أنهى الزعيم السياسي والديني السوداني الصادق المهدي، منفاه الاختياري، الذي دام قرابة عام، داعياً أمام الآلاف من أنصاره الذين احتشدوا لاستقباله في مدينة أم درمان، الأربعاء ، إلى تكوين حكومة انتقالية، ورئاسة توافقية، للوصول لمخرج آمن للوطن.
ولم تنفِّذ السلطات الحكومية السودانية وعيدها بإلقاء القبض عليه، بعد اتهامات كانت قد وجَّهتها له، تتعلق بإثارة الحرب ضد الدولة، والتحالف مع حركات متمردة مسلحة، تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وقال المهدي الذي يترأس مجموعة «نداء السودان»، التي تتكون من أحزاب سياسية معارضة وحركات مسلحة متمردة، إنه بصدد تقديم «روشتة للخلاص الوطني»، أطلق عليها «العقد الاجتماعي لخلاص الوطن»، تتضمن توقيع وثيقة تقدم بصورة جماعية لرئاسة الجمهورية يوقعها «كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد»، تدعو في أبرز بنودها إلى رئاسة دورية توافقية، وحكومة انتقالية.
المهدي الذي يترأس حزب الأمة القومي، أحد أكبر الأحزاب السودانية، ويتزعم طائفة الأنصار الدينية البارزة، ناشد ممثلي القوى السياسية والدينية والمدنية في البلاد توقيع الوثيقة المقترحة، والمشاركة في تقديمها إلى الرئاسة السودانية. وأضاف: «من يتخلف عنها ما عنده عذر».
واحتشدت جماهير غفيرة تقدر بالآلاف لاستقبال المهدي، حول «قبّة المهدي» بأم درمان، بينهم عدد كبير من مؤيديه قُدر عددهم بين ثلاثة آلاف شخص وأربعة آلاف، جاءوا من أنحاء متفرقة من البلاد، إلى جانب ممثلين عن تحالف «نداء السودان» بداخل البلاد، الذي يترأسه المهدي، ويتكون من أحزاب سياسية وحركات مسلحة متمردة.
وكان متوقعاً أن تسعى السلطات إلى إفشال الاستقبال، بيد أنها تعاملت بمرونة مع عودة المهدي، بل وشارك في استقباله بمطار الخرطوم عدد من رموز الحزب الحاكم المؤتمر الوطني، إلى جانب قيادات حزبه، فيما نُظّمت مسيرة استقبال بدأت عند «بوابة عبد القيوم» على مدخل مدينة أم درمان، إلى موقع الحشد عند ضريح جده المهدي الكبير المعروف بـ«قبة المهدي» وسط المدينة.
وناشد المهدي ممثلي القوى السياسية والدينية والمدنية في البلاد توقيع الوثيقة المقترحة من قبله، والمشاركة في تقديمها، وأضاف: «مَن يتخلف عنها ما عنده عذر»، وتابع: «الذين يفكرون في مخرج آمن للبلاد يقدمون بصورة جماعية هذه الصحيفة، مع التزام النظام بوقف العدائيات وتسهيل مهمة وصول الإغاثات، وإطلاق سراح المحبوسين والمعتقلين والأسرى، وكفالة الحريات بضوابط تنظم الممارسة».
أقرا ايضًا:اليماني يؤكد لن نذهب لمفاوضات جديدة ما لم يعد الأمن إلى الحديدة
وأوضح أن الرسالة التي يطالب بتوقيعها وتقديمها، تهدف لتكوين حكومة قومية برئاسة وفاقية، تقوم على قومية الحكم، و«تصفية التمكين»، والتصدي للوضع الاقتصادي الراهن، بما يرفع المعاناة عن الشعب، وإعادة النازحين إلى قراهم طوعاً، وتحقيق العدالة الانتقالية وإقامة «الحقيقة والمساواة» على كل الفترة منذ استقلال البلاد، وعقد مؤتمر دستوري يحدد ويفصل استحقاقات السلام في البلاد، ويضبط معادلة الدين والدولة، ويحترم التنوع الثقافي ويكفل حقول الإنسان، والحكم الديمقراطي والتناوب السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة.
وقاطعت الجماهير المحتشدة خطاب المهدي هاتفين: «الثورة خيار الشعب، حرية سلام وعدالة، الشعب يريد إسقاط النظام»، فيما طالبه في كلمته الترحيبية رئيسُ تحالف «نداء السودان» المعارض بالداخل رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير بموقف «واضح وغير متردد وحاسم مساند للاحتجاجات الجماهيرية».
بيد أن المهدي أصرَّ على تقديم «روشتته» بقوله: «الحماسة والظلم والغبن تجعل كل شخص يفكر بطريقته، وهذه الروشتة ليست حل حزب الأمة أو حزب معين، بل هي اقتراح يقدم للسودان كله»، وتابع: «استمعوا، لأن فيه حكمةَ المخرج الآمن للوطن المنتزعة من تجارب الشعب السوداني، الذي خبر التجارب الإنسانية السياسية وجربها»، وأضاف: «يمكن أن نبني على رأس المال، على صحيفة الخلاص الوطني، هناك الكثير من المذكرات التي قدمها الناس، نحن نعمل عملاً سياسياً يجمع كل المذكرات في موقف موحد، بما يفتح الطريق إلى المستقبل ويجد التجاوب الإيجابي من المجتمع الدولي».
وطالب المهدي المشاركين في الاحتجاجات التي اندلعت في مدن عطبرة وبورتسودان والدمازين وغيرها من مدن البلاد، أمس، بممارسة ضبط النفس، وعدم اللجوء للتخريب، والاحتجاج سلمياً. وشهد عدد من المدن السودانية احتجاجات شعبية على تردي الأوضاع الاقتصادية، أكبرها في مدينة عطبرة شمال البلاد، وعطلت دولاب الحياة في المدينة، بحسب الشهود، فيما امتدت الاحتجاجات إلى مدن بورتسودان شرق البلاد، وود مدني في الوسط، احتجاجاً على تضاعف أسعار الخبز في تلك المدن.
وأشاد المهدي بقرار الاتحاد الأفريقي بإسكات البنادق في كل القارة بحلول 2020، وطالب مجلس السلم والأمن الأفريقي بالعمل على إزالة أسباب الحروب، وأن تقوم نظم الحكم الأفريقية على المساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون، بما يضمن تنفيذ اتفاقيات السلام المنتظر التوصل إليها لإيقاف الحروب في القارة.
ودعا مجلس السلم والأمن الأفريقي لإصدار «قانون انتخابات نموذجي» يكون مرشداً للانتخابات الحرة النزيهة، وينص على عدم تعديل الدستور لمصلحة الحكام الأفراد، ومنع أي عملية تسمح للرؤساء بتعديل الدستور ليستمروا في الحكم.
ووصف المهدي الوضع العربي بأنه في «غاية الهشاشة»، بما يفتح الباب للمغامرات الداخلية والحروب الإقليمية والتدخلات الدولية، ويحول الإقليم لمنطقة لتصفية حسابات الدول العظمى، ودعا لإبرام صلح بين الطوائف العربية، ووقف الحروب المشتعلة.
وأعلن المهدي ترحيبه بالاتفاق الذي توصلت له الأطراف اليمنية بوقف إطلاق النار في «الحديدة»، ودعا لتعميمه في كل اليمن، وإجراء حوار وطني شامل بين أبناء اليمن، للوصول لحل سياسي للنزاع اليمني.
كما دعا لوضع حد لما سماه «الاستقطاب الخليجي»، وتشخيص أسباب التطرف والإرهاب وإزالة أسبابه، وتحريم أي اتصالات بإسرائيل ما لم تقبل بالمشروع العربي 2002 للتعامل مع إسرائيل، وإلى تحرُّك لتنفيذ تكامل تنموي بين سكان ضفتي البحر الأحمر وإبرام معاهدات تسد الأبواب أمام التدخلات الأجنبية، وقال: «هؤلاء يملكون التمويل، وأولئك يملكون الموارد».
إلى ذلك انتقد المهدي بشدة الآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة الجنوب أفريقي ثابو مبيكي، التي تتوسط بين الفرقاء في السودان وجنوب السودان، وحملها المسؤولية عن فشل الجولة السابقة من الحوار في أديس أبابا، وقال: «تخبط إجراءات الآلية أفشل مهمة الحوار، فقد غرقت وأغرقت الجميع في (شبر موية)».
ودعا المهدي السودانيين لحل خلافاتهم بعيداً عن الأطراف الخارجية، لا سيما أن النظام وصل إلى «غاية الفشل»، وقال: «الآلية والأطراف ما زالوا حريصين على الحوار الذي عطله اضطراب أدوار إدارة الآلية الأفريقية، فلماذا لا نحل مشكلاتنا وحدنا، فقد أصبح واضحاً أن النظام بلغ غاية الفشل، ولا بد أن نجد مخرجاً».
وقد يهمك أيضا:
إشارات بعودة "المعارضة السودانية" لممارسة عملها من داخل البلاد
الصادق المهدي يؤكد أن الحوار مع الحكومة السودانية وارد
أرسل تعليقك