يشهد العراق تخبطا سياسيا واقتصاديا غير مسبوق، في ظل غياب كامل لاستراتيجيات قوية لإخراج البلاد من هذه المرحلة.
حذر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من مرحلة الانهيار ما لم يتم اتخاذ إجراءات قوية لمحاربة الفساد وبشكل خاص المرتبط بالسلطة، لكن تفاجأ العراقيون بأن أول إجراءات الإصلاح تطال الفقراء والأكثر فقرا بتخفيض سعر صرف الدينار أمام الدولار، الأمر الذي ضاعف الأسعار خلال ساعات... وفي ظل هذا الوضع إلى أين يتجه العراق بعد تحذيرات الكاظمي؟.
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، السفير السابق في الخارجية العراقية، الدكتور قيس النوري، إن الوضع في العراق متردي على مختلف الصٌعد، سواء السياسي أو الاقتصادي والاجتماعي والأمني، وهذا ليس جديدا، لذا فإن تحذيرات الكاظمي من الانهيار ليست جديدة.
وأضاف لـ"سبوتنيك": أتى الكاظمي لكي يحل بعض من تلك الأزمات، فما الذي فعله لمعالجة تلك الملفات. والإجابة أنه لم يفعل شيئا منذ مجيئه لرئاسة الوزراء، بل إن الأمور ازدادت سوءا، حيث أن المليشيات تغولت بشكل أكبر وارتكبت الكثير من الجرائم الواضحة والمعروف مرتكبيها، لكن الحكومة لم تتحرك من أجل القبض عليهم وتقديمهم للعدالة.
وأشار النوري إلى تردي الوضع الاقتصادي وأن آخر ما قام به هو تخفيض سعر صرف العملة العراقية أمام العملات الأجنبية، الأمر الذي ترتب عليه فعلا مزيد من الإفقار للشعب الذي يعاني أشد المعاناة، خاصة وأن العراق بلد مستورد لكل شىء الآن ولا ينتج، نظرا لأن من يحكموه دمروا الصناعة والزراعة وتحول العراق إلى بلد مستورد، وخاصة أن تخفيض سعر الدينار سوف ينعكس على شريحة واسعة من الناس، بعد أن فقدت رواتب الموظفين أكثر من ربع قيمتها.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن الكاظمي لا يستطيع تنفيذ شىء من الآليات التي يتحدث عنها لأنه جاء من ضمن تلك المنظومة التي قامت بتخريب العراق منذ العام 2003 إلى الآن، والحل الوحيد هو "كنس" العملية السياسية الفاسدة التي أوصلتنا إلى تلك النتائج، فالوضع العراقي اليوم لا يحتاج إلى حلول جزئية ومعالجات.
الفساد والسلطة
من جانبه قال الخبير الاقتصادي العراقي الدكتور عبد الرحمن المشهداني، إن: تحذيرات الكاظمي من انهيار الدولة نتيجة الفساد هو تصريح سياسي بالدرجة الأولى، لأن الفساد المستشري في مفاصل الدولة العراقية يتم حمايته من جانب الكتل السياسية المشاركة بالسلطة.
وأضاف لـ"سبوتنيك"، أن: كبار الشخصيات السياسية من قادة الأحزاب والكتل وأشخاص من السلطة التنفيذية هم المعنيين بحماية الفساد، وكنا متفائلين بأن تصريحات وتحذيرات الكاظمي الأخيرة بشأن الفساد سوف يتم تتويجها بقرارات ملاحقة هؤلاء الأشخاص، لكن ما حدث هو أنه لم يتم استهداف أي من هؤلاء الأشخاص المعروفين بالأسماء وفق وثائق وتصريحات حكومية سابقة، بل يتم استهداف الخط الثاني أو الثالث، مثل مدير عام الهيئة العامة للتقاعد أو مدير عام استثمار بغداد وشخصيات أخرى، وأعلنوا أن هذا كان أحد الخطوات لمحاربة الفساد لكنهم توقفوا بعدها.
زيادة الإفقار
وحول حاجة العراق لتغيير سعر الصرف بتلك النسبة في هذا الوقت، قال المشهداني: لم يحدث في أي من دول العالم أن يتم التغيير دفعة واحدة بهذا الشكل، فإما أن يكون التغيير تدريجي أو يتم تعويم العملة وتركها للعرض والطلب، حيث كان السعر المثالي للتغيير أن يكون الدولار يوازي 1300 وليس 1450دينار، لكن الحكومة كان لها رأي آخر، والأموال التي تسعى لتوفيرها نتيجة تغيير سعر الصرف غير كافية لتقليص العجز، وكان يفترض رفع سعر النفط في الموازنة الجديدة من 42 إلى 48 دولار نظرا لتجاوز سعرة الآن الـ 50 دولار، هذا الأمر كان سيوفر مبلغ كبير لتقليص العجز.
دعوات للرفض
وأرجع التخبط الاقتصادي إلى عدم فهم الأشخاص المعنيين برسم السياسة المالية والنقدية لأدوارهم، مشيرا إلى أن لجنة تقييم الآداء الحكومي، وضعت نسبة 17 بالمئة إنجاز لحكومة الكاظمي من البرنامج المخطط خلال الأشهر الست الأولى، وهذا الأمر سيكون مثار للغضب الشعبي والبرلماني، خصوصا وأننا مقبلون على انتخابات برلمانية منتصف العام القادم، ونلاحظ الآن دعوات للتظاهر من جانب بعض البرلمانيين لرفض تلك الإصلاحات، وقد بدت مشاهد الغضب الشعبي في المظاهرات التي انطلقت في البصرة والناصرية وبغداد، حيث أن معدل الفقر في العراق قبل تخفيض العملة كان 41 بالمئة، وبالقطع ستزيد تلك النسبة بعد القرار.
إخفاق تام
بدوره، قال المحلل السياسي العراقي أياد العناز: " إن حكومة الكاظمي تعلم حقيقة الوضع الاقتصادي المتردي في العراق وصعوبة الحصول على واردات مالية تتمكن بها من تسديد التزاماتها أمام أبناء الشعب العراقي من الموظفين والمتقاعدين وباقي مؤسسات الدولة".
وأضاف في تصريحات سابقة لـ"سبوتنيك": كما تدرك الحكومة أيضا إخفاقها في تنفيذ العديد من المشاريع التنموية والاقتصادية ذات النفع العام، والنهوض بالواقع الخدمي والاجتماعي للبلاد نتيجة عدم وجود الأموال والواردات التي تسعف توجهاتها، وهي بهذا تواجه ضغطا شعبيا كبيرا، كون الأمر يتعلق بحياة المواطن العراقي.
الخروج من الأزمة
وطالب العناز بضرورة منع أي جهة سياسية وحزبية وميليشياوية من التحكم بالعديد من الأموال والعقارات والأراضي الزراعية التي تتبع عوائدها للدولة، مشددا على ضرورة منع هذه الجهات من استثمارها للمنفعة الحزبية والمصالح الفئوية، بسبب القوة المسلحة التي تمتلكها والعناصر الميليشياوية التابعة لها.
وأوضح أنه: إذا ما تمكنت حكومة الكاظمي من إعادة نفوذها وتنفيذ إرادتها واستخدام صلاحيتها وفق المنظور الميداني والاقتصادي الذي أشرنا إليه، فهي ستضع يدها على الحل الصحيح وإلا فإن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ستجعلها في موقف سابقاتها من الحكومات التي تلت الاحتلال الأمريكي ولم تحقق التقدم والنهوض الاقتصادي والتنمية الاجتماعية المنشودة.
يشار إلى أن الحكومة العراقية قامت مؤخرا بإصدار قرار بتخفيض سعر الصرف للدينار العراقي بنسبة يراها البعض غير مسبوقة ولا تصلح في بلد يستورد أكثر من 80 بالمئة من احتياجاته الأساسية، الأمر الذي سيزيد من نسبة الفقر التي تجاوزت الـ40 في المئة وفق آخر الإحصاءات.
وقال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، يوم السبت، إن الأزمة السياسية في العراق مرتبطة بالفساد والمال والسلطة.
ونقلت قناة "العربية" عن رئيس الوزراء العراقي قوله: من غير المعقول أن نخضع لمعادلة الفساد السابقة. وشدد على ضرورة بدء عملية "إصلاح قيصرية"، محذرا من انهيار النظام في حال لم تبدأ عملية الإصلاح بالعراق.
وكان رئيس الوزراء العراقي، أعلن قبل أشهر عن تشكيل لجنة عليا تختص بالتحقيق في قضايا الفساد الكبرى والجرائم "الاستثنائية".
وقال الكاظمي، في كلمة متلفزة، آنذاك:"قررت تشكيل لجنة تحقيقية عليا مرتبطة بمكتب رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، تختص بالتحقيق في قضايا الفساد الكبرى، والجرائم الاستثنائية".
وأوضح أن "اللجنة سوف تمنح كلّ الصلاحيات المطلوبة لتحقيق هيبة القانون في المجتمع واستعادة حقوق الدولة والمواطن من الفاسدين والمعتدين".
وعلى مدار أشهر، شهدت العاصمة العراقية بغداد ومحافظات أخرى في وسط وجنوب البلاد موجة من الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية للمطالبة بمحاربة الفساد وتوفير الخدمات وفرص العمل، أوقعت المئات من القتلى من المتظاهرين وآلاف الجرحى بينهم عناصر من قوات الأمن.
وكانت حكومة عادل عبد المهدي أعلنت استقالتها، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على خلفية الاحتجاجات العنيفة التي بدأت في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي تطالب بإقالة الحكومة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، بعد تردي الأوضاع الاقتصادية وسوء مستوى الخدمات الأساسية في العراق.
قد يهمك ايضا:
مجلس الوزراء يستكمل اليوم جلسته الاستثنائية لمناقشة قانون الموازنة برئاسة الكاظمي
الكاظمي يؤكد أن الأزمة السياسية في العراق مرتبطة بالفساد والمال والسلطة
أرسل تعليقك