أجمع الإعلام الفرنسي على اعتبار أن وزير الخارجية عاد من زيارته إلى طهران الاثنين خالي الوفاض ولم ينجح في زحزحة المسؤولين في القيادة الإيرانية عن مواقفهم بشأن القضايا التي ذهب جان إيف لودريان إلى طهران لمناقشتها؛ وهي: البرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني، وسياسة طهران الإقليمية، وما يفترض بإيران أن تقوم به من إصلاحات بنيوية من أجل استدرار الاستثمارات الأجنبية والارتقاء بمستوى المبادلات التجارية والشراكات الاقتصادية.
وتحدثت مصادر دبلوماسية فرنسية لمصادر صحافية، الثلاثاء، على الرغم من موافقتها على هذا التشخيص، فإنها عدّت أن الهدف من الزيارة لم يكن حمل إيران على توقيع ورقة تعهدات؛ بل إن الوزير لودريان سعى إلى شرح الموقف الفرنسي ومطالب باريس وجهًا لوجه مع طيف متنوع من القادة الإصلاحيين وغير الإصلاحيين وأضافت هذه المصادر أن الهدف الآخر كان التعبير عن مشاغل ومخاوف باريس بالاستناد إلى معلوماتنا ولقراءتنا للوضع الراهن وللإشكاليات المرتبطة بالاتفاق النووي، وببرامج إيران الصاروخية - الباليستية، وسياستها الإقليمية وهو ما سبق للرئيس إيمانويل ماكرون وللوزير لودريان أن عبرا عنه في أكثر من مناسبة.
وتنظر المصادر الفرنسية إلى ردود الفعل على الزيارة وما دار فيها من زاوية النزاعات الداخلية بين الأجنحة الإيرانية المتصارعة. وتعد باريس أنها المرة الأولى التي تتاح للدبلوماسية الفرنسية أن تحتك بالطيف السياسي الإيراني الكامل وأن تطلع مباشرة على تنويعاته. ووفق ما كشفت عنه، فإن اللغة التي استخدمها مثلا علي شمخاني أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي بشأن مصير الاتفاق النووي، وتلك التي لجأ إليها الرئيس حسن روحاني كانت متباعدة حقيقة؛ فالأول لا يجد سببًا للقلق إن نقضت واشنطن الاتفاق ويذهب لحد الدعوة إلى خروج إيران منه. وفي المقابل، فإن روحاني أبدى تمسكًا بالاتفاق. لكن ما بدا غير مفهوم أن اجتماع لودريان مع علي لاريجاني رئيس البرلمان ألغي، ولم تذكر باريس الأسباب التي حملت المسؤول الإيراني على إلغائه.
ويوجد من وصف ما دار خلال الزيارة بأنه كان بمثابة حوار طرشان. بيد أن المصادر الرسمية أكدت العكس؛ إذ عدّت أن كل طرف عرض بالتفصيل حججه وقراءته للوضع. ودليلها على ذلك أن لودريان أمضى ما يزيد على 6 ساعات من المناقشات الصريحة والمباشرة، وهو ضعف الوقت الذي كان مخصصًا لها. فضلًا عن ذلك، أبدى الطرف الإيراني «اهتماما» بمتابعة المناقشات مع لودريان الذي كان أول وزير أوروبي معني بالملف النووي يزور طهران منذ أن هدد الرئيس ترمب بنقض الاتفاق والخروج منه إذا لم يعدل بشكل كاف.
لكن كل هذه المناقشات لم تفض إلى أن يغير الجانب الإيراني مواقفه أو أن يبدي مرونة أو انفتاحًا إزاء المطالب التي حملها لودريان في جعبته وهي تأطير البرنامج الصاروخي الإيراني والتهديد باللجوء إلى العقوبات في حال رفض طهران وحمل القيادة الإيرانية على أن تتبع سياسة مختلفة في جوارها المباشر وغير المباشر.
في الملف الصاروخي، كانت النقطة الأولى التي أثارها لودريان مفادها أن قيام طهران بتطوير صواريخ بعيدة المدى يهدد استقرار وأمن المنطقة، ويهدد أيضًا أمن أوروبا لأنها قادرة على الوصول إلى أراضيها. والنقطة الثانية أن ما تقوم به طهران يخالف نص القرار «2231» الذي يمنعها من تطوير إمكانات صاروخية قادرة على حمل رؤوس نووية. والنقطة الثالثة أن إيران تساهم من خلال نقل الصواريخ أو التكنولوجيا الصاروخية إلى هيئات أو تنظيمات أو ميليشيات وهو ما ينسف أيضًا الاستقرار ويغذي النزاعات والحروب في إشارة لما تقوم به إيران في اليمن ولصالح الحوثيين.
وحرص لودريان على إبلاغ الإيرانيين أن لباريس إمكاناتها ومصادر معلوماتها الخاصة درءاً لاتهامها بأنها تنطق بلسان الولايات المتحدة الأميركية أو أنها أصبحت «عميلة» لها،. وجاء رد إيران أن برنامجها الصاروخي - الباليستي محض دفاعي، وأنها لا تمتلك أسلحة نووية لتجهز الصواريخ بها، وترفض الخوض فيه. وتساءلت أخيرًا عن الأسباب التي تجعل الغرب يركز على برامجها الصاروخية ويتناسى الكم الهائل من الصورايخ الموجودة في المنطقة ومن كل الأنواع.
أما في ما يتعلق بسياسة إيران الإقليمية ودورها الذي تعده باريس مزعزعًا للاستقرار ويتصف بنزعة الهيمنة، فإن الوزير لودريان شرح لمحاوريه أن فرنسا لا تسعى لكي لا يكون لإيران نفوذ في المنطقة، كما أن غرضها ليس محاربة نفوذها؛ بل إنها تريد ألا يكون عبر استخدام الوسائل العسكرية. وأضاف لودريان أن باريس تريد من طهران أن تكون عاملًا يساعد على حل النزاعات وليس تأجيجها.
وجاء الرد الإيراني كلاسيكيًا بالإشارة إلى أن تدخل إيران كان لمحاربة «داعش» والإرهاب، وأنه لولا ذلك لكانت صورة المنطقة تغيرت جذريًا.
ويذكر أن إيران والأطراف الأوروبية الثلاثة "فرنسا وبريطانيا وألمانيا" بدأت، منذ انعقاد مؤتمر الأمن في ميونيخ، مشاورات حول الملفات الإقليمية، ويفترض أن تتواصل، وربما تكون "سابقة" تفتح الباب لتوسيع دائرة الحوار.
وكان الرئيس ماكرون استبق زيارة لودريان باتصال هاتفي مطول (ساعة كاملة) مع روحاني تناول في جزء منه الوضع في سورية. وجاء الرد لاحقًا حينما عدّ الأخير أن الحل الوحيد هو دعم النظام، مما يعكس اتساع الهوة التي تفصل بين الطرفين. كذلك، فإن وزير الخارجية محمد جواد ظريف رأى بشأن الاتفاق النووي، أن الضغوط يجب أن تتركز على الولايات المتحدة وليس على إيران من أجل المحافظة عليه.
إذا كان لودريان يسعى لتنازلات يقايض بها الجانب الأميركي، فإن محاولته، وإن كانت في بدايتها، لم تحصد أي نجاح، وربما تكون الضحية الزيارة التي كان ماكرون ينوي القيام بها إلى طهران، لأنه إن لم يحدث اختراق في الملفات الثلاثة المعقدة "النووي، والصاروخي، وسياسة إيران الإقليمية" فسيكون من الصعب عليه إتمامها. لكن الوقت يضغط، ونجاح فرنسا ومن خلفها أوروبا في إنقاذ الاتفاق النووي يفترض تنازلات جدية من إيران التي لا تبدو، حتى الآن، مستعدة لتقديمها
أرسل تعليقك