الجزائر ـ سناء سعداوي
عرف الاحتفال بمرور 56 عاما على استقلال الجزائر (5 يوليو/ تموز 1962)، نزولا مكثفا للوزراء وأبرز المسؤولين إلى الميدان، بهدف الترويج لـ"الإنجازات التي تمت منذ الاستقلال"، إذ جرى التركيز على فترة حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة (منذ 1999)، وهو ما ترك انطباعا بأن الحكومة أطلقت حملة مبكرة لـ"الولاية الخامسة".
وأخذ قطاع السكن بمختلف أشكاله، وبخاصة السكن المجاني مكانة استثنائية في هذه الاحتفالات، إذ روج الإعلام الحكومي لما سماه "أكبر عملية توزيع للسكن منذ الاستقلال"، إذ تم تسليم مفاتيح أكثر من 50 ألف شقة بمختلف الولايات، وبخاصة المعروفة بانتشار بيوت الصفيح فيها، التي تمت إزالتها في المدة الأخيرة.
وقال عبدالقادر زوخ، والي الجزائر العاصمة، لصحافيين، إن الأمم المتحدة "صنفت الجزائر كأفضل بلد في العالم من حيث مجهودات القضاء على العشوائيات"، من دون توضيح التصنيف الذي نالت الجزائر على أساسه هذه المكانة، واللافت أن قطاع السكن كان دائما رهانا بالنسبة إلى السلطات عندما تريد إقناع الجزائريين بـ"حسن نيتها في العمل من أجل رفاهيتهم"، وإذا كان صحيحا أن السلطات بذلت جهودا كبيرة خلال الـ20 عاما الماضية في مجال السكن، مستفيدة من الارتفاع غير المسبوق لأسعار النفط، فإن جودة البناءات وغياب المرافق العامة، كدور السينما والمصحات والمدارس في محيط مئات الأحياء السكنية الجديدة التي نمت كالفطريات، كل ذلك بيّن غياب التخطيط العمراني وأي رؤية استشرافية لدى الحكومة، وبخاصة بعد أن أضحت هذه الأحياء في ظرف سنوات قليلة مرتعاً للمخدرات والجريمة المنظمة، وحتى التطرف الديني، وبدل أن تحل الحكومة أزمة السكن، تحملت أزمات اجتماعية خطيرة.
ويبدي الموالون للرئيس بوتفليقة، وأبرزهم أمين عام حزب الأغلبية جمال ولد عباس، حساسية كبيرة من أسئلة الصحافيين التي تتناول "تسرع الحكومة في إسكان الجزائريين دون تخطيط"، ومن "الخطاب الرسمي الموغل في الشعبوية"، عندما يتعلق الأمر بالسكن، وقال ولد عباس لصحافي بهذا الخصوص: "لماذا تنظرون دائماً إلى النصف الفارغ من الكوب؟ قولوا لي بربكم، أي بلد في العالم يمنح مواطنيه السكن دون مقابل؟ من هو هذا البلد الذي يدرس فيه أبناؤه بالمجان، ويعالجون بالمجان؟ إنها مكاسب ثورة التحرير التي حافظ عليها بوتفليقة رغم الأزمة المالية، وينبغي أن نشكره على ذلك".
وفي سياق "الهوس الحكومي" بالترويج لاستمرار الرئيس في الحكم، صرح الوالي زوخ لفضائية خاصة خلال اجتماع المحافظين الجزائريين بنظرائهم الفرنسيين شهر مارس/ آذار الماضي، بحث خبرة فرنسا في تنظيم الإدارة الإقليمية وتسيير شؤون البلديات، والتجاوب مع مطالب المواطنين الفرنسيين، من سكن ونظافة وأمن في الشوارع، إذ قال: "نحن بعيدون جدا عنهم في مجال إدارة شؤون المواطنين"، كما سبق للمسؤول نفسه أن قال إن حكومة ماليزيا "عبرت عن دهشتها واستحسانها لمستوى الذكاء، الذي بلغناه في سياسة القضاء على بيوت الصفيح".
وخاض الرئيس بوتفليقة في موضوع "الإنجازات" لمناسبة عيد الاستقلال. وفي "رسالة إلى الجزائريين" نشرتها الرئاسة الأربعاء قال بوتفليقة: "رغم كل الإنجازات والخطوات التي قطعتها بلادنا، ما زالت تنتظرنا معارك أخرى يجب أن ننتصر فيها، منها معركة تنويع الاقتصاد الوطني لكي نتحرر من التبعية المفرطة للمحروقات، ومعركة تعميق الديمقراطية، وترقية الحس المدني لكي نستفيد من تعدد آرائنا، ولكي نعالج جميع النزاعات بطرق حضارية، ومعركة الحفاظ على الاستقلال الوطني وسيادة القرار الجزائري في عالم مضطرب ومتقلب"، مشيرا إلى أن الجزائريين "استطاعوا بفضل عزيمتهم، وكذلك طليعتهم آنذاك من المجاهدين ومن مناضلي الحركة الوطنية، القيام بوثبة اجتماعية وثقافية، وذلك من خلال توفير التعليم والصحة والسكن، وكل حاجات ما يسمى اليوم (التنمية البشرية في جميع ربوع الوطن). كما استطاعت الجزائر بسواعد شبابها وكفاءات خريجي جامعاتها بناء قاعدة اقتصادية كانت واعدة آنذاك".
أرسل تعليقك