أعلنت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، بعد يومين من حوارات ماراثونية، قرارها عدم المشاركة في اجتماعات المجلس الوطني المٌقرر عقدها مساء الثلاثين من الشهر الجاري في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، وهو ما أشادت به حركة "حماس"، فيما وصفته "فتح" بأنه "مخيب للآمال"، في حين يرى مراقبون أن الجبهة برفض المشاركة، قالت "لا" كبيرة للرئيس محمود عباس، في وقت زادت سهام الانتقادات الموجّهة إليه واتهامه بـ "التفرد" في اتخاذ قرارات مصيرية ووطنية وسياسية.
وعلى رغم رفضها المشاركة، أكدت "الجبهة" في بيان الخميس، موقفها من منظمة التحرير الفلسطينية و"حرصها على دورها ومكانتها وصفتها التمثيلية"، وشدّدت على "استمرارها في الجهود المخلصة من أجل الوصول إلى عقد مجلس وطني توحيدي"، فيما كشفت مصادر مطلعة أن وفد "الشعبية" برئاسة نائب أمينها العام أبو أحمد فؤاد، لم ينجح في إقناع وفد "فتح" برئاسة نائب رئيس الحركة محمود العالول، بإرجاء عقد الاجتماعات ونقل مكانها إلى خارج فلسطين.
وقالت المصادر إن "وفد فتح لم يلبِّ شروط "الجبهة" للمشاركة في اجتماعات المجلس، على رغم العلاقات التاريخية وروابط الصداقة والكفاح المشترك التي تربط بين قيادتي الفصيلين وقواعدهما"، كما "لم يتمكن من تقديم التنازلات المطلوبة منها، نظرًا إلى أن الرئيس محمود عباس مصرّ على عقد المجلس في موعده ومكانه، حتى لو لم تشارك هي أو أي فصائل أخرى فيه"، كما وصف مصدر في "فتح" موقف العالول من الحوار مع "الشعبية" بأنه "إيجابي" ولديه رغبة قوية بمشاركتها في الاجتماعات والحفاظ على أواصر العلاقات معها، وحضّ عددًا من قيادات الحركة والناطقين باسمها على "عدم التصعيد" معها بعد قرارها عدم المشاركة، وأكد أن "الباب سيبقى مفتوحًا أمامها حتى موعد عقد اجتماعات المجلس".
وكانت أربع جولات من الحوار بين وفدَي "فتح" و "الشعبية" في مقر سفارة فلسطين في العاصمة المصرية القاهرة انتهت فجر الخميس، وقالت "الشعبية" في بيانها، إن "النقاشات اتسمت بمسؤولية عالية"، وكشفت أن "الوفدين توصلا إلى توافقات مهمة في الموضوعات السياسية والاستحقاقات المطلوبة في هذه اللحظة لمواجهة مشاريع تصفية القضية الوطنية، بما فيها "صفقة القرن" التي ينوي الرئيس الأميركي دونالد ترامب" إعلانها في المستقبل، كما أوضحت أن الوفدين شددا على "أهمية الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، والتصدي لأي مخططات تعمل على تفكيكها، أو خلق أُطر موازية أو بدائل منها"، وأيضا جددت دعوتها إلى "تأجيل انعقاد دورة المجلس الوطني، ومواصلة العمل من أجل عقد مجلس وطني توحيدي وفقًا للاتفاقات الوطنية الموقّعة في هذا الخصوص، ومعالجة ملف الانقسام الذي لا نريد له أن يتعمق ويتوسع في حال الإصرار على عقد الوطني بعيدًا من تلك الاتفاقات".
من جهته، أكد عضو اللجنة المركزية لـ "الشعبية"، حسين منصور، أن قرار المقاطعة "يسري أيضًا على مقاطعة ممثلي الجبهة في الاتحادات والنقابات"، وهو "نابع من منطلقات وطنية"، مؤكدًا "الحرص على وحدة الموقف الفلسطيني وأهمية التزام القرارات الوطنية ومخرجات اجتماعات بيروت" مطلع العام الماضي، مشدّدًا على أن "عقد جلسة المجلس بالصيغة الحالية، وتحت حراب الاحتلال في رام الله، ومن دون مشاركة الكل الوطني (حماس والجهاد الإسلامي)، يعزز الانقسام في الساحة الفلسطينية، ويساهم في تعزيز نهج التفرد والإقصاء".
عبّر منصور عن خشيته من "محاولة القيادة المتنفذة استغلال جلسة المجلس من أجل العودة إلى مربع التسوية العبثية، أو ما يجري بلورته من خلال صفقة القرن"، كما أكد أن "الشعبية ستظل دائمًا وأبدًا صمام الأمان للوحدة الوطنية، والمعبر الأصيل عن ثوابت شعبنا ووحدته ومواقفه، ولا يمكن أن تخضع مواقفها للمساومة في أي موقف مصيري يخص شعبنا وقضيته" في إشارة إلى محاولات عباس الضغط عليها بوقف مستحقاتها المالية من الصندوق القومي التابع لمنظمة التحرير منذ مطلع العام الحالي.
واتسم ردّ "فتح" على قرار "الشعبية" بالعقلانية والهدوء وعدم التصعيد، باستثناء بعض التصريحات، ووصف الناطق باسمها عاطف أبو سيف القرار بأنه "مُخيب للآمال"؛ إلا أن عضو اللجنة المركزية للحركة مفوض العلاقات الوطنية عزام الأحمد أكد أن المجلس سيعقد جلساته في الزمان والمكان المحدّدين "شاء من شاء وأبى من أبى".
وعبّر أبو سيف عن أمله بأن "تتراجع الشعبية وتغيّر موقفها"، ووصف الحوارات معها بأنها "اتسمت بالمسؤولية والجدية، ولم تكن سيئة، وتم إنجاز الكثير من التقدم"، معتبرًا أن "بعض" القضايا المتعلقة بالدورة الحالية للمجلس، والتي طرحتها "الشعبية" في الحوارات، "لم تكن منطقية"، ورأى أن "الحديث عن مجلس توحيدي يجب ألا يكون مع من يحاولون الحفاظ على شرعية المؤسسة الوطنية" في إشارة إلى "الشعبية"، "بل مع من يعيق عملها ولا يشارك فيها" في إشارة إلى "حماس"، كما شدّد على أن "فتح تؤمن بالشراكة، وتحترم شركاءها ورفاق الدرب، وتنظر إلى إنجاح دورة الوطني في نهاية الجاري"، واصفًا موقف "الجبهة" بأنه "لم يكن على قدر التحديات التي يواجهها شعبنا".
ووصفت "حماس" قرار "الشعبية" بأنه "موقف تاريخي يأتي استجابة للمسؤولية الوطنية والحرص على مسيرة الوحدة الوطنية الفلسطينية"، وحضّت الفصائل الفلسطينية والمؤسسات الأهلية الفلسطينية والشخصيات الوطنية الاعتبارية على "تسجيل موقف وطني مماثل، واستشعار المآلات الخطيرة لعقد المجلس الوطني من دون توافق، وأهمها تأبيد الانقسام، وتعزيز فرص تمرير المؤامرات التي تحاك ضد قضيتنا، وفي مقدّمها ما يسمى بصفقة القرن".
وطالبت الحركة في بيان أمس، قيادة السلطة وحركة "فتح" بـ "التقاط رسالة الإجماع الفلسطيني الرافض حال التفرد والهيمنة على القرار الفلسطيني، والعمل الفوري على وقف هذه السياسة وقراراتها الانقسامية، وفي مقدّمها قرار عقد المجلس الوطني بصيغته الانقسامية والمزوّرة"، كما أكدت وقوفها "بكل قوة وصدق خلف مسار الإصلاح الذي أقرّته الاتفاقات الوطنية السابقة، وفي مقدمها إعلان بيروت ٢٠١٧، وتفعيل الإطار الوطني الموقت، والمضي قدمًا في مسيرة الوحدة الوطنية القائمة على الشراكة الحقيقية وصولًا إلى تحقيق أهداف شعبنا الفلسطيني وتطلعاته.
أرسل تعليقك