القرار المفاجئ للرئيس دونالد ترامب، الانسحاب من سورية، أطلق اتصالات دبلوماسية وعسكرية بين حلفاء أميركا وخصومها المحليين والإقليميين والدوليين للوصول إلى ترتيبات وملء الفراغ. هناك موعدان يحكمان هذه الاتصالات: الأول، المحادثات الأميركية - التركية في واشنطن في 8 الشهر المقبل. والآخر، مهلة الـ60 يوماً، التي وُضعت لتنفيذ قرار الانسحاب. (بعض الدول سعى لمهلة 4 أشهر).
صمتٌ علنيٌّ وتحركٌ ضمنيٌّ في دمشق. انتظارٌ في موسكو لتنفيذ الانسحاب. قلقٌ وتحركٌ لدى حلفاء واشنطن من العرب شرق الفرات. شعور بـ«خيانة جديدة» لدى الأكراد منهم. ترحيبٌ حذرٌ ووضع خطط في أنقرة. ترقُّبٌ معلَن وتحرُّك مضمَر في طهران. صدمةٌ في باريس ولندن وبرلين وتحرُّك لثني واشنطن.
بعد صدور قرار دونالد ترامب على خلفية اتصاله الهاتفي مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان في 14 الشهر الجاري، بدأت عملية وضع خطط لـ«انسحاب كامل وسريع» من شرق الفرات ومنبج وقاعدة التنف. انسحب فوراً الدبلوماسيون التابعون لوزارة الخارجية الأميركية. ويتوقع أن يعقبهم مسؤولو «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه)، تمهيداً لتجميع القطعات العسكرية والعناصر لانسحاب ممنهج بالتزامن مع إجراءات وترتيبات لملء الفراغ.
أقرا أيضًا: استقالة وزير الدفاع الأميركي بعد إعلان دونالد ترامب الانسحاب كامل من سورية
وأكدت تقارير إعلامية ، أنه جرى طرح سيناريوين: الأول، تبناه الرئيس العراقي برهم صالح فيه أن يأتي قياديون من «حزب العمال الكردستاني» من جبال قنديل إلى السليمانية ثم يقومون بزيارة دمشق لاستعادة الحرارة والعلاقة القديمة بما يشمل عودة الجيش وحرس الحدود إلى جميع نقاط الحدود السورية مع تركيا والعراق، إضافة إلى عودة العَلم السوري الرسمي وعناصر السيادة إلى مناطق شرق الفرات. ويطرح البعض احتمال عودة التنسيق لـ«عمل مشترك ضد تركيا» كما كان يحصل في العقدين الماضيين قبل إخراج زعيم «حزب العمال» عبد الله أوجلان في منتصف 1998، تزامن ذلك مع استمرار التواصل الميداني في اليومين الماضيين بين «وحدات حماية الشعب» الكردية وقوات الحكومة وأجهزة الأمن في «المربعين الأمنيين» في القامشلي والحسكة ونقاط تماسّ في ريف حلب.
وجرت اتصالات غير مباشرة بين «الوحدات» وموسكو. لم تُبد روسيا حماساً لاحتمال كهذا، خصوصاً ما يتعلق به القسم الذي يغضب تركيا الراغبة في إبقاء شريط أمني عميق شمال حلب وشمال إدلب بموجب تفاهمات مع موسكو. لكنّ هناك قبولاً روسياً لفكرة عودة سيادة الحكومة على جميع الأراضي السورية بما في ذلك نقاط الحدود وقبول نوع من اللامركزية شمال شرقي البلاد وشمالها الغربي.
السيناريو الآخر، كان قد دفع به بعض المسؤولين الأميركيين قبل الانسحاب بمن فيهم المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري. وتضمن عناصر أكثر تعقيداً ونضوجاً: حصول تركيا على شريط آمن بعرض بين 20 و30 كيلومتراً شمال سوريا بمحاذاة الحدود من جرابلس إلى الزاوية السورية - التركية – العراقية. تفكيك نقاط المراقبة الأميركية التي أُقيمت قبل أسبوع في تل أبيض وعين العرب (كوباني) ورأس العين. إبعاد «وحدات حماية الشعب» الكردية عن الحدود. انتشار عناصر «بيشمركة» تأتي من كردستان العراق بينهم عناصر أكراد سوريون تدربوا شمال العراق. حشد عشائر عربية في شمال حلب وشرق الفرات لقتال «داعش» وتغيير التوازن الديمغرافي. هنا يلعب رئيس «تيار الغد» أحمد جربا دوراً في ذلك عبر انتقاله المكثف بين أربيل وأنقرة وطي صفحة التوتر مع تركيا. إعادة التوازنات العرقية بحيث يلعب العرب دوراً إضافياً في مدن، مثل الرقة والطبقة، ذات أغلبية عربية.
في هذا السيناريو، تُطرح فكرة نشر عناصر الحدود من قوات الحكومة للحصول على قبول موسكو ودمشق. كما تُطرح فكرة خوض حرب ضد «داعش» وخلاياه النائمة هناك، واستعادة اقتراح تركي سابق يعود إلى 2014 بأن يتم ذلك الاعتماد على العشائر العربية والقوات العربية وفصائل معارضة في الحرب ضد «داعش». وطُرحت أيضاً فكرة الاستعانة بنحو ألفين من مقاتلي المعارضة موجودين في قاعدة التنف في الزاوية السورية - العراقية - الأردنية الذين يبحثون عن مخارج بعد قرار الانسحاب واحتمال تفكيك القاعدة المحمية حالياً بقُطر 55 كيلومتراً.
نقطة الاختبار بين واشنطن وأنقرة لدى استعجال تنفيذ ما تبقى من خريطة طريق منبج عبر الانسحاب الكامل لـ«الوحدات» وموالين لها في المجلسين العسكري والمدني في منبج، إضافة إلى تشكيل مجلس جديد وبحث مصير الدوريات المشتركة التركية - الأميركية على خطوط التماس بين حلفاء واشنطن وأنصار أنقرة.
هذه الأفكار وغيرها ستكون موضوع بحث خلال الاجتماعات العسكرية والدبلوماسية التركية - الأميركية في واشنطن في 8 يناير (كانون الثاني) المقبل. إذ سيحمل الأتراك خططهم لمحاربة «داعش» وإبعاد «الوحدات». وسيجلب الأميركيون خططهم لـ«انسحاب كامل» خلال شهرين، ومصير الحظر الجوي الذي توفره طائرات التحالف الدولي.
وعندما قام وفد من «مجلس سورية الديمقراطية» ضم إلهام أحمد ورياض درار بزيارة باريس قبل يومين، وجد المسؤولين الفرنسيين في «حالة صدمة» و«فقدان للبوصلة» بسبب خروج الأميركيين. الخبر السار بالنسبة إلى الوفد كان أن تركيا علقت الهجوم. لذلك، لن يحصل ما حذروا منه من أن الهجوم المفاجئ سيؤدي إلى نقل «الوحدات» قواتها من قتال «داعش» إلى صد الأتراك. لكن الخبر المخيّب كان أن فرنسا لا تستطيع عسكرياً القيام بالكثير في حال قررت أميركا الانسحاب ولا تستطيع تلبية مطالب الأكراد بالإبقاء على منطقة حظر جوي كما حصل في شمال العراق في عقد التسعينات، ما لم يوافق الأميركيون على نداءات الحلفاء بالبقاء جواً على الأقل والإبقاء على خط «منع الصدام» الذي أُقيم على نهر الفرات بين حلفاء روسيا وحلفاء أميركا في مايو (أيار) العام الماضي.
وقد يهمك أيضًا:
أردوغان يعلن عن تأجيل تنفيذ العملية العسكرية في شمال سورية
استقالة جيمس ماتيس جيدة لترامب ولكنها سيئة للعالم
أرسل تعليقك