رفض رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك "الاختيار الانتقائي" للندن في علاقاتها المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، بعد انسحابها من التكتل، وفي مسودة للقواعد الإرشادية قدَّمَها، الأربعاء، في لوكمسبورغ، أشار توسك إلى أن التجارة المستقبلية في مجالات مثل الخدمات المالية يجب أن تجسد حقيقة أن بريطانيا "لن تعود تشارك في التنفيذ المشترك للإجراءات التنظيمية والإشرافية وإطار العمل القضائي" مع الاتحاد الأوروبي.
وقال إن الخطوط الحمراء البريطانية بشأن انسحابها من التكتل ستؤدي "لا محالة إلى خلافات"، وأشارت المذكرة، التي اطلعت عليها وكالة الأنباء الألمانية إلى أن قرار بريطانيا للانسحاب من السوق الموحدة التابعة للاتحاد الأوروبي والاتحاد الجمركي "سيحد من عمق" أي شراكة مستقبلية. وسيؤدي ذلك لسوء الحظ، إلى تداعيات اقتصادية سلبية".
وتمهد الوثيقة، التي ما زالت تحتاج إلى موافقة الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، الطريق لمفاوضات حول اتفاق تجارة حرة مستقبلي مع بريطانيا، وحذر توسك من أن مثل هذا الاتفاق "لا يمكن أن يقدم المنافع ذاتها مثل تلك التي يتم التمتع بها الأعضاء".
وسيقدم البرلمان الأوروبي أيضاً، الذي لا يشارك في المفاوضات حول "بريكست"، لكنه يتمتع بحق تعطيل أي اتفاق مع لندن، "خطوطه الحمراء" في هذا الشأن. وكانت دول بينها فرنسا حذرت لندن من قبل، خصوصاً بشأن دخول السوق الذي يأمل فيه قطاع المال البريطاني بعد "بريكست". وقال وزير الاقتصاد الفرنسي بورنو لومير، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية، إن "الخدمات المالية لا يمكن أن تُدرَج في اتفاق للتبادل الحر لأسباب كثيرة مرتبطة بالاستقرار وقضايا الإشراف". وقُدِّر عدد الوظائف التي ستنقل من بريطانيا إلى فرنسا بسبب "بريكست" بـ"الآلاف".
وما عرضه توسك، (الأربعاء)، لرؤيته للعلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي ولندن، بعد "بريكست"، جاء بعد أيام على خطوة أولى قامت بها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي دعا وزير الخزانة في حكومتها فيليب هاموند إلى اتفاق تجاري بين الطرفين يشمل الخدمات المالية.
وانتهز توسك فرصة زيارته إلى لوكمسبورغ، الأربعاء، ليعرض أمام وسائل الإعلام "مشروعه حول الخطوط التوجيهية حول إطار العلاقة المستقبلية" مع المملكة المتحدة، التي يشكل عمادها اتفاقاً للتبادل الحر ما زالت معالمه غير واضحة. وهذا الشق الأساسي من المفاوضات مع لندن لم يبدأ بعد، إذ إن المفاوضات تركزت حتى الآن على إعداد الاتفاقية التي تكرس "بريكست"، بما فيها الملفات الكبيرة مثل الكلفة المالية للانفصال ومصير العاملين الأوروبيين ومستقبل الحدود الآيرلندية. ويفترض أن توافق الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد (دون بريطانيا) على وثيقة توسك رئيس الهيئة التي تضم قادة دول الاتحاد الأوروبي.
ورحَّب كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه بـ"وضوح الخطاب" الذي ألقته رئيسة الوزراء تيريزا ماي في لندن. وأكدت ماي في خطابها تصميمها على خروج بريطانيا من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي. لكنها أشارت إلى إمكانية مواصلة المشاركة في بعض الوكالات الأوروبية مثل وكالتي الأدوية والأمن الجوي، ودعت ماي خصوصا إلى إنجاز "أوسع (اتفاق) ممكن" للتبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي "يغطي عددا أكبر من القطاعات، وينص على تعاون أكبر من أي اتفاق آخر للتبادل الحر في العالم".
وتوسك قال مراراً إنه "لا يمكن إجراء تبادل تجاري خارج الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة بلا خلافات، وهذه الخلافات هي النتيجة الحتمية لـ(بريكست)، بطبيعة الحال"، ومن جهته، قال بارنييه إن "الخطوط الحمراء" البريطانية لن تسمح بالتفاوض حول خطة تجارية مختلفة عن "النموذج الذي تفاوضنا حوله أو أبرمناه مع كندا وكوريا الجنوبية وفي وقت أقرب اليابان".
في لندن، دعا فيليب هاموند إلى إدراج الخدمات المالية في اتفاق للتبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي، وحسب فقرات تم نشرها من خطابه، أكد هاموند أنه "حان الوقت للرد على المشككين الذين يقولون إن اتفاقاً تجارياً يشمل الخدمات المالية لا يمكن أن يبرم، لأن هذا لم يحصل من قبل يوماً". وقال وزير الخزانة في خطابه: "أقول لهم إن كل اتفاق تجاري أبرمه الاتحاد الأوروبي فريد".
ويتبع هاموند بذلك بدقة الخط الذي حددته ماي التي تريد أن تدرج المبادلات في قطاع الخدمات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي "في اتفاق أوسع" من اتفاقات التبادل الحر التي تقتصر عادة على تبادل السلع.
أيّاً كان الأمر، فلا يمكن إبرام أي اتفاق للتبادل الحر قبل موعد "بريكست" المحدد في نهاية مارس (آذار) 2019، لذلك من الضروري أن تكون هناك مرحلة انتقالية. بانتظار ذلك، تأمل الدول الـ27 في التوصل بحلول الخريف إلى صياغة "إعلان سياسي" يحدد إطار هذه العلاقات المقبلة، يُرفَق باتفاق الانسحاب الذي ما زال التوصل إليه بعيداً. وقد رفضت تيريزا ماي في الواقع الصيغة الأولى من هذا الاتفاق الذي أعدَّه الاتحاد الأوروبي وكشفه، الأسبوع الماضي، بسبب إجراءات "غير مقبولة" برأيها حول الحدود بين آيرلندا الشمالية وآيرلندا. ولتجنب عودة حدود مادية بين الطرفين، أشار الاتحاد إلى إمكانية إقامة "مجال تنظيمي مشترك" يضم الاتحاد الأوروبي وآيرلندا الشمالية "بلا حدود داخلية". وقالت ماي إن "أي رئيس للحكومة البريطانية لن يقبل" بذلك، معبرة عن تخوفها من ظهور حدود بين آيرلندا الشمالية وبقية المملكة المتحدة.
أرسل تعليقك