انقلبت الطاولة الجمعة، على رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته حيدر العبادي، مع مطالبة القائمتين الرئيسيتين اللتين فازتا في الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو/ أيار الماضي باستقالة حكومته، في أعقاب جلسة استثنائية عقدها البرلمان لمناقشة الأزمة القائمة في البصرة الجنوبية.
وجد العبادي الذي كان يعول على تحالفه السياسي مع ائتلاف "سائرون" الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر لتشكيل الكتلة الأكبر، وبالتالي تسميته لولاية ثانية، نفسه في موقف صعب، وقال المتحدث باسم تحالف "سائرون" النائب حسن العاقولي، في مجلس النواب "نطالب رئيس الوزراء والكابينة الوزارية بتقديم استقالتهم والاعتذار للشعب العراقي".
ولم يقتصر الأمر على الصدر فقط، بل خسر العبادي أيضا ثاني أكبر الفائزين في الانتخابات، تحالف "الفتح" الذي يتزعمه هادي العامري المقرب من إيران، وأعلن المتحدث باسم "الفتح" النائب أحمد الأسدي، أن "التقصير والفشل الواضح في أزمة البصرة كان بإجماع النواب، ونطالب باستقالة رئيس الوزراء والوزراء فورا"، وأضاف الأسدي "سنعمل سريعا خلال الساعات المقبلة لتشكيل الحكومة.. نحن وسائرون على خط واحد لتشكيل الحكومة الجديدة ولبناء العراق، وواهم من يعتقد بأننا مفترقون".
جاء هذان الإعلانان بعيد جلسة برلمانية استثنائية بحضور وزراء من الحكومة ورئيسها لبحث الوضع القائم في محافظة البصرة، بعد أسبوع احتجاجات دموية أسفرت عن مقتل 12 متظاهرا، وإحراق القنصلية الإيرانية ومبان حكومية عدة.
ودعا العبادي، الجمعة، إلى إبعاد محافظة البصرة عن الصراع السياسي بين الأحزاب والفصائل المسلحة هناك، بينما دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى إعادة النظر في مفهوم الترشح لرئاسة الوزراء.
وبدأت الجلسة الطارئة التي عقدها البرلمان العراقي السبت، لمناقشة الوضع في البصرة بمشادة بين حرس العبادي وحرس البرلمان، وانتهت بمشادة بين رئيس الوزراء ومحافظ البصرة أسعد العيداني، واعتبر العبادي الذي حضر الجلسة مع عدد من الوزراء المعنيين أن أزمة البصرة سببها الفراغ السياسي داعيا إلى إبعاد المحافظة عن هذا الصراع الذي يمكن أن يتحول إلى صراع مسلح. وأمام نحو 172 نائبا حاضرا من أصل 329، قال إن "البصرة عامرة وتبقى عامرة بأهلها (...) والخراب فيها هو خراب سياسي". وأضاف، حسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن "مطالب أهل البصرة هي توفير الخدمات، يجب أن نعزل الجانب السياسي عن الجانب الخدمي، هناك مظاهرات هم أنفسهم أدانوا أعمال التخريب والحرق".
وتلاسن العبادي مع محافظ البصرة أسعد العيداني، في المؤتمر الوطني العراقي، عندما شكا الأخير مخاطبا رئيس الوزراء: "إلى هذا اليوم لم نتسلم واردات البترودولار"، ونقلت شبكة "رووداو" عن العيداني قوله إن "محافظة البصرة تحترق، وما سمعته من الوزراء كأن البصرة في عالم آخر". وتابع قائلا: "كنتُ أقول دائما إن قائد الشرطة مرتش، ولكن دون جدوى"، ومن جهته ردَّ رئيس الوزراء علي العيداني بالقول: "أنت مكانك في البصرة، وليس في بغداد"، ورد العيداني قائلا: "قمت بلقاء السيد (مقتدى) الصدر وهو زعيم وطني ولو دعاك إلى لقائه لقمت بتلبية الدعوة".
كان أبرز النواب الحاضرين في الجلسة من تحالفي "سائرون" (مقتدى الصدر) و"النصر" (حيدر العبادي)، وأبرز الغائبين هم من ائتلافي "الفتح" (هادي العامري) و"دولة القانون" (نوري المالكي).
وانتقد نوري المالكي جلسة البرلمان السبت، وقال إن أحد أهداف الجلسة "التغطية على أعمال التخريب والجرائم" في المحافظة، وأضاف في سلسلة تغريدات: "ظهرت أهداف دعوة مجلس النواب للانعقاد بهذه الطريقة ومنها التغطية على أعمال التخريب والجرائم والاعتداء على ممتلكات الدولة والشعب والقوى السياسية والحشد الشعبي"، وتابع أن "حركة الأجهزة الأمنية كانت متباطئة ومتعثرة منحت عصابات الحرق والتخريب كامل حرية الحركة واليوم ستتحرك لتطهر وكأنها التي أوقفت عصابات التخريب وجماعة الميليشيات المتمردة".
وأكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور خالد عبدالإله لـ"الشرق الأوسط" أن "ما يحدث في البصرة يدخل في إطار الصراع السياسي ما بين كتل متنافسة بشأن تشكيل الحكومة المقبلة كما يدخل في إطار تشكيل الكتلة الأكبر"، مبينا أن "الصراع السياسي وصل إلى مراحل خطيرة لأنه ليس صراعا على السلطة فقط بل هو صراع على النفط وعلى الموانئ وتقاسم المغانم والمكاسب وبالتالي فإن الحل يكمن في إبعاد جميع المؤثرات للأحزاب السياسية العراقية بما فيها التدخلات الإقليمية والدولية".
ويرى الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة العراقية الدكتور علي الدباغ، أن "من الواضح أن المظاهرات أخذت مسارا لا يعبر فقط عن الغضب الشعبي من الشباب اليائس والمحبط الذي لا يجد فرصة عمل فضلا عن أبسط مقومات حياته وهو ماء الشرب في أغنى مدينة على وجه الأرض، هذا المسار المختلف الذي حرق مؤسسات الدولة وهاجم المرضى والمستشفيات يستهدف كل العراق والمتظاهرين الغاضبين وأيضا يعكس الصراع العنيف الداخلي والإقليمي والدولي على العراق"، ويضيف الدباغ أنه "إذا كانت أجندات إيران وأميركا لا تلغي إحداها الأخرى في العراق نجد الآن استقطابا واضحا في خطابات السياسيين الذين يهددون بإسقاط حكومة منافسهم خلال شهر إن استطاع تشكيلها وهذا يعكس أن الأجندات أخذت طابع الإلغاء نتيجة ما نشهده من تطور النزاع بين إيران والولايات المتحدة، في وقت لا تستطيع الحكومة إدارة الأزمة التي تدور منذ أكثر من شهر ولم يستطِع رئيس الوزراء العبادي احتواء الأزمة ومعالجتها لتفويت الفرصة على مشاهد التدمير والحرق المنظم لمنشآت الدولة".
أرسل تعليقك