يطرح اقتراب موعد إجراء الانتخابات النيابية في 6 أيار (مايو) المقبل مجموعة من الأسئلة المتعارضة حول تموضع الحركات الإسلامية في لبنان ترشحاً واقتراعاً، خصوصاً في الدوائر ذات الغالبية السنية، وتحديداً في بيروت الثانية، «صيدا- جزين»، والبقاعين الغربي والأوسط وإقليم الخروب في الشوف، عاليه، «طرابلس- المنية- الضنية» وعكار، والتي سجلت رقماً قياسياً في عدد اللوائح فاق الـ33 لائحة من أصل 77 يتشكل منها مجموع اللوائح المرشحة لخوض الانتخابات في جميع الدوائر الـ15 التي حددها قانون الانتخاب.
ويبدو من خلال قراءة متأنية للمرشحين المنتمين إلى الحركات الإسلامية أو المحسوبين عليها، أن جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية في بيروت «الأحباش» حسمت أمرها بالترشح في دائرتي بيروت الثانية و «بعلبك الهرمل» على لائحة تحالف «حزب الله» وحركة «أمل» في مقابل ترشحها على لائحة الوزير السابق فيصل كرامي في «طرابلس- المنية- الضنية».
وترتب على تحالف «الأحباش» مع الثنائي الشيعي في بيروت الثانية و «بعلبك الهرمل» تداعيات مردها إلى أن قسماً من محازبيها كان يفضل استبدال مرشحها في بيروت عدنان طرابلسي لإعطاء فرصة لغيره في الجمعية بدلاً من التمسك بترشيحه منذ دورة الانتخابات في عام 1992 التي فاز فيها عن أحد المقاعد السنية في العاصمة، إضافة إلى محاذير من الائتلاف مع «حزب الله» لقطع الطريق على إدراج مؤسساتها في الخارج، وهي كثيرة، على لائحة العقوبات المشمول بها الحزب.
لكن قيادة «الأحباش» نجحت في استيعاب رد فعل هؤلاء المحازبين، وهي تعمل حالياً على تأمين الدعم الكامل لطرابلسي في بيروت ولمرشحها الآخر يونس الرفاعي على لائحة «أمل- حزب الله» في «بعلبك الهرمل» من دون أن تنسحب هذه التداعيات على ترشح أحد قيادييها طه ناجي على لائحة فيصل كرامي.
الجماعة الإسلامية
وبالنسبة إلى «الجماعة الإسلامية»، فإن الطلاق الانتخابي حصل بينها وبين «تيار المستقبل» في جميع الدوائر الانتخابية المشتركة، بذريعة -كما يقال- أن الأخير لا يحبذ التحالف معها لأسباب عربية، على خلفية أنها جزء من تنظيم جماعة «الإخوان المسلمين»، وبالتالي لا يريد التفريط بعلاقاته الوطيدة مع مصر وعدد من دول الخليج العربي المناوئين لها.
إلا أن تعذر التحالف بين «الجماعة» و «المستقبل» كان وراء اضطرار الأولى إلى البحث عن تحالفات انتخابية بديلة، أبرزها مع رئيس تحرير جريدة «اللواء» صلاح سلام الذي يرأس إحدى اللوائح الانتخابية في بيروت الثانية، والتي ضمت مرشحها النائب عماد الحوت إلى جانب رئيس جمعية « الواقع» الإسلامية مصطفى بنبوك التي تتعاطى الشأن الاجتماعي.
وحاولت «الجماعة» ثني العضو السابق في مجلس بيروت البلدي عصام برغوت عن الترشح على لائحة فؤاد مخزومي، لكنها لم تنجح في إقناعه بالعزوف عن الترشح، واعتبرت -كما تقول مصادر قيادية فيها لـ «الحياة»- أن ترشحه جاء بقرار فردي، فيما تعتقد مصادر مواكبة للحراك الانتخابي في بيروت الثانية أن برغوت سيحجب مئات الأصوات عن الحوت نظراً إلى دوره في تقديم الخدمات والمساعدات الاجتماعية للبيارتة منذ ما قبل انتخابه عضواً في المجلس البلدي.
وتحصر «الجماعة» خوضها الانتخابات، إضافة إلى بيروت الثانية، في دوائر «صيدا- جزين» و «طرابلس- الضنية- المنية» وعكار. واللافت في التحالفات التي عقدتها أن الحصة الكبرى منها جاءت بالتعاون مع «التيار الوطني الحر»، فيما عزفت عن خوضها في دائرتي «الشوف- عاليه» و «البقاع الغربي راشيا».
وفي هذا السياق، عقدت «الجماعة» من خلال مرشحها بسام حمود تحالفاً مع الرئيس السابق لبلدية صيدا عبدالرحمن البزري و «التيار الوطني الحر» في جزين، في مقابل الغموض الذي لا يزال يسود الموقف الانتخابي للمنشق عن «الجماعة» علي الشيخ عمار، الذي انسحب من المنافسة الانتخابية في هذه الدائرة.
وعلمت «الحياة» أن عمار يتزعم حالياً ما يسمى بـ «أحرار صيدا»، وهو يميل حتى إشعار آخر إلى دعم ترشح رئيس «التنظيم الشعبي الناصري» أسامة سعد المتحالف مع المرشح المستقل إبراهيم سمير عازار والثنائي الشيعي، فيما يتجه زميله في المجموعة نفسها الشيخ يوسف مسلماني إلى تأييد البزري.
أما بالنسبة إلى بقايا أنصار الشيخ أحمد الأسير الذي يحاكم حالياً في ملف أحداث صيدا- عبرا، فعلمت «الحياة» من مصادر صيداوية أنهم لم يحسموا أمرهم في تسمية المرشح الذي سيدعمونه، في مقابل ميل معظم عائلات الموقوفين في الملف ذاته إلى تأييد النائب بهية الحريري التي تتابع قضيتهم وتعمل من أجل الإفراج عن الذين أوقفوا من دون أن يشاركوا في المعارك ضد الجيش اللبناني.
كما أن «الجماعة» عقدت تحالفاً مع «التيار الوطني الحر» في عكار ولديها مرشح على اللائحة المدعومة منه، في مقابل تحالفها مع النائب السابق مصباح الأحدب في طرابلس الذي ضم إلى لائحته مرشحاً عنها، فيما عزفت عن الترشح في الضنية والمنية.
وعلى صعيد موقف «الجماعة» حيال الانتخابات في دائرتي «الشوف- عاليه» و «البقاع الغربي راشيا»، علمت «الحياة» أنها ما زالت تدرس موقفها ولم تتخذ قرارها النهائي حتى الساعة، على رغم أن الحوار بين مسؤوليها في الأخيرة وآخرين من «المستقبل» لم ينقطع، وإن كان لا يزال على المستوى المحلي لا المركزي، وينسحب الحوار نفسه على الشوف.
كما أن الأمين العام لـ «الجماعة» عزام الأيوبي على تواصل مع قيادة الحزب «التقدمي الاشتراكي» والوزير السابق عبدالرحيم مراد الذي يتزعم إحدى اللوائح المنافسة لتحالف «المستقبل- التقدمي» في البقاع الغربي، إضافة إلى أن وزير البيئة طارق الخطيب (التيار الوطني الحر) كان زاره أخيراً في مهمة انتخابية بامتياز، توخّى من خلالها الحصول على تأييد «الجماعة» للائحة تحالف النائب طلال أرسلان و «التيار الوطني الحر» في «الشوف- عاليه».
وعلمت «الحياة» من مصادر مواكبة الأجواء التي سادت هذه اللقاءات، أن لا صحة لما يشاع من أن «الجماعة» قررت دعم ترشح الخطيب على هذه اللائحة، وعزت السبب إلى أنها ما زالت تدرس خياراتها الانتخابية وإن كانت تنطلق من مبدأ عدم المساواة في موقفها بين «التقدمي» الذي تربطها به علاقة وطيدة و «المستقبل» الذي كان وراء إطاحة الجهود الرامية إلى التحالف معها.
وبكلام آخر -وفق المصادر- فإن «الجماعة» ليست في وارد أن تأخذ «التقدمي» بجريرة «المستقبل»، وقد تميل الى «دوزنة» اقتراع محازبيها وأنصارها من دون حصرهم بلائحة معينة.
حركة التوحيد
أما بالنسبة إلى حركة «التوحيد الإسلامي»، فقد أخذ نفوذها المحصور في طرابلس بالتراجع ولم تعد تملك القدرة على أن تكون قوة قادرة على تجيير ما لديها من أصوات لمرشح معين، خصوصاً بعد وفاة مؤسسها الشيخ سعيد شعبان.
وعلمت «الحياة» أن الحركة تعاني حالياً كثرة الانشقاقات على المستويين القيادي والشعبي، وأن أحد أجنحتها برئاسة بلال شعبان يتواصل حالياً مع فيصل كرامي، وأبلغه بأنه سيدعم بلا قيد أو شرط اللائحة التي يتزعمها، فيما يميل إخوته، ومعهم هاشم منقارة، إلى دعم المرشح عن المنية كمال الخير المتحالف مع «التيار الوطني» في دائرة طرابلس.
وفي معرض الحديث عن تحالفات كرامي مع الحركات الإسلامية، لا بد من الإشارة إلى أن محمد صفوح يكن يخوض الانتخابات عن أحد المقاعد السنية في طرابلس على لائحته، والأخير يُعتبر من أصدقاء «الجماعة» ويتعاون معها بصفته طبيباً في مستشفى «دار الشفاء» الذي يتولى الإشراف على إدارته.
وهكذا، يبدو مرشحو الحركات الإسلامية موزعين على عدد من اللوائح من دون أن يسجَّل أي تحالف، سواء مباشرة أو بالواسطة، بين «الأحباش» و «الجماعة»، وإن كانا يلتقيان في بعض الدوائر الانتخابية التي لا مرشحين لهما فيها على تأييد هذه اللائحة أو تلك، مع الإشارة إلى أن بعض «المجموعات» المتشددة، خصوصاً في طرابلس لم تعد ذات فاعلية كما كانت عليه خلال المعارك التي دارت بين باب التبانة وجبل محسن والتي انتهت فور دخول الجيش اللبناني والقوى الأمنية المنطقة وإلغائها خطوط التماس فيها وإعادتها الحياة إلى طبيعتها.
ويبقى السؤال هل ستتمثل الحركات الإسلامية في البرلمان العتيد وتنجح في حصد مقاعد نيابية بعد أن اقتصر تمثيلها في البرلمان الحالي على «الجماعة» بشخص النائب الحوت؟ خصوصاً أن معظم التحالفات الانتخابية لا تقوم على معايير سياسية وتنطلق من مصلحة القوى المشاركة فيها بزيادة حصتها النيابية.
أرسل تعليقك