الخرطوم ـ جمال إمام
دعت حركة مسلحة سودانية للتخلي عن أسلوب "الكفاح المسلح" الذي ظلت تنتهجه لتغيير نظام الحكم في الخرطوم، واعتباره "مرحلة مؤقتة" وليس "آلهةً تُعبَد"، وإلى تبني ما سمّته وسائل نضال سلمي أقل كلفة لتحقيق أهدافها.وقال نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال، ياسر عرمان في نشرة مطولة، في صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أمس الجمعة، إن الكفاح المسلح مهما طال فهو مرحلة مؤقتة، والهدف منه الوصول إلى مساومة تاريخية لبناء مشروع وطني مغاير مجمع عليه.
ودعا عرمان، ويقود ورئيس الحركة مالك عقار أحد جناحي الحركة الشعبية لتحرير السودن - الشمال، إلى إعادة النظر في العمل المسلح كوسيلة لتغيير نظام الحكم في الخرطوم، والتحول إلى ما سمّاه النضال الثوري السلمي، بقوله: بما أن توازن القوى الحالي لا يمكّننا من تغيير المركز بالكفاح المسلح، وحسم المعركة عسكرياً، مثلما حدث في إثيوبيا وإريتريا، فإن ذلك يستدعي تفعيل النضال الجماهيري السلمي للوصول للتغيير الذي ننشده.وفي يونيو (حزيران) 2017، انشقت الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى جناحين، يقود أحدهما عبد العزيز الحلو ويسيطر على معظم جيش الحركة، بينما بقي في الجناح الآخر رئيس الحركة مالك عقار، ونائبه ياسر سعيد عرمان، وتغلب عليه الطبيعة المدنية. وتقاتل الحركة الشعبية لتحرير السودان المركز في الخرطوم، منذ تكوينها في عام 1983، بقيادة رئيسها الراحل جون قرنق دمبيور، بيد أن خلاصة عملها العسكري انتهى إلى انفصال جنوب السودان وتكوين دولته المستقلة عن السودان. في حين أن المجموعات الشمالية التي انحازت إلى قضية جنوب السودان في أثناء الحرب الأهلية، كوّنت ما سمّته "الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال"، وواصلت القتال ضد حكومة الخرطوم حتى انشقاقها العام الماضي، ولا يزال جناح عبد العزيز الحلو يتمسك بالكفاح المسلح لـ"تحرير السودان".
وطالب عرمان في منشوره باغتنام الفرصة للوصول إلى ما أطلق عليها "مساومة تاريخية" يمكن الوصول خلالها لمشروع وطني مغاير، يحقق الإجماع المتكافئ، حال توفر وسائل أقل كلفة من الحرب، وقال: الكفاح المسلح في مناطق الهامش، يجب ألا يعني بشكل من الأشكال تبديل الضحايا بضحايا جدد على أساس اثني، وألا يسعى لإنهاء شكل من أشكال الاستغلال واستبدال أشكال أخرى به.
وأبدى عرمان حاجة حركته إلى تفجير الطاقات الكامنة في النضال السلمي الجماهيري، ووسائل الأعنف، وجذب ملايين المهمشين والفقراء وعلى رأسهم النساء والشباب، للنضال من أجل الحقوق الطبيعية والمدنية وبناء دولة المواطنة».
وأشار عرمان إلى المتغيرات الإقليمية والعالمية وأثرها على الكفاح المسلح بقوله: إنها ذات أثر بالغ على الكفاح المسلح، ويمكن القول باطمئنان بأن الكفاح المسلح على مستوى العالم يمر بمرحلة جديدة تستدعي إعمال الفكر، كما أن الاستناد إلى قوة الجماهير بضاعة لا تنفد ودائمة الصلاحية.وقطع عرمان بمرحلية الكفاح المسلح، بقوله: الكفاح المسلح مهما طال وقته يعد مرحلة مؤقتة وآلية ذات هدف ووقت معلوم، تابعة للمنظمة السياسية المعنية، وأضاف: حتى الحركات التي وصلت السلطة عن طريقه تحولت أجنحتها العسكرية إلى جيوش نظامية، وإن احتفظت بطبيعتها الثورية.
وأوضح عرمان أن الكفاح المسلح ليس آلهةً تُعبَد، بل وسيلة لتحقيق أهداف سياسية بعينها. وتابع: لذلك متى ما توفرت وسائل أقل كلفة، لتحقيق نفس الأهداف، يجب أن نضعها في الاعتبار، علينا أن نتذكر أن الكفاح المسلح فرضه علينا عنف الدولة، وتمت مواجهته بعنف مضاد، حتى وإن لم يكن مساوياً له.
ودعا عرمان إلى نقل حركته من الكفاح المسلح إلى النضال السلمي الثوري، لإحداث التغيير الجذري في المركز، وإلى المزاوجة بين الوسيلتين (الكفاح المسلح والعمل الجماهيري) خلال فترة ما قبل الانتقال وبعده، وتساءل: هل بإمكان الحركة تكوين حزب سياسي سلمي في المدن والريف، قبل إنهاء الكفاح المسلح، مثل ما حدث في آيرلندا الشمالية، وجنوب أفريقيا، وتجربة الأكراد في سورية؟.
وأوضح أن حركته تسعى إلى توظيف رصيدها من الوسائل الأخرى، بما يحول دون تحول الكفاح المسلح إلى شكل من أشكال الاستسلام والمساومة، والاندماج في النظام القديم بدلاً من إحداث التغيير، مشيراً إلى أثر المتغيرات الديموغرافية والطبقية والثقافية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، على الكفاح المسلح.
أرسل تعليقك