دمشق - نور خوام
ترزح محافظة درعا للأسبوع الثاني على التوالي تحت وطأة هجومين منفصلين، أحدهما بقيادة "هيئة تحرير الشام" واستهدف حي المنشية، والثاني بقيادة "داعش" واستهدف قرى الريف الغربي من المحافظة. والقاسم المشترك بين هذين الهجومين، إضافة إلى التزامن في التوقيت، هو تطلّع كل منهما إلى السيطرة على أجزاء من الحدود الأردنية، الأمر الذي يضفي عليهما بعدًا إقليميًا واضحًا.
ويمكن أن يترتب على هذين الهجومين في حال استمرّا لفترة أطول، خلط الأوراق الذي قد لا تقتصر آثاره على المنطقة الحدودية مع الأردن وحسب، بل يمكن أن تنتج عنه تداعيات كبيرة تمس مصير محافظة درعا برمته، وخاصة أن الأخيرة كانت وما زالت مطرحًا للعديد من الأجندات.
وإذا كان الهجوم الذي شنته مجموعة من المليشيات بقيادة "هيئة تحرير الشام" على حي المنشية الذي يسيطر عليه الجيش السوري، قد أخفق في تحقيق أهدافه نتيجة قدرة الجيش على استيعاب الهجوم والتصدي له، فإن الهجوم الذي يشنّه "جيش خالد" المُبايع لتنظيم "داعش" على قرى الريف الغربي الواقعة تحت سيطرة مليشيات مختلفة، ما زال مستمرًا وهو يحقق تقدمًا متواصلًا وسط عجز المليشيات عن صد الهجوم وتطويقه.
واستطاع "جيش خالد" خلال أيام قليلة أن يضاعف مساحة المنطقة التي كان يسيطر عليها في الريف الغربي حيث كان محاصرًا في زاوية ضيقة بالقرب من مثلث الحدود مع الأردن والجولان السوري المحتل من إسرائيل، لكنه تمكن في الهجوم الأخير من توسيع منطقة سيطرته بعد أن ضم إليها عدداً من البلدات والقرى من أهمها تسيل وسحم الجولان وغيرها.
وتمكّن "جيش خالد"، السبت من بسط سيطرته مجددًا على قريتي جلين والمزيرعة ما ضيق الخناق على بلدة حيط القريبة من الحدود الأردنية. لكن خطورة الهجوم بدأت تأخذ منحى تصاعديًا مع بدء استهداف قرية الشيخ سعد التي شهدت تنفيذ عملية انتحارية هي الأولى من نوعها منذ خروج "حركة المثنى" أحد ركائز "جيش خالد" منها العام الماضي.
وتكمن الخطورة في أنه في حال نجاح "جيش خالد" بالسيطرة على الشيخ سعد فإن ذلك سيفتح الطريق أمامه نحو مدينة نوى الاستراتيجية مع ما يعنيه ذلك من تغيير كبير في موازين القوى في المحافظة. وعلى الرغم من عدم وجود تنسيق مباشر بين "هيئة تحرير الشام" و"جيش خالد"، إلا أن تنفيذهما هجومين متزامنين في الوقت نفسه، يشير إلى أنهما يمتلكان قراءة مشتركة للتطورات التي تحيط بمحافظة درعا هي التي دفعتهما إلى تسخين الجبهات بعد هدوء نسبي دام لعدة أشهر.
وتتقاطع هذه القراءة المشتركة مع بعض التسريبات التي تحدثت عن مشروعات متعددة يمكن أن تشهدها المنطقة الحدودية مع الأردن، سواء لجهة ما قيل عن نية الأردن استنساخ عملية «درع الفرات» ونقلها إلى الجنوب، أم لجهة فكرة المناطق الآمنة التي كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحديث عنها في أوقات سابقة.
وبحكم تجربتهما السابقة أصبح لدى "هيئة تحرير الشام" التي تهيمن عليها "جبهة النصرة" و"جيش خالد" المبايع لتنظيم "داعش"، إدراك واضح أن أي عملية تجري في المنطقة الحدودية سواء باسم «درع الفرات» أم «المنطقة الآمنة» ستكون على حسابهما، وربّما هذا ما يفسر مسارعتهما إلى قطع الطريق أمام هذه العمليات المحتملة في محاولة لتجنب المصير الذي تعرضا له في الشمال السوري عندما تخلّت عنهما تركيا وانقلبت عليهما من أجل تحقيق مصالحها الخاصة.
ولكن إذا كان هجوما "النصرة" و"داعش" قد حرّكا المياه الراكدة في محافظة درعا فهذا لا يعني أنهما سيكونان قادرين على التحكم بمسار هذه المياه في حال تحولت إلى تيار جارف. لذلك لا يستبعد بعض المراقبين أن تكون أحداث درعا هي مجرد تمهيد موجه عن بعد من أجل تهيئة الأرضية لسيناريوهات معينة بحسب التطورات الإقليمية والدولية..
أرسل تعليقك