أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أمل موسكو في أن يصبح العمل على إعادة إعمار سوريا مهمة مشتركة للمجتمع الدولي، مشددا على أهمية المسار الإنساني في الجهود الجماعية المنشودة، ويأتي تعليق الرئيس الروس بعد ساعات على تحذير وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو، مساء الأربعاء، بأنّ واشنطن لن تقدم أي مساهمة في تمويل إعادة إعمار سوريا طالما أنّ هناك قوات إيرانية أو مدعومة من إيران في هذا البلد.
وقال بوتين خلال مراسم اعتماد 22 سفيرا جديدا في موسكو أمس الخميس: «حان الوقت لإعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية بعد تدميرهما، وعودة ملايين اللاجئين السوريين إلى ديارهم، ما من شأنه تخفيف ضغط الهجرة على الكثير من الدول الأوروبية».
وأشار الرئيس الروسي: «نأمل في أن يصبح دعم السوريين في حل هذه المشاكل مهمة مشتركة للمجتمع الدولي»، مضيفا في خطابه الذي نقله موقع "روسيا اليوم" أن المسار الإنساني سيكون جانبا هاما من تعاون كافة الدول المعنية. وتطرق بوتين إلى إسهام روسيا في تسوية الأزمة السورية، وقال: «دورنا كان حاسما في توجيه ضربة قاضية ضد «الأممية الإرهابية» والحفاظ على كيان الدولة السورية».
وذكر بوتين أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 أسسا لتنشيط مفاوضات السلام، وأضاف: «نبذل مع شركائنا في صيغة أستانة جهودا حثيثة من أجل تشكيل اللجنة الدستورية السورية».
وكان وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو حذّر مساء الأربعاء، بأنّ واشنطن لن تقدم أي مساهمة في تمويل إعادة إعمار سوريا طالما أنّ هناك قوات إيرانية أو مدعومة من إيران في هذا البلد, بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ويعكس هذا الموقف لأول مرة بوضوح سياسة واشنطن الجديدة حيال سوريا بعدما وردت مؤشرات إليها في تصريحات صدرت عن عدد من المسؤولين خلال الأسابيع الماضية. وقال بومبيو في خطاب أمام المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي «اليوم، النزاع في سوريا بات عند منعطف».
وتابع أنّ نظام الرئيس السوري بشار الأسد «عزّز سيطرته» على الأرض «بفضل روسيا وإيران»، في حين أنّ تنظيم داعش و«رغم أنه لم يتمّ القضاء عليه بعد بالكامل، إلّا أنه بات ضعيفاً».
وأوضح أنّ هذا «الوضع الجديد يتطلّب إعادة تقييم لمهمّة أميركا في سوريا» مؤكدا أنه إن كانت هزيمة «داعش» هي الهدف الأوّل، فهي «ليست هدفنا الوحيد». وأشار الوزير إلى أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تُريد حلاً سياسيا وسلمياً بعد سبع سنوات من النزاع، كما تريد «أن تخرج القوات الإيرانية أو المدعومة إيرانياً من سوريا».
وتقتصر مهمة الجنود الأميركيين الألفين المنتشرين في شرق سوريا بحسب التبرير الرسمي على مكافحة تنظيم داعش. ومع الهزائم الميدانية المتتالية التي مني التنظيم بها وخسارته أبرز معاقله في سوريا، أعلن الرئيس دونالد ترمب في الربيع أنه يعتزم سحب القوات الأميركية من هذا البلد، وهو الذي يرفض العمليات الخارجية الطويلة والمكلفة.
غير أن مستشاريه العسكريين والدبلوماسيين وحلفاء واشنطن الأوروبيين أقنعوه بعد ذلك بأن الوقت ما زال مبكرا للانسحاب من سوريا.
ونقل مصدر دبلوماسي أن ترمب بات يقول لمحاوريه الدوليين، إنه «باق بسبب إيران». ويؤكد بومبيو بحسب المصدر ذاته أنه رغم «الصعوبات القانونية» على خلفية تحفظ الكونغرس الأميركي حين تعمد الإدارة بشكل أحادي إلى توسيع الدوافع خلف تدخلاتها العسكرية، فإن الولايات المتحدة «ستجد وسيلة للبقاء».
وكان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون المعروف بتشدده حيال إيران، قد حذر في سبتمبر (أيلول): «لن نغادر سوريا طالما بقيت هناك قوات إيرانية خارج الحدود الإيرانية... وهذا يشمل الجماعات والميليشيات المرتبطة بإيران».
وعمدت الدبلوماسية الأميركية بعد ذلك إلى تلطيف النبرة وأوضح الموفد الخاص للملف السوري جيمس جيفري، أنه هناك «طرق عدّة للتواجد على الأرض»، سواء دبلوماسيا أو من خلال حلفاء.
غير أنه كان من الواضح رغم خفض حدة الخطاب، أن الوجود الأميركي على ارتباط بالنفوذ الإيراني «المزعزع للاستقرار» في المنطقة بحسب واشنطن، وقد جعلت إدارة ترمب من التصدي له أولويتها الأولى في الشرق الأوسط. وهذا ما أكده بومبيو مرة جديدة الأربعاء.
وقال «لقد كُنّا واضحين: إذا لم تضمن سوريا الانسحاب الكامل للقوّات المدعومة إيرانياً، فهي لن تحصل على دولار واحد من الولايات المتحدة لإعادة الإعمار». ورأى أن ذلك يتوقف بالمقام الأول على دمشق، إذ يشكك الغربيون في أن يكون الروس يملكون وحدهم الوسائل لدفع إيران إلى الخروج من سوريا.
وكانت شروط الأميركيين والأوروبيين للمساهمة في عملية إعادة الإعمار الهائلة في سوريا، تقتصر حتى الآن على إيجاد تسوية سياسية للنزاع برعاية الأمم المتحدة، وهي آلية متعثرة تماما في الوقت الحاضر.
وقال دبلوماسي غربي مؤخرا: «لدينا ورقتا ضغط في سوريا»، هما، «وجودنا على الأرض» و«كون دمشق وروسيا بحاجة إلى أموال دولية من أجل إعادة الإعمار».
ومع هذا التطور الجديد، تعتزم واشنطن استخدام هاتين الورقتين للضغط على النظام السوري وروسيا وإيران في آن.
أرسل تعليقك