دخل مجلس النواب الأردني، أمس السبت، على خط المواجهة، بشأن قانون الضرائب الجديد، وانضم إلى النقابات المهنية الرافضة للقانون، باعتباره "غير صالح ولا يلبي مطالب وطموحات الشعب الأردني ولا يساعد على تهدئة الشارع" الذي قام باحتجاجات منذ يوم الأربعاء الماضي لإلغائه.
وما زالت المسيرات والوقفات الاحتجاجية تنظم في المدن الأردنية خاصة بعد صلاة العشاء مع أجواء شهر رمضان المبارك، في حين عمدت النقابات المهنية إلى التصعيد بإعلانها المضي قدما في اعتصام يجري الترتيب له يوم الأربعاء المقبل.
ودعا العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الحكومة والبرلمان إلى أن يقودا حواراً وطنياً شاملاً وعقلانياً للوصول إلى "صيغة توافقية حول مشروع قانون الضريبة، بحيث لا يرهق الناس، ويحارب التهرب، ويحسّن كفاءة التحصيل".
وأنحى الملك عبد الله باللوم على الاضطرابات الإقليمية في تفاقم المعاناة المالية للأردن الذي تحده من الشمال سوريا التي تمزقها الحرب ومن الشرق العراق.
وطالب العاهل الأردني الدولة بكل مؤسساتها بضبط وترشيد حقيقي للنفقات، وقال إنه ليس من العدل أن يتحمل المواطن وحده تداعيات الإصلاحات المالية.
وأكد أنه لا تهاون مع التقصير في الأداء، خصوصاً في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين من تعليم وصحة ونقل، وقال "إن التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني سببها الظرف الإقليمي الصعب"، وأضاف أن المشكلة ليست بفعل الأردن ولا الأردنيين الذين يضحون بالغالي من أجل بلدهم. وبهمتهم جميعاً إن شاء الله سنتجاوز هذه التحديات كما تجاوزنا غيرها.
ووصلت المفاوضات الثلاثية بين النقابات والبرلمان والحكومة، لنزع فتيل الأزمة، إلى طريق مسدود أمس، بإعلان رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي، بعد اجتماع ثلاثي عقد بمبنى البرلمان أمس، رفض حكومته سحب مشروع قانون الضرائب الجديد، نظراً لالتزامات الحكومة الدولية مع صندوق النقد الدولي، وهو "شرط لتقديم قروض للمملكة". وقال "إن الكلمة الأخيرة حول مصير مشروع القانون بيد البرلمان".
واتفق مجلسا النواب والنقباء "تجمع النقابات"، أمس، على وضع الثقة بنواب البرلمان، لرد مشروع القانون خلال الدورة الاستثنائية المقبلة... وتعهد النواب لمجلس النقباء برفض القانون خلال الاجتماع الثلاثي الذي حضره الملقي، ورئيس مجلس النواب، عاطف الطراونة.
وأكد مجلس النقباء، خلال اللقاء تمسكه بضرورة سحب الحكومة للتعديلات الضريبة، وذلك في تصويت جرى داخل إحدى قاعات مجلس النواب، وقال رئيس المجلس علي العبوس، الذي كان قد هدد بإضرابات جديدة قبل اجتماع مع الملقي "إنه سيجتمع مع رؤساء النقابات المهنية قريبا لاتخاذ قرار بشأن الخطوات التالية".
وأضاف "نحن جئنا بطلب سحب هذا القانون سمعنا كلاما آخر"، وأكد مجلس النقابات في وقت لاحق تمسكه باعتصام يجرى الإعداد له يوم الأربعاء المقبل.
وأعلن الطراونة أن "مجلس النواب لن يذعن لإملاءات صندوق النقد الدولي ولن يكون في جيب الحكومة"، وأن مجلسه سيكون مع الشعب لتجنب قرارات تكون على حساب الطبقتين الوسطى والفقراء... ولن يبخل في أي جهد وطني يقرب وجهات النظر لخدمة الأردن.
وأكد الطراونة أنه لا يجوز مناقشة القانون وثلثي النواب، موقعين على سحب الحكومة للقانون من المجلس، وعدم إدراجه في الدورة الاستثنائية، قاصداً بذلك المذكرة التي وُقعها نحو 81 نائباً توافقوا فيها على رد مشروع القانون. وهو عدد يمثل أغلبية في البرلمان الذي يتألف من 130 عضوا. وكان الطراونة عقد لقاء تشاوريا مع مجموعة من النواب قبيل الاجتماع الثلاثي، حيث أعلن فيه تأجيل المجلس لعقد أي حوارات بشأن تعديلات الضريبة احتراما لرغبة ومطالب 81 نائبا برد التعديلات للحكومة.
وشارك آلاف الأردنيين في وقفات احتجاجية على مدى ليلتين متتاليتين خارج مقر مجلس الوزراء مرددين هتافات معارضة للحكومة، ودعوا العاهل الأردني الملك عبد الله إلى إقالة رئيس الوزراء.
وقال هاني الملقي إلى الصحافيين بعد اجتماع مع رؤساء اتحادات عمالية ونواب في البرلمان "إرسال مسودة قانون الضريبة لا يعني أن يوافق عليه مجلس النواب أو يوافق على جزء منه أو أن يوافق حتى على مادته، فالمجلس سيد نفسه".
وتقول اتحادات عمالية "إن مشروع القانون، وهو جزء من إجراءات تقشف أوسع نطاقا يوصي بها صندوق النقد الدولي، سيؤدي إلى تدهور مستويات المعيشة".
وجرى رفع ضريبة المبيعات وإلغاء دعم الخبز في وقت سابق من هذا العام، ضمن خطة أجلها ثلاث سنوات تهدف إلى تقليص فاتورة ديون البلاد البالغ حجمها 37 مليار دولار، والتي تعادل 95 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتقول الحكومة "إنها تحتاج المال لتمويل الخدمات العامة، وإن الإصلاحات الضريبية تقلص مساحة التباينات الاجتماعية، من خلال فرض عبء أكبر على أصحاب الدخل المرتفع، وإنها لم تمس أصحاب الدخل المنخفض.
وقال الملقي "إن صندوق النقد الدولي أكمل مهام أحدث بعثاته للبلاد يوم الخميس، وإنه يأمل في أن تنتهي المملكة بحلول منتصف عام 2019 من معظم الإصلاحات الضرورية اللازمة لإعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح".
ويقول المنتقدون "إن الإجراءات سيكون من شأنها أن تضر بالفقراء ويتهمون السياسيين بإهدار المال العام والفساد"، وقالت اتحادات تمثل موظفي القطاعين العام والخاص "إن الحكومة رضخت لمطالب صندوق النقد الدولي، وإنها توسع الهوة بين الأغنياء والفقراء في البلد البالغ تعداد سكانه ثمانية ملايين نسمة، والذي يعيش به مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من الصراع الدائر في سورية".
وشهدت مختلف محافظات المملكة بعد صلاة العشاء الجمعة وحتى فجر أمس السبت، وقفات احتجاجية ضد مشروع قانون ضريبة الدخل، حيث قام عدد من المحتجين بإغلاق الطرق بالسيارات وإشعال الإطارات في عدد من الميادين تعبيرا عن رفضهم القانون وسياسة الحكومة الاقتصادية.
وطالب المحتجون بالتخلي عن سياسة رفع الأسعار وتحميل المواطن أعباء إضافية لا يستطيع احتمالها، وإيجاد بدائل ترفد الخزينة دون التأثير على مستوى معيشة المواطنين. كما طالب المحتجون بإجراء تصحيح اقتصادي بعيدا عن الإجراءات الضريبية، وبما يوفر الحياة الكريمة للمواطنين، وانتهاج سياسة تحفيزية للاقتصاد بدلا من سياسة رفع الأسعار. وقالوا إن مشروع القانون يؤدي إلى إضعاف القدرة الشرائية للمواطن وزيادة أعبائه المالية والمعيشية. فيما طالب البعض برحيل الحكومة ورحيل مجلس النواب.
ووجه وزير الداخلية الأردني سمير مبيضين على الصعيد الأمني خلال جولة تفقدية لعدد من كوادر الأجهزة الأمنية العاملة في الميدان الاستمرار بسياسة ضبط النفس. وتقدم المبيضين خلال الجولة لكل كوادر مديرية الأمن العام وقوات الدرك والدفاع المدني بالشكر على الجهود الاستثنائية التي قاموا بها خلال تعاملهم وحمايتهم لكل أشكال الاحتجاجات ومظاهر التعبير عن الرأي في مختلف مناطق ومحافظات المملكة.
ووجه كل الأجهزة الأمنية إلى الاستمرار بواجباتهم بذات النهج والنسق، والتحلي بأقصى درجات ضبط النفس واحتواء المواطن واحترام حقوقه، ما لم يتعد القانون ويتجاوزه بما يؤثر على سلامة وسير الحياة الطبيعية للآخرين.
أرسل تعليقك