لم يتردّد أيّ مسؤول فلسطيني ممن حضروا حفلة استقبال أقامتها قنصلية النرويج، الأسبوع الماضي في مدينة رام الله، لمناسبة اليوم الوطني للنرويج، في التوجّه إلى القنصل الأميركي الذي حضر الحفلة، والتحدّث معه بحرارة لافتة أثارت أسئلة وأحيانا تعليقات ساخرة من قبل بعض الحضور.
وأعلنت السلطة الفلسطينية "وقف" الاتصالات مع الإدارة الأميركية عقب إعلان الرئيس دونالد ترامب اعترافه بالقدس "عاصمة لإسرائيل"، وقراره نقل السفارة الأميركية إليها، غير أنّ مسؤولين ومراقبين يقولون إن هذه الاتصالات لم تتوقف، لكنها اتخذت طابعا جديدا فيه بعض القيود من الجانب الفلسطيني، والكثير من الضغوط من الجانب الأميركي الذي يحاول تغيير قواعد العملية السياسية برمتها.
وتتمثّل المعادلة الجديدة للعملية السياسية التي تحاول الإدارة الأميركية فرضها، في تغيير مرجعيات هذه العملية القائمة على حل الدولتين على حدود العام 1967، والشروع في مفاوضات مفتوحة على حل جديد لا يتعدى الحكم الذاتي، يطلق عليه اسم دولة، على قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية، من دون القدس القديمة، ومن دون حقوق اللاجئين والحدود.
ويعترف مسؤولون في الجانبين بأنّ العلاقة بينهما لم تتوقف، بل تحولت إلى صيغة جديدة تشبه معادلة "التعاون والصراع"، فمن جهة تتواصل الاتصالات والتعاون، وبخاصة في الجانب الأمني، ومِن جهة ثانية يتفاقم خلاف حاد بشأن مبادرة السلام الأميركية التي ترفض السلطة الفلسطينية الانخراط فيها، تصاحبه ضغوط أميركية ظاهرة وصلت إلى حد تجميد المساعدات.
ويقول مسؤولون فلسطينيون إن الإدارة الأميركية تحاول "ثني ذراع" السلطة وإجبارها على الانخراط في عملية سياسية تم تغيير قواعدها الأساسية.
وقال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" الدكتور محمد أشتيه، إن "إدارة ترامب تستخدم معنا أسلوب اقتياد القطيع إلى حتفه"، وزاد: "في أميركا يذبحون الأبقار من خلال دفعها في مسار يجري في نهايته إطلاق النار عليها من مسدس كهربائي على رؤوسها، قبل أن يصار إلى سلخها وتقطيعها وبيعها في سوق اللحوم".
وأوقف الفلسطينيون اللقاءات مع الفريق الأميركي الذي يعمل على إعداد المبادرة السياسية للرئيس دونالد ترامب بعد الاعتراف بالقدس "عاصمة لإسرائيل"، وتقليص المساعدات المقدمة إلى وكالة "غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم" (أونروا).
وقال أشتيه إن "الإدارة الأميركية أخرجت القدس من العملية، وتسعى إلى إخراج اللاجئين والحدود"، متسائلا: "ماذا تبقى إذن لنتفاوض عليه؟".
وأجرى الوفد الأميركي، الأسبوع الماضي، جولة أخرى في المنطقة، حاول خلالها تجنيد ضغط عربي على السلطة الفلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وقال مسؤول ملف المفاوضات الدكتور صائب عريقات، إن "الوفد الأميركي طاف العديد من الدول العربية، واستمع إلى الموقف نفسه، وهو أن الحل يكمن في دولة فلسطينية على حدود العام 67، وعاصمتها القدس الشرقية". وأضاف: "من دون القدس لن يقبل أي عربي الانخراط في أي عملية سياسية".
ووجّه بعض الجهات الدولية نصيحة إلى القيادة الفلسطينية باستئناف الاتصالات مع الوفد الأميركي خشية عرض المبادرة الأميركية من دون أي مساهمة فلسطينية، وتعرضها تاليا لضغوط للتفاوض على أساسها، لكن الجانب الفلسطيني رفض هذه الاقتراحات، معتبرا أنها ستكون مدخلاً لما سماه "توريط" الفلسطينيين في التفاوض على عملية سياسية جديدة بعد تحطيم القواعد القديمة.
وقال مسؤول فلسطيني بارز إن "الحل الوحيد هو أن تتراجع الإدارة الأميركية عن موقفها، وتعلن التزامها قواعد ومرجعيات عملية السلام المتمثلة في حل الدولتين على حدود الـ67"، وأضاف: "من دون ذلك لن تكون هناك أي عملية سياسية، ولو تعرضنا إلى حصار مالي يقود إلى انهيار السلطة.. وانهيار السلطة ليس في مصلحة أي طرف".
ويتوقّع كثير من المراقبين والمسؤولين بأن تلاقي المبادرة الأميركية الجاري إعدادها المصير نفسه الذي لاقته مبادرات وجهود أميركية سابقة، وهو الفشل.
وقال الدكتور محمد أشتيه إن "القيادة الفلسطينية تميز بين أفكار تُطرح وإرادة سياسية للحل"، وأضاف: "من الواضح أنه لا توجد إرادة لدى المجتمع الدولي لحل الصراع، وكل همّ أميركا نقل الصراع في مجمله تجاه إيران بدلا من حله بين الفلسطينيين والإسرائيليين"، وأضاف: "نحن نعرف الصيغة المطروحة في ما يتعلق بإيران وسورية ورفع مستوى التطبيع مع العرب، وإذا كانت أميركا تعتقد أنه بسبب ضعف العرب تستطيع تمرير صفقة القرن فهي مخطئة".
أرسل تعليقك