موسكو ـ ريتا مهنا
أطلق قرار محكمة داغستانية بشأن اعتقال كاظم نور محمدوف، سجالات واسعة في روسيا، وأثار انقسامًا في الأوساط الحقوقية، بين أطراف تدعو إلى التشدد في مواجهة خطر تصاعد النشاط الإرهابي في روسيا، وأخرى تحذر من التهويل في استخدام ملف "العائدين من سورية".
ووجهت المحكمة تهمتي التواطؤ مع الإرهاب وتأسيس عصابة مسلحة أو الانخراط في نشاط إجرامي، للستيني نور محمدوف، وأقرت حبسه احتياطياً تمهيداً لمحاكمة قد تسفر عن سجنه لفترة لا تقل عن 6 سنوات. وأعربت هيئة الادعاء خلال الجلسة عن اطمئنان لصحة الأدلة ضد الرجل، الذي ساعد قبل ثلاث سنوات ابنه مارات على الفرار من صفوف "داعش" في سورية، ولجأ إلى أوكرانيا، حيث ساعده غياب التنسيق الأمني بين موسكو وكييف على التخفي.
اللافت، أن الأجهزة الأمنية الروسية لم تلاحق نور محمدوف خلال السنوات الماضية، وجاء توقيفه بطريق الصدفة أثناء حضوره إلى محكمة في موسكو للإدلاء بشهادته في قضية مرتبطة بملف ابنه. إذ كانت السلطات احتجزت ابنه الثاني شامل بتهمة إرسال مبلغ مالي إلى سورية، لمساعدة شقيقه على الفرار من قبضة تنظيم "داعش". لكن المحكمة وجدته مذنباً في "تمويل النشاط الإرهابي". وفور احتجازه على باب قاعدة المحكمة حولت السلطات الأمنية الأب إلى داغستان، حيث صدر قرار اعتقاله قبل يومين.
وأثارت القضية نقاشات ساخنة، خصوصًا أن اسم نور محمدوف لم يرتبط بموضوع تهريب ابنه فقط من سورية، بل برز في قضايا كثيرة مماثلة، عبر مساعيه لمساعدة عائلات داغستانية في إقناع أبنائها بمغادرة صفوف التنظيم الإرهابي والعودة إلى داغستان. وقال المحامي عبد الرشيد شيخوف، الذي تولى الدفاع عنه على رأس هيئة حقوقية: إن الرجل يستحق تقديراً لجهوده وليس محاكمة بتهم الإرهاب.
وحذر من أن ملاحقات العائدين من سورية والنشطاء الذين يقدمون المساعدات إليهم لا تعزز التوجه نحو إقناع المضللين من الشبان بالعودة عن طريق التشدد. وكان الرئيس الشيشاني، رمضان قاديروف، أطلق حملة واسعة ركزت على تسهيل عودة النساء والأطفال الروس من العراق وسورية. ونجح في تنظيم خمس رحلات جوية لنقل الراغبين بمغادرة العراق ثم رحلتين مماثلتين من سورية. كما لعب أدوارًا مختلفة في مناطق أخرى، مثل مساعدته الخبير العسكري البيلاروسي، فياتشيسلاف كوتشارا على العودة من ليبيا إلى بلاده. عبر تنسيق مع وزارتي الخارجية الروسية والبيلاروسية، وجهاز المخابرات البيلاروسي الـ(كي جي بي).
وانضم الخبير العسكري البيلاروسي كوتشارا في 2011 إلى مجموعة من الخبراء العسكريين من روسيا وأوكرانيا وجمهورية بيلاروسيا، واعتقلته مجموعة مسلحة ليبية بتهمة التعاون مع نظام الرئيس الراحل معمر القذافي. ولكن النشاط الأبرز لقاديروف تركز على استعادة أطفال وزوجات المتشددين من العراق وسورية.
وأفاد مفوض حقوق الطفل في الشيشان حمزة خير أحمدوف بوجود نحو 500 طفل روسي لمواطنين غالبيتهم الساحقة من جمهوريات شمال القوقاز في العراق وسورية، نحو ثلثهم دون سن الثالثة. وقال: إن عشرات النساء الذين أجبرهن أزواجهن على الانضمام إليهم في البلدين تعرضن في المناطق التي كان داعش يسيطر عليها إلى صنوف من الإهانة والتنكيل، ثم بتن أمام واقع اتهامهن بدعم الإرهاب لدى عودتهن إلى روسيا. لكن اللافت أن عدداً من العائدين من سورية تعرضوا لملاحقات فور وصولهم إلى روسيا.
ووجهت محكمة روسية قبل أسابيع تهمة التواطؤ مع الإرهاب إلى نايدا شيخ أحمدوفا (26 سنة) فور وصولها من سورية مع أطفالها. وحكم عليها بالسجن 4.5 سنة. وواجهت زاغيدات أباكوروفا تهمة مماثلة مع مواطنتها مسلمة قارابانوفا، عند وصولهما في 21 أكتوبر /تشرين الأول الماضي على متن رحلة جوية نظمها قاديروف بالتعاون مع الجيش الروسي انطلقت من قاعدة حميميم. ورغم إفراج السلطات الفيدرالية عن النساء على متن الرحلة بعد الحصول على تعهد خطي من كل منهن بمراجعة الشرطة في وقت لاحق، جرى اعتقال الشابتين بعد لحظات من خروجهما من المطار، على يد الشرطة الداغستانية التي سلمت أطفالهما إلى أقرباء حضروا لاستقبالهما، وقمت بنقل الفتاتين إلى العاصمة محج قلعة حيث تخضعان حاليا للمحاكمة. خلافاً للتطمينات التي قدمتها الأجهزة الأمنية في وقت سابق بعدم الملاحقة.
وقالت أوساط حقوقية داغستانية: إن عشرات الفتيات اللاتي تمت إعادتهن من سورية أو العراق يخضعن حاليا لاعتقال منزلي، وبعضهن تم تحويله إلى محاكمات بتهم تتعلق بالإرهاب.
أرسل تعليقك