تضمن خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام سفراء فرنسا في العالم في باريس، بمناسبة مؤتمرهم السنوي الإثنين، رسائل عدة عن سورية، منها للداخل الفرنسي؛ حيث رد على دعاة التعجيل في تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، ومنها للخارج ولروسيا وتركيا بخاصة، ومنها للأسرة الدولية التي حثها على عدم التخلي عن الحل السياسي الذي يرى فيه الطريق الوحيد لنهاية الحرب في سورية.
ودق ماكرون ناقوس الخطر مُحذرًا من الوضع "الكارثي" في سورية، ومن الأزمة الإنسانية التي تتحضر في إدلب؛ حيث الأطراف تتحضر لمعركة قادمة. ولوحظ أن حديث ماكرون عن سورية شابه كثير من النواقص؛ إذ لم يأت فيه على الدور الأميركي في الأزمة ورؤية واشنطن للحل. ولم يتطرق للدور الإيراني ولا للعلاقة بين الملفات الخلافية مع طهران وحضورها في الأزمة السورية. ولم يتناول الخطاب الرئاسي موضوعين رئيسيين، هما الأكثر إلحاحًا في الوقت الحاضر "وفق القراءة الروسية"، وهما عودة اللاجئين إلى منازلهم وملف إعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرب المتواصلة منذ سبع سنوات.
وتأخر خطاب ماكرون عن موعده أكثر من عشرين دقيقة، والسبب كما فهم من كلمته أنه كان في اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي يتشاور معه دوريًا في الملف النووي، لكن أيضًا بشأن الحرب السورية؛ حيث تعتبر باريس أن لطهران دورًا مؤثرًا في مآلها، أكان ذلك عبر حضور قواتها ومستشاريها مباشرة، أم عبر الميليشيات التي زجتها إلى جانب النظام.
ويعود ما جاء على لسان ماكرون ,بباريس إلى "أساسيات" سياستها إزاء سورية. والأمر الأبرز في ذلك، رغم كل ما قيل عن "براغماتية" مقاربته وعن "الانعطافة" التي فرضها على الخط السياسي لبلاده، أنه ما زال يعتبر أن بقاء الأسد في السلطة "سيكون خطأ مروعًا".
وذكر ماكرون بأنه اعتبر "منذ اليوم الأول" لرئاسته أن العدو الأول لبلاده هو "داعش"، وأنه تخلى عن المطالبة بتنحي الأسد عن السلطة شرطا مسبقا لانخراط باريس في العمل الدبلوماسي والإنساني في سورية.وتساءل لتبرير رفض بقاء الأسد في السلطة ,لكن، في الوقت عينه، ومنعًا لاتهامه بالتدخل في الشؤون الداخلية للشعب السوري، وهو الذي يدعو لعدم تكرار الأخطاء التي ارتكبتها "قوى أجنبية" في المنطقة بانتهاكها لسيادتها، عاد للتأكيد على أن "ليس لفرنسا أن تعين هوية قادة المستقبل، أكان في سورية أم في أي بلد آخر، لكن واجبها ومصلحتها أن تتمكن مكونات الشعب السوري من القيام ذلك". وما يريد ماكرون قوله صراحة هو التحذير من أن تستبعد من تحديد مستقبل سورية أطياف واسعة من السوريين، بخاصة أولئك الذين أجبروا على الرحيل عن بيوتهم ومناطقهم. وكان ماكرون بذلك يرد على مزاعم من ادعى أنه سعى لتطبيع غير مباشر للعلاقة مع النظام السوري، من خلال العملية الإنسانية المشتركة التي نفذتها باريس مع موسكو، لإيصال مساعدات إنسانية لسكان الغوطة مؤخرًا.
و استنجد ماكرون بالجهة الوحيدة القادرة في الوضع الحالي على تدارك مثل هذه الكارثة، وهي روسيا. إلا أنه أضاف إليها تركيا لما يرى أن أنقره قادرة على التأثير على التنظيمات المسلحة الموجودة في هذه المنطقة. وقال إن "الوضع الحالي ينذر بالخطر، والنظام يهدد بالتسبب في أزمة إنسانية في منطقة إدلب، كما أنه لا يبدي أي إشارة لرغبته في التفاوض من أجل انتقال سياسي". ولتفادي ذلك فإن ماكرون يرى "ضرورة تعزيز الضغوط على النظام وعلى حلفائه، ولهذا أتوقع الكثير من روسيا ومن تركيا بالنظر لدورهما والتزاماتهما".
و يندرج الحديث الذي جاء على لسان ماكرون، والذي يتضمن تهديدا واضحا للنظام بمعاودة توجيه ضربات عسكرية ضد مصالحه، كما جرى في شهر أبريل /نيسان من العام الماضي، في حال لجأ مجددًا إلى استخدام السلاح الكيماوي في إدلب.
ويعد ما قاله ماكرون ليس جديدًا؛ إذ يتوافق مع البيان المشترك الأميركي - البريطاني – الفرنسي، الذي صدر يوم الخميس الماضي عن سفراء الدول الثلاث لدى الأمم المتحدة، كما يتناغم مع التهديدات الأميركية المتكررة هذه الأيام للنظام السوري، الأمر الذي يثير تبادلًا للاتهامات مع موسكو.
يرى كثير من المعنيين بالشأن السوري أن الأوراق التي تمتلكها باريس "ضعيفة التأثير". ولم يتخل الرئيس ماكرون عن الرغبة في أن تلعب بلاده دورًا في هذا الملف عبر التشديد على الدعوة لحل سياسي، من شأنه أن "يضمن وحدة سوريا والقضاء على الإرهاب الإسلاموي". وهذا الحل "الشامل" أي الذي يتعنى أن يضم كافة الأطراف السورية، ويضمن للأقليات أن تكون لها كلمة ودور في مستقبل البلاد، يمر عبر "إصلاح دستوري وإطلاق مسار انتخابي يتيح لجميع السوريين بمن فيهم المهجرون واللاجؤون المشاركة فيه، شرط أن يتم ذلك كله تحت إشراف الأمم المتحدة.
وتريد باريس، في الوقت عينه، الدفع باتجاه "مقاربة مشتركة" بين "مجموعة آستانة" من جهة، وبين "المجموعة المصغرة" التي تضم فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والسعودية والأردن. وقد أضيفت إليها مؤخرًا ألمانيا ومصر. وكشف ماكرون أن هذه المجموعة الأخيرة ستعقد اجتماعًا في باريس الشهر المقبل، ولكن من غير تحديد موعد دقيق لها. وكان ماكرون يتحدث سابقا عن "آلية تنسيق" بين المجموعتين التي أكد أنه أرساها خلال اجتماعه مع الرئيس بوتين في مدينة بطرسبرغ في يوليو /تموز الماضي؛ من دون أن يبرز أي عمل ملموس لها باستثناء العملية الإنسانية المشتركة في الغوطة.
أرسل تعليقك