أزمة تفشي فيروس كورونا في كثير من دول العالم، ما دفع الحكومة الصومالية إلى اتخاذ إجراءات طارئة للحد من انتشاره، أضف إلى ذلك، حاجة الرئيس فرماجو للمزيد من الوقت لاستمالة بعض الولايات الإقليمية إلى جانبه، وتحقيق المزيد من الأمن في عموم البلاد، وتوافر الآليات المطلوبة لإجراء الانتخابات الصومالية، فضلاً عن تخوفه من حالة الاستقطاب السياسي في البلاد، وتحالف قوى المعارضة لإسقاطه في الانتخابات المقبلة، وتحدي بعض الولايات الإقليمية للنظام، كما أن التكلفة المالية لإجراء الانتخابات من المتوقع أن تتجاوز 53 مليون دولار، ما يمثل عبئا على الخزانة العامة.
في خطابه السنوي أمام مؤتمر القضاء الصومالي، إعتذر الرئيس فرماجو رسميًا عن قصف الطيران العسكري لمدينة هرجيسا عام 1988 قائلا "لم تكن ذات بعد قبلي أو بسبب هجوم الجنوب على الشمال بل كانت نتاج قرار ويفتح هذا السيناريو الباب أمام تمديد وضمان بقاء نظام الرئيس فرماجو في السلطة لأجل غير مسمى ربما يمتد من عام إلى عامين حتى تحديد موعد جديد للانتخابات، وذلك وفقا للمادة 56/7 من قانون الانتخابات الجديد الذي يمنحه الحق في تأجيل الانتخابات في حالة وقوع ظروف قهرية
وتمديد بقاء الحكومة، وهو ما يتماشى مع نية النظام للتمديد مستغلا حالة انشغال المجتمع الدولي بقضايا حساسة مثل كورونا والتأثيرات الاقتصادية له لتنفيذ السيناريو.
وتعد تكلفة هذا السيناريو باهظة سياسيا، إذ يترتب عليه حالة من الاضطراب السياسي بسبب رفض المعارضة للتأجيل، وهو ما يمكن أن يعمق من الأزمة السياسية في البلاد ويساهم في انسداد الأفق السياسي بشكل أعمق.
قد يهمك ايضا
الرئيس الصومالي محمد عبد الله يعزل رئيس بلدية مقديشو
الإجراءات الطارئة لمواجهة وباء "كورونا" تسعد العديد من الزوجات الصوماليات
أرسل تعليقك