كشف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني، أن القيادة الفلسطينية تواجه ضغوطًا متزايدة من أجل استخدام الشرعية الفلسطينية لتمرير مشاريع مشبوهة في قطاع غزة. وأضاف مجدلاني، وهو مساعد كبير للرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن ثمة ضغط أميركي كبير لاستخدام الشرعية الفلسطينية في تمرير (صفقة العصر)، تحت مسمى التهدئة... الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان وتضغطان من أجل تمرير ما يسمى الهدنة، على قاعدة أن تكون ممرا لفصل قطاع غزة".
وأكد مجدلاني، في حديث لـ"الشرق الأوسط"، أن معلومات القيادة الفلسطينية، تفيد بأن حركة "حماس" قطعت شوطًا كبيرًا في المفاوضات حول التهدئة، وقبلت بالعروض التي قدمت لها، وهي مطار في قاعدة عسكرية بالنقب، مرتبط مع مطار في الدوحة أو إسطنبول. ذهاب من دون عودة (تسهيل الخروج ورفض العودة عبر المطار نفسه) وميناء في قبرص".
وردًا على سؤال كيف سترد القيادة الفلسطينية على اتفاق تهدئة محتمل، بعد تصريحات يحيى السنوار، مسؤول حركة حماس في قطاع غزة، حول اتفاق متوقع خلال أسبوعين بمعزل عن المصالحة، قال مجدلاني: "نقول بوضوح تام، إذا ذهبت حركة حماس إلى توقيع اتفاق هدنة منفردة مع إسرائيل، من دون الشرعية والغطاء السياسي الوطني، فهذا يعني تكريس الكيان السياسي المنفصل في قطاع غزة، وبالتأكيد لن نكون ممولين للانفصال مثلما مولنا الانقلاب".
وجاء تهديد مجدلاني بعدما هدد جيسون غرينبلات، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أنه إذا لم يشارك في الحل المتعلق بالقطاع، فإن آخرين سيملأون الفراغ. ودعا غرينبلات السلطة الفلسطينية إلى المشاركة في المساعي، لإيجاد حل للأزمة في قطاع غزة، قائلا بأنه يجب على السلطة أن تكون جزءًا من الحل.
وفي بيان نشرته وزارة الخارجية في واشنطن حذر غرينبلات، من أنه إذا واصلت السلطة توجيه الانتقادات دون أخذ دور فعال في حل الأزمة، فإن آخرين سيقومون بسد هذا الفراغ. وتابع غرينبلات في انتقاد واضح لعباس، "القيادة هي اتخاذ قرارات صعبة". وتابع "حان الأوان لقيادة السلطة الفلسطينية الشعب الفلسطيني – كل الفلسطينيين – إلى مستقبل أفضل".
وردت الرئاسة الفلسطينية على غرينبلات بالقول بأن الشعب الفلسطيني وحده من يقرر مصيره وينتخب قيادته الشرعية، وليست أميركا أو غيرها. وجاء في بيان للرئاسة، "من يقبل أن يكون بديلاً لخيار الشعب الفلسطيني فهو بالتأكيد مشارك في مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية". وقال الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، "نعتبر هذه التصريحات غير مقبولة وسافرة، وتدخلاً مرفوضا بالكامل من قبل الإدارة الأميركية في الشؤون الداخلية الفلسطينية، التي لن نسمح بها إطلاقاً، وسنتصدى لها كما تصدينا لصفقة القرن التي تعتبر هذه التصريحات جزءاً لا يتجزأ منها".
ورفضت فتح المشاركة في مباحثات التهدئة السابقة، وأصرت أولا على إنجاز مصالحة تتسلم فيها السلطة الفلسطينية قطاع غزة بالكامل، ثم توقع أي اتفاقات متعلقة بالقطاع كونه جزءا من الوطن. وتقول السلطة بأن منظمة التحرير هي المخولة بالتوقيع على أي اتفاقات وليس أي فصيل آخر، ولكن كل ذلك بعد إتمام ملف المصالحة.
وقال مسؤول الإعلام في مفوضية حركة فتح، منير الجاغوب بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الجهة الوحيدة التي تملك صلاحية التفاوض باسم الشعب الفلسطيني، ولا تملك أي جهة أخرى سواء كانت حزبًا أو تنظيمًا أو دولة أن تبحث في قضايا تمس مصير شعبنا كله، فلا حديث في التهدئة مع الاحتلال إلا في إطار وطني شامل وبعد إنهاء ملف الانقسام وإعادة اللحمة إلى شطري الوطن بسلطة شرعية واحدة تمارس صلاحياتها كاملة دون تدخل من أحد.
وجاء بيان الجاغوب ردا على غرينبلات، مؤكدا أنه أو غيره لا يملكون أي صلاحيات للتدخل في الشؤون الفلسطينية. ولكن عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، قال إنه يجب ألا تكون منظمة التحرير طرفا مشاركا في صنع التهدئة. وقال أبو مرزوق في تغريدة له، "لتحقيق المصلحة الوطنية بالحفاظ على المقاومة وسلاحها وكسر الحصار عن شعبنا الفلسطيني في غزة وحل مشاكل القطاع التي صنعها الاحتلال، يجب أن لا تكون منظمة التحرير الفلسطينية الطرف المشارك لصنع التهدئة، لكونها الموقع لاتفاقيات أوسلو والتي تعتبر المقاومة انتهاكا لتلك الاتفاقيات، وكذلك استخلاصا لتجربة 2014".
وأضاف "لقد قمنا بتهدئة مع الاحتلال عدة مرات إحداها بطلب من أبو مازن، وأخرى برعاية مصرية، وكذلك بعد كل حرب كان الاحتلال يقوم بها على قطاع غزة، فلماذا الإصرار على مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية وهي لا علاقة لها بالمقاومة وتوابعها من تهدئة أو تبادل أسرى، ولا مصلحة ترجى من ربط المصالحة بيننا بالتهدئة مع العدو". والخلاف الكبير بين فتح وحماس حول التهدئة، يوازيه خلاف آخر حول المصالحة.
وفيما تصر فتح على تسلم قطاع غزة بالكامل ترفض حماس ذلك، وتريد أن تكون شريكا في مؤسسات المنظمة والسلطة. وثمة خلاف حول الأجهزة الأمنية والسلاح والقضاء والنيابة وسلطة الأراضي والجباية المالية.
وحاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التدخل شخصيا لدعم جهود المصالحة المنهارة، وهاتف الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أجل ذلك. وقال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية: "إن الاتصال تناول بحث ملف المصالحة الفلسطينية، حيث أكد السيد الرئيس حرص مصر على مواصلة جهودها في تحقيق المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، فضلاً عن عودة السلطة الشرعية لتولي مسؤولياتها في قطاع غزة، وهو ما سيساعد في دفع مساعي إحياء المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية".
وأكد مكتب عباس أن الرئيس المصري شدد في مكالمته على أن بلاده ستستمر في دورها، وفي جهودها لرعاية المصالحة الفلسطينية، وستركّز على تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، وعلى الشرعية الفلسطينية تحت قيادة أبو مازن. وتتطلع مصر إلى إنجاز مصالحة تعود السلطة بموجبها إلى قطاع غزة، ثم تهدئة من أجل الدخول في مفاوضات لاحقة. وتحظى مصر بدعم الولايات المتحدة في هذا الإطار.
وكان غرينبلات قال بأن إدارة ترامب تدعم بقوة مبادرات الرئيس السيسي والحكومة المصرية، للمساعدة في التوصل إلى اتفاق للتهدئة في غزة، وتحقيق الظروف من أجل عودة السلطة الفلسطينية الكاملة لمسؤولياتها في غزة.
ولكن مصادر مطلعة قالت لـ"الشرق الأوسط"، بأن عباس الذي يقدر الجهود المصرية يربط المصالحة بالتهدئة وحتى بالمفاوضات. وأضافت المصادر، "يدرك الرئيس أهمية استعادة غزة ويعمل على ذلك كجزء من خطة إقامة الدولة الفلسطينية، ولكن وفق مفهوم دولة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد، وهو ما ورد في رد فتح على الورقة المصرية". وأردفت المصادر "اتصال الرئيس السيسي لم يناقش التهدئة مطلقا، وكان مركزا على عودة السلطة وإنجاز مصالحة".
أرسل تعليقك