اتهمَ الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني الولايات المتحدة بحفظ إطار العقوبات الدولية على إيران و"تحديد قدراتها الدفاعية وقوتها الإقليمية" بعد تنفيذ الاتفاق النووي.
وقدّم شمخاني أمس تقريرا إلى البرلمان حول تنفيذ الاتفاق النووي قائلا إن إيران "ستواصل تنفيذ الاتفاق النووي وسياساتها الاستراتيجية من دون التأثر بمحاولات أميركا لوقف السياسات الثورية في المنطقة". وبحسب وكالة "مهر" الحكومية فإن شمخاني قدّم في تقريره تفاصيل عن أوضاع في أربع دول عربية: العراق وسورية واليمن والبحرين.
و أفادت التقارير أن شمخاني وصف الأوضاع الأمنية والسياسية في سورية بـ«المعقدة" معتبرا "التنسيق السياسي والعسكري بين إيران وروسيا وسوريا" أهم عامل مؤثر في المعادلات الحالية في الأزمة السورية.
ويشغل شمخاني منصب المنسق السياسي والعسكري الأعلى بين إيران وروسيا وسورية واستحدث المنصب بعد اجتماع ثلاثي في طهران بين الدول الثلاث.
بدوره قال البرلماني إلياس حضرتي في تصريح لوكالة "إيرنا" الرسمية إن "شمخاني قدم تقريرا شاملا عن المهام التي يقوم بها المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إزاء أزمات المنطقة" وفي إشارة إلى مخاوف من انقسام داخلي قال إن شمخاني "شدد على ضرورة حفظ الانسجام الداخلي والوحدة والتفاهم بين كل الفرقاء".
إلى ذلك استمرت التغييرات الكبيرة في القوات المسلحة الإيرانية وأمر المرشد الأعلى علي خامنئي بإقالة عدد جديد من قادة القوات المسلحة بعد أسبوع من إقالة رئيس أركان القوات المسلحة الجنرال حسن فيروزآبادي وتعيين قائد مخابرات الحرس الثوري علي باقري بدلا منه.
وجاءت إقالة فيروزآبادي بعد 27 عاما وسط تردد أنباء عن خلافات بسبب تأييده للاتفاق النووي في وقت ربطت وسائل إعلام الحرس الثوري إقالته بتراجع حالته الصحية. وبينما تسلم باقري أمس منصبه رسميا بحضور قادة الحرس الثوري والجيش، أعلن رئيس المكتب العسكري لخامنئي، الجنرال محمد شيرازي ثلاثة تغييرات كبيرة أخرى في القوات العسكرية.
وفي أهم تغيير اختار خامنئي اللواء عبد الرحيم موسوي مساعدا لرئيس هيئة الأركان. وبذلك يأتي قيادي للجيش مساعدا لقائد الأركان والقيادي في الحرس الثوري علي باقري. ووفْق أوامر خامنئي الجديدة فإن الجنرال غلام علي رشيد أصبح قائد مقر "خاتم" الذي يعد غرفة عمليات القوات المسلحة الإيرانية، فضلا عن كونه مركز الذراع الهندسية للحرس الثوري في المشاريع الاقتصادية والمقاولات.
كذلك عيّن خامنئي القيادي في الحرس الثوري علي عبد اللهي منسقا عاما لأركان القوات المسلحة وكان عبد اللهي مساعد المركز اللوجيستي للقوات المسلحة والمساعد الأمني لوزير الداخلية.
خلال الأيام الماضية شهدت إيران موجة إقالات واسعة في وزارتي الداخلية والخارجية، وربط مراقبون تلك التغييرات بخلافات في وجهات النظر بين حكومة روحاني وسياسته الإقليمية والدوائر التابعة لخامنئي.
في سياق منفصل، تعهّد الرئيس الإيراني حسن روحاني في بيان موجه للإيرانيين بمكافحة الفساد كاشفا عن خطوات تنوي حكومته اتخاذها في وقت تتعرض لضغوط مضاعفة من المنتقدين إثر تسريب وثائق تثبت تلقي مسؤولين كبار رواتب خارج إطار القانون.
ووعد روحاني في بيانه باجتثاث جذور "جرثومة الفساد الخبيثة" في الدوائر التنفيذية والمالية، مضيفا أن حكومته تعكف على مشروع تقدمه إلى البرلمان لتصويت عليه، يهدف لإصلاح القوانين الخاصة بدفع الرواتب ومستحقات كبار المسؤولين، وفي حين تتعرض حكومته إلى ضغوط مضاعفة من منتقديه شدد روحاني أنه عازم على محاربة الفساد وفي حين يقترب الرئيس الإيراني من نهاية من فترة الرئاسية تعهد بمكافحة الريع والفساد والرشاوى في المنظومة الإدارية والاقتصادية كما وعد بـ"إصلاح جذري في بنية القوانين غير السليمة".
و أشار روحاني إلى أن تعديل القوانين يلزم الأجهزة المختلفة بنشر رواتب كبار المسؤولين والقادة العسكريين في إيران.
قبل أيام وبعد تأخير طال أسبوعين رد خامنئي إيجابيا على طلب مساعد الرئيس الأول إسحاق جهانغيري حول التدقيق في النشاط المالي المتعلق بالدوائر التابعة له. رد خامنئي وإن لم يفتح الباب على مصراعيه أمام جهانغيري إلا أنه طالب تلك الدوائر أن تأخذ ما تقرره الحكومة في مكافحة الفساد بعين الاعتبار.
وتُعَدّ المرة الأولى التي يشير فيها روحاني إلى ضرورة الإعلان على المبالغ التي يتلقاها القادة العسكريون. ومنذ أيام ترددت مطالب حول الكشف عن المبالغ التي يتلقاها قادة الحرس الثوري، فضلا عن قروض بنكية ضخمة يحصل عليها المسؤولون في الأجهزة الأمنية والعسكرية من خلال استغلال مناصبهم القيادية.
وحمل بيان روحاني في طياته إشارات واضحة إلى غضب الإيرانيين وردود الفعل بسبب الفضيحة في وقت يعاني المجتمع من ضغوط متزايدة في المعيشة لتردي الوضع الاقتصادي والمالي في البلد.
كما طالَب روحاني وسائل الإعلام مساعدته على مخاطبة الرأي العام في توضيح "ما احتسب خطأ ضمن قضية الرواتب الفلكية لكنه لم يكن تجاوزا في الأساس".
ونوّه روحاني إلى أنه يصدر البيان بعد اطلاعه على تقرير من لجنة خاصة تدرس ملابسات الفضيحة المالية الكبيرة موضحا أن "نواقص وخلل" السياسات والقوانين السابقة و«المخارج القانونية" في السابق من أسباب الأزمة.
منذ شهر لم تتوقف ردود الأفعال على تسريب مجهولين وثائق حول رواتب كبيرة يتلقاها كبار المسؤولين في الدوائر المالية التابعة لحكومة روحاني، كما أنها تحولت إلى وقود لغضب الإيرانيين من فشل معالجة أوضاعهم المعيشية ومن جهتها، الحكومة التي دخلت عامها الرابع نفت مسؤوليتها عن إقرار تلك الرواتب.
ويمكن اعتبار بيان روحاني هجوما مضادا منه على انتقادات واسعة حذر مؤيدوه من تأثيرها على ترشحه لفترة رئاسية ثانية بعد أقل من عام، وتعرضت حكومة روحاني إلى انتقادات حادة بسبب تباطؤها في معالجة الأزمة، وعلى الرغم من الإقالات الكبيرة التي باشرتها الحكومة في المؤسسات المالية فإن الأزمة مرشحة بالتصعيد خاصة في ظل استمرار ردود الأفعال المتباينة بين المسؤولين والتيارات السياسية ووسائل الإعلام والشارع الإيراني.
وحاول روحاني في البيان الأخير التبرئة من الاتهامات الموجهة إليه خاصة أن أهم الأسماء المتداولة في القضية شقيقه، حسين فريدون الذي ارتبط اسمه بملفات فساد وتجاوزات وصفها خصوم روحاني بالكبيرة. وضمن وعود جديدة، صرح روحاني أن "منظمة الإدارة والتخطيط الإيرانية ستنشر معدل رواتب كبار المسؤولين والقادة العسكريين لطمأنة الرأي العام".
في هذا الصدد، أصدر مساعد الرئيس الأول إسحاق جهانغيري أوامر إلى الدوائر الحكومية يطالب فيها التدقيق في رواتب رؤساء كل الشركات والمؤسسات الحكومية، كما طالب وزير الداخلية رحمان فضلي بإعادة النظر في الرواتب التي تدفعها الداخلية للمسؤولين لرؤساء البلديات وتجاوزاتهم المالية.
و قدّمت مجموعة العمل المكونة من لجنة برلمانية ومنظمة "التفتيش" وديوان "العدالة" تقريرها الأول حول الرواتب، وأفادت وكالة "مهر" الحكومية أن رئيس مركز دراسات البرلمان كاظم جلالي قدم التقرير للبرلمان، مشيرا إلى أن أغلب التجاوزات في الفضيحة شملت البنوك وشركات التأمين وشركات حكومية ووزارة الصحة ووزارة النفط والصندوق الوطني للتنمية.
وتجاوزت الفضيحة في الأيام الأخيرة الدوائر التابعة للحكومة، وشهد الأسبوع الماضي تلاسنا بين رئيس القضاء صادق لاريجاني ومساعد خامنئي الخاص في "رقابة التفتيش" علي أكبر ناطق نوري.
يُشار إلى أن استطلاع رأي أجرته منظمة "آي باز" المستقلة في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي حول تفشي الفساد في الدوائر الحكومية أظهر أن 77 في المائة من الإيرانيين يؤمنون بوجود فساد كبير في المؤسسات المالية والبنوك، كما أن 63 في المائة منهم يؤمنون بالفساد في المحاكم والبلديات و55 في المائة يؤمنون بالفساد في جهاز الشرطة. بموازاة ذلك أوضح الاستطلاع أن 51 في المائة من الإيرانيين يعتقد بتفشي الفساد في المجتمع الإيراني، بينما 20 في المائة قالوا إن الفساد إلى حد ما مستشر في إيران، وفي المقابل 15 في المائة قال إن الفساد لم يستشر في البلاد.
أرسل تعليقك