برازيليا - لينا العاصي
عندما سحب البرلمان البرازيلي منذ عام ونصف العام الثقة من الرئيسة السابقة ديلما روسّيف ودفعها إلى التنحّي بعد اتهامها بتغطية مناورات مالية لتلميع الموازنة العامة وتراجع شعبيتها إلى مستويات قياسية، لم يتردد المراقبون في التوقع أن خلفها ميشال تامر الذي كان نائبها وناور علناً لإسقاطها، محكوم بالمصير ذاته عاجلاً أم آجلاً، لكثرة الشبهات التي تحوم حوله في قضايا الفساد التي تقزّم العملاق البرازيلي منذ سنوات وتكاد تقضي على آفاق نموّه الواعدة وتدفع به إلى دوّامة خطيرة من الاضطرابات الاجتماعية التي باتت تهدد استقراره وسمعته على وقع الفضائح المتعاقبة من غير انقطاع.
لكن تامر تفوّق على سلفه وعلى الرئيس الأسبق فرناندو كولور دي ميلو الذي أقيل أيضاً من منصبه أيضاً، بكونه أول رئيس في تاريخ البرازيل يُتهم رسمياً بالفساد وبتلقي رشاوى بالملايين، كما جاء في بيان المدّعي العام، الذي يلزم مجلس النواب النظر في طلب رفع الحصانة عن الرئيس لفترة ستة أشهر تمهيداً لمحاكمته. الاتهام الموجّه إلى تامر ليس مرادفاً للإقالة التي هي مسار سياسي في جوهرها، لكن يضعه في ظرف يكاد يكون مطابقاً عملياً، إذ يقتضي موافقة ثلثي أعضاء البرلمان ويجبره على التنحي والمثول أمام المحكمة إذا توافرت هذه الغالبية.
يستدلّ من التصريحات الأولى التي صدرت حتى الآن عن تامر، أنه اختار الصمود في وجه الضغط الشعبي المتزايد ومقاومة الدعوات التي وجهتها إليه قيادات بارزة في حزبه إلى التنحي وتجنيب البلاد المزيد من الصدامات السياسية والاضطرابات الاجتماعية. فهو يدرك أن قاعدة تأييده في البرلمان أوسع بكثير مما كانت عليه قاعدة روسّيف، بالتالي من المستبعد أن يحظى طلب المدعي العام بغالبية الثلثين. لكن ثمة من يراهن على تراجع هذا التأييد في الأيام القليلة المقبلة بفعل تصاعد الغضب الشعبي والضغوط الخارجية التي تدعم بقوة أجهزة القضاء المستقلة في حملتها على الفساد الذي أنهك الاقتصاد البرازيلي وبدأت الأسواق الإقليمية والدولية تستشعر تداعياته.
المقرّبون من تامر يراهنون أيضاً على أن ثعلب السياسة البرازيلية الذي برع في التآمر على حلفائه، وفي طليعتهم روسّيف، لن يتورّع عن لعب كل الأوراق التي في متناوله حتى النهاية. أبرز هذه الأوراق هو العدد الكبير من النواب الذين يواجهون تهم فساد، فضلاً عن ضلوع غالبية الأحزاب وثمانية من أعضاء الحكومة في فضائح مالية، ما قد يدفع بالطبقة السياسية إلى التكاتف وراء الرئيس إنقاذاً لنفسها من الانهيار ودخول السجن. وتفيد الأنباء الأخيرة بأن تامر ومعاونيه بدأوا فعلاً التفاوض بعيداً من الأضواء مع الأحزاب والقوى السياسية الممثلة في البرلمان تمهيداً لاتفاقات تقطع الطريق على النيابة العامة.
وليس مستبعداً أن تحمل الأيام المقبلة مزيداً من المفاجآت، بخاصة بعد إعلان الشرطة القضائية اعتراضها طائرة هليكوبتر تحمل نصف طن كوكايين كانت أقلعت من مزرعة يملكها وزير الزراعة في حكومة تامر، فيما تتردد أنباء عن أن النيابة العامة تملك ملفات أخرى أكثر خطورة من التي كشفتها حتى الآن، وأنها تتريّث في الإفراج عنها حتى معرفة مصير الطلب الذي قدمته لرفع الحصانة عن الرئيس الذي بات يشعر بعزلة إقليمية ودولية بعد زيارته الأخيرة إلى روسيا والنروج، حيث لقي استقبالاً بارداً وسمع انتقادات مباشرة لتعثّر حملة محاربة الفساد في بلاده.
أرسل تعليقك