كان بهروز حيدري من الجراحين المهرة، ونقيبًا في الجيش، وناشطًا بيئيًا، ووالد لثلاثة أطفال، وفي يوم الأربعاء الماضي، كان يتابع عمله كالمعتاد في المستشفى العسكري الرئيسي في العاصمة الأفغانية كابول، عندما سقط قتيلًا برصاص المسلحين الذين تسللوا إلى مبنى المستشفى، متخفين في ملابس الأطباء، وكان يوم ميلاده الـ37، وكان قد تبنى الهجوم، تنظيم "داعش" ، والذي أسفر عن وفاة 49 شخصًا وإصابة 70 آخرين.
فيما كان عبدالقادر، 23 عامًا، عاملًا من أحد الأحياء الفقيرة في العاصمة، ويعمل بدوام جزئي كعامل للتطعيمات الحكومية، وفي الأول من مارس/آذار، كان يقوم بعمله ويمنح التطعيم ضد مرض شلل الأطفال لإحدى الفتيات، عندما هاجم أحد العناصر الانتحارية أحد المراكز الشرطية القريبة، ليلقي الانفجار الكبير بجسد عبدالقادر إلى حفرة بعيدة، وعثر على جثته متفحمة بالكامل بعد ذلك بساعات، وكان واحدًا من بين 23 شخصًا سقطوا جراء الهجوم، الذي نُفذ على مرحلتين بواسطة حركة "طالبان".
كان حيدري وعبدالقادر، آخر الضحايا المسجلين للعنف المتطرف في المناطق الحضرية في أفغانستان، عبر سلسلة من التفجيرات والهجمات بالأسلحة النارية التي يخشى المسؤولون أن تزداد كثافتها خلال العام الجاري، مع المزيد من الأقاليم التي يسيطر عليها المتمردون، إلى جانب حالات الوفيات المتعددة في صفوف المدنيين، إذ بلغت رقمًا قياسيًا من 3500 حالة على الصعيد الوطني الأفغاني.
وفي العاصمة كابل وحدها، أسفرت مثل تلك الهجمات عن وفاة الآلاف خلال العقد الماضي، وما يقرب من 100 قتيل خلال الشهر الجاري وحده، وسط تساؤلات من المواطنين إلى متى يجب علينا انتظار الموت؟،ولكن أغلب مجريات الحرب، التي جاوزت عامها الـ16، تمت في المناطق والولايات الريفية من البلاد، وسقط معظم الضحايا من المدنيين إلى جانب الضحايا من قوات الأمن هناك.
وفي غالب الأمر ما يكون هناك عدد قليل من الشهود، مع عدم توافر تغطية إخبارية مناسبة، ولذلك تبقى حالات الوفيات بعيدة عن المسامع والأنظار، فعندما وقع كمين لإحدى القوافل التي تحمل الإمدادات للقرى المتضررة من الجليد في ولاية جوزجان، وأسفر عن وفاة ستة من عمال الإغاثة، بقيت أسماء الضحايا وهوياتهم غير معروفة للجمهور، وينطبق الأمر نفسه عندما أطلق شرطي النار على 11 من رفاقه وأرداهم قتلى أثناء نومهم في إحدى نقاط التفتيش الصحراوية في ولاية هلمند قبل أسبوعين.
ولكن عندما يغزو العنف المتطرف العاصمة، فإن الآثار تكون أكثر إلحاحًا، وتنتقل أنباء التدمير والموت والقتل إلى الرأي العام على الفور، حيث تهرع أطقم التلفزيون إلى مواقع التفجيرات ومسارح جرائم إطلاق النار، وتتسارع تساؤلات المواطنين وردود الفعل عبر مختلف وسائل الإعلام الاجتماعية، مع مزيج من الخوف، والإغاثة، والغضب، بشأن الحرب التي لا نهاية لها، والإحباط إزاء الحكومة العاجزة عن حماية الشعب.
وكان قد كتب أحد المواطنين الأفغان، على صفحته عبر "فيسبوك"، يقول: "هل من المفترض علينا التوجه بالشكر والثناء لأن الرئيس تكرم بزيارة المصابين في المستشفى، ونحن ندين العمل الوحشي بأبشع العبارات، لكن الأسف والإدانة ليسا كافيين في شيء، لماذا لا يبذلون المزيد من الجهود لمنع تلك الهجمات؟".
بينما أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية، الخميس، عن إغلاق المستشفى العسكري تمامًا، أثناء متابعة التحقيقات في محاولة لاكتشاف كيف تمكن المتطرفون من دخول مبنى المستشفى بعد تفجير البوابة الرئيسية، ويوم الأربعاء، قال بعض المسؤولين الأمنيين إن المهاجمين كانوا يقودون إحدى سيارات الإسعاف إلى داخل مجمع المستشفى،كما أوضح المسؤولون أيضًا، أنهم كانوا يحاولون التثبت ما إذا كان تنظيم "داعش" هو المسؤول عن الهجوم.
وأصدرت حركة "طالبان"، بيانًا أخلت فيه مسؤوليتها عن الهجوم، لكن الحركة في بعض الأحيان تنفي ضلوعها في الهجمات التي تسفر عن سقوط الكثير من المواطنين المدنيين، وأظهر خبر على "فيسبوك" صورة لخمسة رجال ملثمين يحملون البنادق الآلية أمام لافتة باللغة العربية تعرفهم بأنهم "الرجال الذين نفذوا العملية" في المستشفى العسكري، وليست هناك من طريقة لإثبات مكان وتاريخ التقاط تلك الصورة،عندما يكون ضحايا مثل تلك الهجمات المروعة من الشخصيات المعروفة، فإن أخبارهم يتردد صداها عبر مختلف وسائل الإعلام الاجتماعي، والمجتمع الأفغاني.
وعلى سياق متصل، جذب نبأ وفاة الطبيب بهروز حيدري، مشاعر التعازي والرأفة في مختلف المواقع الاجتماعية، ونشرت صور له مع أطفاله وأقرانه عبر الإنترنت، ودُفن جثمانه في سفح تل ديه كابيك، أسفل النصب التذكاري للمارشال محمد فهيم، زعيم الميليشيات الراحل المناهض للاحتلال السوفياتي ووزير الدفاع الأفغاني الأسبق، والذي كانت لأسرة الطبيب علاقات عسكرية وروابط أسرية معه، لتستقر صورة للطبيب العسكري بسترته العسكرية بين الزهور على قبره، وسط هتاف المشيعون هتافات "الله أكبر" من حين لآخر أثناء تشييع الجثمان، على النقيض من ذلك، مر مقتل عبدالقادر الفقير، الذي كان قبل أسبوع واحد، من دون ملاحظة من أحد، ونعاه أقاربه وجيرانه في هدوء غريب.
أرسل تعليقك