تباينت المواقف مؤخرًا في اليمن بشأن التنسيق مع قيادات الداخل الخاضعة للحوثيين، مما أربك الالتئام وهدد بنسف محاولات لملمة صفوف الحزب ومحاولة التوافق على لجنة لتسيير أعمال نشاط المؤتمريين في الخارج تضم أحمد علي عبد الله صالح ضمن عضويتها، وذلك وسط جهودٍ حثيثة يقودها قادة حزب "المؤتمر الشعبي العام" خارج اليمن من أجل الهدف ذاته.
وظهرت الخلافات بين القيادات إلى العلن بشأن طبيعة الدور المنوط بهذه القيادة المزمع تشكيلها في الخارج من حيث علاقتها بالقيادات الواقعة تحت إمرة الميليشيات، التي تُتهم بخطف قرار الحزب الذي أسسه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وتزعمه حتى قُتل. وكانت «الشرق الأوسط» نقلت عن مصادر في الحزب أن الاجتماعات التشاورية التي تجري في العاصمة المصرية القاهرة توشك أن تعلن عن قيادة جماعية لتسيير شؤون الحزب.
وتجلَّى الخلاف بشكل واضح في تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بين القياديَين البارزين في الحزب أبو بكر القربي وسلطان البركاني، وكلاهما يشغل منصب الأمين المساعد في الجناح الذي كان يقوده مؤسس الحزب وزعيمه الراحل علي عبد الله صالح.
وفي حين يرى القربي وهو وزير أسبق للخارجية اليمنية، أن هدف تشكيل لجنة القيادة في الخارج ليس الخروج عن القيادة التي تشكلت في الداخل بقيادة صادق أمين أبو راس عقب مقتل صالح، يؤكد البركاني أن اللجنة لا علاقة لها بالقيادات المسلوبة الإرادة في الداخل.
وأكد الدكتور أبو بكر القربي في تصريح إلى جريدة "الشرق الأوسط"، تعليقًا على ذلك، أن الاجتماعات التي حدثت في القاهرة "هدفها توحيد موقف المؤتمريين في الداخل والخارج والتنسيق بينهما ووضع رؤية مشتركة تحرر الطرفين من الضغوط، ودفعهما للعمل معاً من أجل إحلال السلام واستعادة دور (المؤتمر) في الداخل والخارج وتحريره من الضغوط ومحاولات الهيمنة والتهميش وتعزيز علاقته مع أشقائه من خلال تحرك سياسي يعيد بناء الثقة معهم، ويُنهي ما انتاب العلاقة من ضرر نتيجة عمل ممنهج لإقصاء (المؤتمر) من الساحة السياسية؛ لأنه التنظيم المؤهل لقيادة اليمن".
وكشفت جريدة "الشرق الأوسط" في وقت سابق عن كواليس الاجتماعات التي تدور في القاهرة بشأن تشكيل القيادة المشتركة للحزب في الخارج، كان الدكتور القربي غرد بالقول إن الهدف من اللجنة ليس القطيعة مع قيادات الداخل.
وأضاف القربي "إن هدف تشكيل لجنة تسيير نشاط المؤتمريين في الخارج هو تنظيم نشاطهم وتعزيز وحدتهم ودعم القيادة في الداخل بالرؤى والتحرك السياسي وبتنسيق كامل معهم ومن أجل تفعيل دور المؤتمريين في الخارج، وليس الهدف خلق قيادة تنازع قيادة الداخل"، مؤكدًا "أن المؤتمريين في الخارج هم جزء لا يتجزأ من مكونات الداخل".
وسارع القيادي البارز في الحزب سلطان البركاني وهو يحتل موقع الأمين المساعد إلى جانب شغله موقع رئيس الكتلة البرلمانية للحزب في مجلس النواب، إلى التعليق على تغريدة القربي بتغريدة أخرى تابعتها "الشرق الأوسط"، معتبرًا أن تغريدة الأخير "بشأن لجنة التسيير لا تعبر إلا عن موقفه وحده".
وذكّر البركاني رفيقه في الحزب بدم صالح الذي أريق على يد الميليشيات الحوثية في صنعاء مع الأمين العام للحزب عارف الزوكا، وقال "تشكيل اللجنة يستهدف وحدة المؤتمر وإدارة شؤونه ونشاطه في الخارج وليس التبعية أو الارتباط، فهل تناسى القربي دم الزعيم والأمين؟"، واصفًا موقف القربي بأنه "تصرف محزن".
واعتبر البركاني قيادات الحزب في صنعاء الخاضعين ل الميليشيات الحوثية بقيادة صادق أبو راس "مسلوبي الإرادة"، وقال "تستطيع القول عنهم إنهم أشبه بمرآة الحلاق التي تزين الأشياء، هكذا أراد سيدهم من وجودهم"، في إشارة إلى زعيم الميليشيات الحوثية الذي استبقاهم في صنعاء لتحويل الحزب إلى ذراع سياسية لجماعته.
ويُعد البركاني من القيادات التي سعت خلال الأشهر الماضية إلى إحداث تقارب بين قيادات الحزب الموالين للرئيس السابق وبين الشرعية بقيادة الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي وسط معارضة واسعة من كثير من القيادات التي فرت من بطش الميليشيات الحوثية في صنعاء، لكنها على موقفها السابق مما يخص الاعتراف بشرعية هادي.
وسبق للقيادي صادق أمين أبو راس الذي تولى رئاسة الحزب في صنعاء، أن أصدر في وقت سابق هذا الشهر قرارا بتعيين أحمد علي صالح عضوا في اللجنة الدائمة الأساسية في الحزب، وهو القرار الذي علق عليه مقربون منه بأنه عبارة عن تحصيل حاصل.
وتداولت مصادر في حزب المؤتمر الشعبي بأن الاجتماعات التي تجري في القاهرة توافقت على تشكيل لجنة لتسيير شؤون الحزب في الخارج، مؤلفة من أحمد علي صالح والبركاني والقربي، غير أن الأصوات ارتفعت من أجل توسيع أعضاء اللجنة لتشمل كلا من يحيى دويد، ومحمد بن ناجي الشايف، وقاسم الكسادي ممثلاً للمحافظات الجنوبية، والشيخ ناجي جمعان، والقيادية في الحزب وفاء الدعيس.
وكما هو موقف القربي من التمسك بقيادات الداخل الخاضعين للميليشيات، يوافقه الرأي كثير من القيادات في الخارج، وتتمثل وجهة نظرهم في أن أغلب هذه القيادات مجبرة ولا تستطيع الخروج على الموقف الحوثي وتفتقد للقوة من أجل مواجهة الجماعة الحوثية، إلى جانب أن كثيراً منهم يخشون على حياتهم من بطش الجماعة إذا ما فكروا في فض الشراكة مع الميليشيات.
وكان صالح أعلن فض الشراكة مع الجماعة الحوثية في حكومة الانقلاب، ودعا إلى مواجهتها في آخر خطاب له قبيل في مقتله على يدها في الرابع من ديسمبر /كانون الأول الماضي، غير أن كثيرًا من قيادات الحزب لم يتمكنوا من الإفلات من صنعاء وبقوا تحت رحمة الجماعة الحوثية.
وخلال الأشهر الماضية نجحت قيادات الحزب في الهروب من صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة الحوثية، بينهم قيادات بارزة وأعضاء في البرلمان، غير أن أغلبهم لا يزالون بعيدين عن التوافق مع الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يتولى قيادة جناح آخر في الحزب موال للشرعية.
وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي زار العاصمة المصرية القاهرة قبل أكثر من شهرين وعقد لقاء مع عدد كبير من قيادات الحزب في سياق مساعيه لجمع شتاتهم تحت قياداته، مقابل طي صفحة الماضي ومنح أدوار قيادية وسياسية لنجل الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، أحمد علي الموجود في دولة الإمارات العربية المتحدة.
أرسل تعليقك