نبَّه رئيس الوزراء اللبناني السابق تمام سلام، إلى مخاطر المساس بالتوازنات التي أرساها "اتفاق الطائف"، قائلًا إن مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لا تساعد على الإسراع في تشكيل الحكومة، وإن فريقه السياسي يسعى باستمرار إلى فرض سوابق تمس القواعد الدستورية التي تَوافق عليها اللبنانيون.
واعتبر سلام في حديث لـ"الشرق الأوسط"، أن قانون الانتخابات الحالي أدى إلى إضعاف فريق لبناني أساسي هو الفريق السُّني، محذرًا من نيات مضمرة عند بعض الأطراف للدفع في اتجاه مؤتمر تأسيسي لفرض صيغة المثالثة في الحكم (بين السنة والشيعة والمسيحيين) بدل المناصفة الإسلامية المسيحية المعتمَدة حاليًا.
وعارض الرئيس سلام بشدة انعقاد مجلس النواب الأحد والإثنين في ظل عدم وجود حكومة، ورأى أن مسألة تشريع الضرورة لا تنطبق على الواقع الحالي، خلافًا للاجتماع الذي حصل خلال ولاية حكومة تصريف الأعمال التي كان يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي من أجل تمديد ولاية البرلمان , واعتبر أن تلك الحالة كانت ضرورية لمنع حصول فراغ في السلطة التشريعية، وبالتالي تدخل البلاد في الفراغ وفي دوامة لا تنتهي.
وأضاف سلام "في الحالة الراهنة، وعلى أهمية مشاريع القوانين المتعلقة بمؤتمر "سيدر"، إلا أن إقرار هذه القوانين وحده ليس كافيًا، فالقوانين المرتبطة بمشاريع "سيدر" تحتاج بعد إقرارها إلى توقيع من رئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء المختصين، كما يحتاج بعضها إلى مراسيم تطبيقية , وأردف أن "مشاريع "سيدر" ليست مجرد قوانين تُقرّ، فهذه المساعدات المقررة للبنان مشروطة بالكامل بآليات عمل واضحة، ومشروطة بوجود قوانين وآليات ترعى الشفافية الكاملة ليطمئن المجتمع الدولي إلى مصير هذه المساعدات والقروض وقدرتها على إحداث الفارق في الاقتصاد اللبناني. وبالتالي، كل ذلك يستلزم حكومة وسلطة تنفيذية".
وتابع رئيس الوزراء السابق كلامه قائلًا "إن ما يجري هو سابقة دستورية، بخاصة أن ثمة ميلًا واضحًا لدى بعض الأطراف لإحداث سوابق تعدل عمل الحياة الدستورية التي أقرّت في اتفاق الطائف " , وتوقع وضع مشاريع قوانين أخرى غير متعلقة بـ"سيدر" على جدول أعمال الجلسة التشريعية.
ورأى سلام أن أخطر ما يمر به لبنان حاليًا هو السعي المستتر من أجل تغيير قواعد اللعبة التي أرساها تفاهم اللبنانيين في الطائف , واعتبر أن ما يقوم به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في ما خَص عملية تأليف الحكومة يوفر ظروفًا غير مساعدة في عملية التأليف، التي هي دستوريًا من مسؤولية الرئيس المكلف سعد الحريري، فيما يلحظ الدستور للرئيس دوراً في الموافقة على التشكيل من خلال توقيعه مرسوم التأليف إلى جانب رئيس الحكومة. وقال " إن كلام الرئيس عن وضعه شروطًا ومعايير لشكل الحكومة مناقض للدستور، الذي نص صراحةً على إلزامية نتائج الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس الذي سيكلَّف تأليف الحكومة , في حين لم ينص على إلزامية نتائج الاستشارات التي يجريها الرئيس المكلف لاختيار شكل الحكومة. وبالتالي، فإن وضع الشروط على رئيس الحكومة من شأنه إضافة عراقيل أمام مهمة الرئيس الحريري".
أوضح سلام أن رؤساء الحكومات السابقين (الرئيسان نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وهو شخصيًا) اجتمعوا بعد صدور بيان رئاسة الجمهورية الذي تحدث عن الأسس والمعايير لشكل الحكومة، وأصدروا بيانًا اعترضوا فيه على بيان الرئيس لأن شكل الحكومة هو من صلاحيات الرئيس المكلف تشكيلها، نافيًا أن يكون الأمر تم بناءً على طلب من الحريري أو أي أحد آخر, وتابع "العبارات التي استُعملت في البيان استفزّتنا، بخاصة في ما يتعلق بالكلام عن شكل الحكومة، وكان لا بد من توضيح الموقف".
وأشارأن الرئيس عون كان يرفض بوضوح عندما كان في المعارضة إعطاء حصة لرئيس الجمهورية، لكنه بات الآن، بعد وصوله إلى الرئاسة، يعتبر هذه الممارسة التي أُقرت في "اتفاق الدوحة" عام 2008 في ظروف أمنية وسياسية استثنائية، عرفًا مكرسًا.
ولفت أن مسار الرئيس عون في هذا المجال لا يبشر بالخير، بخاصة مع كلامه بأن غيابه عن مجلس الوزراء يكفي حتى يصبح انعقاده متعذرًا ، مذكّرًا بأن الدستور ينص على أن الدعوة لمجلس الوزراء تكون من قِبل رئيس الوزراء، واستثناءً من قِبل رئيس الجمهورية , والرئيس يترأس الجلسة إذا حضر ولا يمكنه أن يصوّت , ودعا الرئيس عون للعب دور الحكم وأن يكون رئيسًا لكل اللبنانيين وليس طرفًا مع أيٍّ منهم ضد الآخرين.
ويرى الرئيس سلام أن أخطر ما في التصرفات التي يقوم بها فريق الرئيس عون هو السعي المستمر إلى فرض سوابق دستورية تمسّ أساس اتفاق الطائف، مشيرًا إلى تصريحات أدلى بها مقربون منه تفيد بأنهم لا يحتاجون إلى تعديل (الطائف) بالنص، بل يمارسون هذه التعديلات في الواقع. وأيّد سلام اقتراح البطريرك الماروني بشارة الراعي بتأليف حكومة حيادية، قائلًا "أعرف أن الرئيس الحريري يريد تأليف حكومة وحدة وطنية، لكن حكومة حيادية قد تكون مدخلاً لإنقاذ لبنان من المأزق القائم" , ورأى "أن استمرار التعطيل في عملية تأليف الحكومة من شأنه إضعاف الوضع اللبناني، وقد يجرّنا إلى كوارث، قد يكون الهدف منها إقامة مؤتمر تأسيس لفرض فكرة المثالثة في الحكم بدلًا من المناصفة القائمة حالياً (بين المسلمين والمسيحيين)، وهذا أمر أشعر أنه لم يسقط من حسابات البعض في لبنان".
واعتبر سلام "أن جزءًا كبيرًا من تأخر تأليف الحكومة يتم لأسباب محلية لها علاقة بالمحاصصة وتقاسم المغانم في السلطة، لكن الجزء الأساس هو إقليمي خارجي، سببه أن إيران تنتظر المتغيرات الإقليمية لاتخاذ القرار بتسهيل تأليف الحكومة، وعندما تشعر أنها بحاجة إلى استعمال الورقة اللبنانية ستوعز إلى (حزب الله) بتسهيل العملية وتأليف الحكومة" , واستطرد قائلًا "إيران باتت تلعب الورقة اللبنانية من بين الأوراق الأخرى التي تمتلكها، وهي تنتظر على ما يبدو تبلور الوضع في سورية في ضوء الاتفاق الروسي التركي والدور الأميركي – الروسي".
وبشأن قانون الانتخابات، رأى سلام أن قانون الانتخاب الحالي أضعف فريقًا لبنانيًا أساسيًا هو الفريق السُّني، الذي كان من أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات، فالفريق الشيعي شدد قبضته على كامل المقاعد الشيعية تقريبًا، وتقاسم الفريقان المسيحيان الأقوى (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) المقاعد المسيحية بعدما أنهيا المستقلين المسيحيين، فيما تم إيجاد حالة نيابية سُنية معارضة، موالية لقوى 8 آذار.
أرسل تعليقك