طهران - مهدي الدوسري
يعتمد حلّ الأزمة اليمنية إلى حد كبير على وقف إيران دعمها لحلفائها من الحوثيين والمخلوع صالح، سواء كان هذا الدعم ماليًا أو عسكريًا أو سياسيًا، فمن المعروف أنّ إيران دأبت، منذ نشأتها على تصدير الموت لكل الدول المحيطة، وبالتدخل في شؤون الدول عن طريق دعم الميليشيات لزعزعة الأمن في المنطقة، غير أنّ التطوّرات الأخيرة على الساحة السياسية في المنطقة ربما زادت الضغوط على طهران وجعلتها أمام طريقين، إما التخلّي عن أحلامها التوسعية في الوقت الحالي على أمل عدم الصدام الأكبر مع دول المنطقة والإدارة الأميركية الحالية برئاسة دونالد ترامب، أو أن تقوم بالاستمرار في طريقها الذي تسير عليه منذ قيام الثورة الخمينية والذي يرتكز على التصريح بأقوال تختلف تماماً عن نهج سياستها وأغراضها الحقيقية، حيث قامت إيران، تحديدًا في اليمن، بدعم الحوثيين استراتيجيًا ولوجستيًا وعسكريًا، كما استخدمت عناصرها من قوّات الحرس الثوري لتقديم المشورة في كيفية الاستفادة من معاناة الشعب اليمني بكل أشكالها في دليل واضح على مدى استهتار إيران بكل الأعراف والقيم الإنسانية، كما أنّ طهران قامت بدعم عسكري قوي لليمن شمل مختلف أنواع الأسلحة والخبراء والمدرّبين، ومن ثم أُلقي القبض على سفن إيرانية من قبل البحرية الأميركية، كذلك الأمر بالنسبة إلى البحرية الأسترالية والفرنسية وفيها أسلحة كانت في طريقها إلى الحوثيين.
وتهدف إيران من كل تلك المساعي لتنفيذ سياساتها التوسعية على حساب دول وشعوب المنطقة مهما كان الثمن، وبالطبع فإن استخدام نفوذها لدى حلفائها الحوثيين والعمل على دعم شوكتهم كان الهدف منه، وفي المقام الأول، هو ضمان العمل على نشر الفوضى والعنف في المنطقة، إضافة إلى العمل على السيطرة على مدخل البحر الأحمر من الجنوب، وبالتالي التحكّم في أهم الممرّات المائية في العالم، كما أن السيطرة على اليمن سيدعم وجودها قبالة القارة الأفريقية ونشر نفوذها هناك، ولتحقيق كلّ هذه الأهداف سارع مستشارون إيرانيون وآخرون ممّا يسمى حزب الله اللبناني، إلى تقديم النصائح إلى ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية في مختلف المجالات، ولعل ما حدث خلال مأساة تفشّي وباء الكوليرا يكشف حقيقة نوايا إيران، التي سعت من خلال الحوثيين، إلى استغلال الكارثة، حيث عملوا على توفير البيئة الملائمة لانتشارها، للضغط على المجتمع الدولي وممارسة الابتزاز باسم الإنسانية لتخفيف الضغوط بعد هزائمهم السياسية والعسكرية، حيث ركّزت تلك النصائح على شرح كيفية استغلال مليشيا الانقلاب لهذه الظروف، والتأكيد على أنّ المجتمع الدولي لن يتحرّك لوقف العملية العسكرية المرتقبة من قبل الجيش الوطني اليمني والتحالف العربيّ لاستعادة مدينة وميناء الحديدة غرب اليمن، إلا بكارثة إنسانية كبيرة وانتشار وباء الكوليرا فرصة مهمة يجب استغلالها، حيث سارعت ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح لتنفيذ تلك التعليمات، ومنعت الكوادر الطبية تحت التهديد من تقديم الإسعافات اللازمة لمواجهة الوباء، كما منعت مستشفيات صنعاء من استقبال المرضى. كما منعت ميليشيات الحوثي دخول الأدوية للمختطفين المصابين بوباء الكوليرا في السجون بعد تفشي الوباء وارتفاع حالات الإصابة بين السجناء، خاصة سجن هبرة شرق صنعاء، وعوضاً عن ذلك قامت الميليشيات الحوثية وأعوان صالح ببيع الأدوية الخاصة والمحاليل الطبية التّي توجد في مخازن بعض التجار التابعين لهم أو تتبع المشرفين الحوثيين على بعض المستشفيات بمبالغ باهظة.
وأوضحت مصادر صحفية أنّ مليشيا الحوثي أدخلت شحنة من المخدّرات بكميات كبيرة على أنها مساعدات ولوازم طبية إيرانية لليمن، مشيرةً إلى أن شحنة المخدّرات دخلت صنعاء وسلمت إلى مخازن بعض التجار الذين قاموا مؤخرًا بإنشاء شركات لهذا الغرض، ولفتت المصادر إلى أنّ مليشيا الحوثي أدخلت ست حاويات محملة بـ24صنفًا من الأدوية، من ضمنها أدوية مخدّرة ومؤثرات عقلية تصل قيمتها إلى مليونين و400 ألف دولار، مؤكّدةً أنّ المواد المخدّرة والأدوية الخاصة تقدّر قيمتها في السوق بنحو ستة ملايين دولار، ويتمّ بيعها من قبل المشرفين الحوثيين على الصيدليات بشكل مباشر، وتهريب مثل هذه المخدّرات من قبل الحوثي يهدف إلى الإضرار بالمجتمع اليمني من خلال تعاطيها وإدمانها، وهو ما تسعى إليه إيران بالتضحية بالمدنيين ومساعدة الانقلابين في تدمير ونهب مقدّرات البلاد والقضاء على تلاحم اليمن وتصدير الثورة إليها، إضافة إلى مساعدة الحوثي وصالح في تأسيس التجارة غير المشروعة والتهريب.
وظهرت في ظلّ التطورات الأخيرة التّي تشهدها المنطقة والمجتمع الدولي كله، تصريحات وإيماءات من جانب طهران تشير إلى عزمها تقليص دعمها لميليشيات الحوثي وصالح، على أمل تخفيف الضغوط عليها من قبل الخليج وأميركا التّي صدرت منها تصريحات نارية ضد إيران واتهامات واضحة ومباشرة بأنّ طهران ترعى التطرّف في الشرق الأوسط، إضافة إلى ذلك فقد كشف القيادي المنشق أخيرًا عن الجماعة الحوثية محمد العماد، بأنّ طهران اعتذرت عن توفير وديعة بمبلغ ملياري دولار كانوا قد تعهدوا بها لإغراء الحوثيين باجتياح صنعاء. فهل فعلًا طهران مستعدة أن تبيع وتتخلّى عن أدواتها في المنطقة، وفي مقدّمتها مليشيا الحوثي في اليمن، مقابل تخفيف الضغط عليها من قبل أميركا ودول الخليج، أم أنها مجرد محاولات للالتفاف على أي محاولات الضغط عليها، غير أنّه أيًا كان الموقف في طهران فإن الحوثيين يعيشون بالفعل حالة من الرعب، خاصةً أنّه تمّ إعلانهم للمرة الأولى كجماعة متطرّفة من قبل واشنطن، والحكومة اليمنية تقدّمت بطلب إلى الأمم المتحدة بإدراج الحوثيين كجماعة متطرّفة، وهذا إذا تمّ لن تدخل الجماعة في أي حوار، ممّا يضيق الخناق عليها ويجعلها تقدّم تنازلات كبيرة.
أرسل تعليقك