لم تبالغ الصحافة الفرنسية عندما أكدت أن رئيس الجمهورية سينقل معه إلى "حصن بريغانسون" جنوب فرنسا، المطلّ على البحر الأبيض المتوسط، قصر الإليزيه ودبلوماسية بلاده؛ فيوم الثلاثاء كان مصير المهاجرين الأفارقة على متن الباخرة الإنسانية "أكواريوس" شغل إيمانويل ماكرون الشاغل , كما أن الأخير، منذ اليوم الأول لوصوله إلى مقر إقامته الصيفي الرسمي، استقبل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وهو على تواصل دائم مع كبار هذا العالم، سواء أكان الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين أو المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وغيرهم من المسؤولين الأوروبيين وغير الأوروبيين، من دون أن يسقط من اعتباره الأزمات الإقليمية والشرق أوسطية على وجه الخصوص.
وكانت الحرب في سورية والوضع الأمني في الأردن عقب العمليات المتطرفة الأخيرة على جدول نشاطات ماكرون، من خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع العاهل الأردني عبد الله الثاني ,وفي بادرة تعكس بالتوازي تمسُّك وحرص باريس على أمن الأردن من جهة، وما يبدو أنه تعبير عن قلق إزاء تسرب أفراد من "داعش" إليها عبر الحدود المشتركة مع سورية، فقد أخبر ماكرون ملك الأردن، وفق ما جاء في بيان لقصر الإليزيه، أمس، عن عزم باريس "تقديم مساهمة فرنسية لحفظ الأمن على طول الحدود السورية الأردنية" , وأضاف البيان أن التعاون بين البلدين "يتعزز في ميداني الأمن والدفاع".
ويشكل الأردن الذي له حدود مشتركة واسعة مع سورية والعراق "حلقة أساسية" يتعين السهر على أمنها وذلك في القراءة الفرنسية للوضع الاستراتيجي والأمني في منطقة الشرق الأوسط، وليس سرًّا أن البلدين يتعاونان في أكثر من ميدان أمني مخابراتي كما أنهما تعاونا في الحرب على "داعش" والتطرف، إذ إن باريس أرسلت إلى أحد المطارات الأردنية العسكرية مجموعة من طائرات "الرافال" التي شاركت في الضربات الجوية ضد "داعش" في العراق.
وأشار البيان الفرنسي إلى ذلك، إذ جاء فيه أن ماكرون والملك عبد الله "تبادلا الرأي بشأن الحرب على التطرف وتحديدًا الحرب على (داعش) في إطار التحالف الدولي" الذي ينتمي إليه البلدان , وكانت سورية الملف الرئيسي الذي بحث بشكل خاص في إطار تناول جولة الأفق الإقليمية الوضع في جنوب سورية كما في إدلب، ضرورة الوصول إلى حل سياسي تحت رعاية الأمم المتحدة، وأخيرًا ملف عودة النازحين والمهجرين السوريين إلى ديارهم , وشدد المسؤولان، وفق باريس، على أهمية "مواكبة الأسرة الدولية لهذه العودة التي يجب أن تتم وفق شروط آمنة ومنصفة".
تعي باريس العبء الذي يشكله النازحون والمهجرون السوريون على الأردن كما على لبنان أو تركيا , بيد أن فرنسا لا تزال تتمسك بمجموعة من المبادئ أهمها التركيز على العودة الطوعية والآمنة، أي التي تتوافر لها الضمانات الدولية , وسيكون لباريس الفرصة في عرض موقفها خلال القمة الرباعية المرتقبة، بدعوة من روسيا وتركيا، "وحضور ألمانيا" في السابع من الشهر المقبل في إسطنبول , حيث سيتم التطرق إلى ملفين رئيسيين، بالإضافة إلى الوضع الميداني، وهما عودة اللاجئين وإعادة الإعمار.
و يتضح أكثر فأكثر أن موسكو تربط بين عودة اللاجئين وإعادة الإعمار وأنها تريد من باريس وبرلين المساهمة فيه، فإن للأوروبيين مقاربة مختلفة حيث يربطون قبول المساهمة في إعادة الإعمار بالتوصل "أو السير" إلى حل سياسي يكون مقبولاً إلى حد ما , فإن الغربيين ومعهم الأطراف الأخرى فيما يسمى "المجموعة المصغرة" المشكَّلة من "فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة والسعودية والأردن ومصر" ما زالوا متمسكين بـ"الحد الأدنى" من متطلبات الحل السياسي بعد أن تخلوا عن المطالبة برحيل الأسد والانتقال السياسي الفوري , وما يطالبون به هو التوصل إلى دستور جديد "عادل" وانتخابات عامة نزيهة على الأرجح مع نهاية ولاية الرئيس الأسد عام 2021 وإعادة تفعيل دور الأمم المتحدة ممثلة في المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. وستكون جميع هذه المسائل حاضرة في الخطاب الذي سيلقيه أمام السلك الدبلوماسي الفرنسي في مؤتمر السفراء السنوي الذي ينطلق في 27 من الشهر الحالي.
لم تتسرب معلومات من المصادر الفرنسية حتى عصر أمس عن طبيعة ونوعية المساهمة الفرنسية في حفظ حدود الأردن مع سورية , لكن أوساطاً مطَّلِعة رجحت أن تكون "فنية تقنية" وليست بشرية، وقد تشكل الصور الفضائية التي تلتقطها الأقمار الصناعية والمعدات والأجهزة الاستشعارية والرادارات وخلاف ذلك.
ولم يفت الرئيس الفرنسي دعوة العاهل الأردني للقيام بزيارة رسمية إلى فرنسا "في الأشهر المقبلة" التي سبق له أن زارها نهاية العام الماضي , كذلك فقد قدم له تعازيه إثر مقتل ستة عناصر من قوات الأمن الأردنية في اعتداء وصفته السلطات الأردنية بـ"الإرهابي" في منطقتي الفحيص والسلط.
أرسل تعليقك