الجزائر ـ سناء سعداوي
شيع في الجزائر العاصمة، الجمعة، محمد الصالح يحياوي، أحد أبرز شخصيات ثورة التحرير (154 - 1962)، وواحد من الرجال النافذين في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين (1965 - 1978).
وعرف الفقيد (85 سنة)، الذي وافته المنية في المستشفى العسكري في العاصمة، باستيائه الشديد لرفض الجيش توليه الرئاسة بعد وفاة بومدين، إذ كان يعتبر نفسه وريثه الشرعي في الحكم، قياسا إلى مكانته في الجيش، وفي حزب الدولة (جبهة التحرير الوطني) نهاية سبعينيات القرن الماضي.
وقال أحد أقارب يحياوي، إنه أوصى بدفنه في مقبرة تقع بالقرب من إقامته في حي حيدرة في العاصمة، وحرص، حسبه، على عدم دفنه في مقبرة العالية، حيث قبور كبار شهداء ومجاهدي حرب التحرير، وكل رؤساء البلاد المتوفين. واللافت أن غالبية الشخصيات الكبيرة التي انسحبت من الشأن العام تعبيرًا عن موقف سلبي من الأنظمة المتعاقبة، رفضت أن تشيع بالمقبرة الرسمية، وأبرزهم عبد الحميد مهري الذي كان وزيرًا في الحكومة المؤقتة، التي تأسست في القاهرة عام 1958، وحسين آيت أحمد رجل الثورة الكبير.
وغادر يحياوي جبهة التحرير والسلطة مطلع 1980، عندما اختار الجيش العقيد الشاذلي بن جديد رئيسًا خلفًا لبومدين، الذي توفي في موسكو حيث كان يعالج من مرض خطير. وكان يحياوي يرى نفسه المؤهل للرئاسة. وغادر بوتفليقة، وزير خارجية بومدين آنذاك، السلطة لنفس الأسباب. لكن على عكس يحياوي، سافر للإقامة في الخارج، ولم يعد إلا بإلحاح من الجيش عام 1994 لما عرض عليه الحكم، لكنه رفض. ثم عاد إليه العسكر عام 1998 بعد استقالة الرئيس الجنرال اليمين زروال، فوافق على تسلم الرئاسة لكن بشروط.
ويملك يحياوي أسرار كل الأحداث الكبيرة التي عاشتها البلاد بعد الاستقلال، وأهمها الإعدامات والتصفيات الجسدية، التي طالت خصوم الرئيسين أحمد بن بلة وبومدين، وأشهرهم على الإطلاق العقيد محمد شعباني، الذي انشق عن الجيش معلنًا تمرده على بن بلة، ومحمد خيذر، الذي اغتالته المخابرات في مدريد في إسبانيا عام 1967، كما تعرض عبان رمضان للتصفية على يد المخابرات في فرانكفورت في ألمانيا العام 1970، والرجلان من مهندسي ثورة التحرير، وكانا منافسين شرسين لبومدين على الحكم.
ويعرف يحياوي أكثر من غيره من رجال النظام آنذاك من أمر ونفذ هذه الاغتيالات. غير أنه لم يخض فيها أبدًا، وظل يرفض التصريح للصحافة حتى بعد طلاقه مع النظام. كما رفض دوما دعوات المشاركة في مؤتمرات "جبهة التحرير"، التي كانت دائما خزانًا بشريًا يمد النظام بالمسؤولين في مختلف الأجهزة والهيئات الحكومية المدنية والعسكرية.
وبموت يحياوي يكون غالبية أعضاء مجلس الثورة الـ25 أعلى مؤسسة بعد تعطيل البرلمان عقب الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع العقيد بومدين، ضد الرئيس بن بلة في 19 يونيو/حزيران 1965، قد رحلوا عن الدنيا، وبقي أربعة منهم فقط على قيد الحياة، هم عبد العزيز بوتفليقة، والطاهر زبيري، قائد محاولة انقلاب فاشلة ضد بومدين عام 1967، وأحمد عبد الغني، وهو رئيس وزراء سابق، ويوسف الخطيب الذي يعد من أكبر معارضي الرئيس بوتفليقة.
وكتب محيي الدين عميمور، المستشار الإعلامي للرئيس بومدين سابقا، عن يحياوي بعد انتشار خبر وفاته، "لا جدال أنه كان ليحياوي أخطاؤه، فهو كإنسان اجتهد وأصاب، واجتهد وأخطأ، لكن بعض الأخطاء التي نسبت له كانت مفبركة أحيانًا، وكانت أحيانًا ناتجة عن تصرفات بعض المحيطين به، وقد تناولت بعض ذلك في كتابي "أنا وهو وهم"، الذي صدر في حياة الرئيس الشاذلي، وأرسلت به إليه حال صدوره".
أرسل تعليقك