باريس - مارينا منصف
شهد قصر الإليزيه الرئاسي حفلة تسلم وتسليم بين الرئيس السابق فرانسوا هولاند وخلفه إيمانويل ماكرون، بدت استثنائية لجهة أجواء المودة والتأثر نتيجة العلاقة شبه الأبوية التي ربطت بينهما وذلك في 14مارس/آذار من العام الماضي.
واتخذ هولاند في ذلك اليوم تحديدًا، قرار إعداد كتاب صدر الأربعاء بعنوان "دروس السلطة" (les leçons du pouvoir) الذي ضمّنه استعادة مفصلة لولايته الرئاسية التي استمرت خمس سنوات.
لا بد أن هولاند أدرك يوم مغادرته القصر الرئاسي أنه الأجدر بالحديث عن ولايته وما حكمها من شوائب وإيجابيات في ظل تهاوي حزبه الاشتراكي في الانتخابات، الذي بات اليوم بمثابة جثة متحركة، والرغبة الواضحة في القطيعة معه التي لمسها لدى ماكرون الذي يدين له بالترقي والصعود السياسي.
ويقول هولاند في كتابه الذي نشر الإعلام الفرنسي مقتطفات منه، إنه أراد التوجه مجددًا إلى الفرنسيين الذين لم يحبوه ولم يحبذوا أسلوبه في الحكم، "لا للتبرير ولا للدفاع" عن حصيلة ولايته، وإنما من منطلق القيام بـ "عمل مدني".
وضمّن هولاند كتابه عرضًا مفصلًا لنشاطه الديبلوماسي بأسلوبه الطريف المعروف عنه، إذ روى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وصفه بأنه "كتلة من العضلات والغموض" وصل يومًا إلى قصر الإليزيه حاملًا زجاجة مشروب مثلجة. وقال إن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما صاحب شخصية باردة، بخلاف الصورة الشائعة عنه، كما أبدى استغرابه لامتناعه عن تناول إحدى الأجبان الفرنسية التي قدمت إليه خلال إحدى المأدبات.
وتزامن صدور الكتاب مع المصاعب الجدية التي يواجهها ماكرون نتيجة إضراب العاملين في السكك الحديد، وما يواكبه من احتجاجات ضد إصلاحاته التي قرر التحدث عنها في الإعلام بعد التزامه الصمت في شأنها حتى الآن.
ويُعد ماكرون الحاضر الأكبر في الكتاب، إذ يتناول هولاند تطور علاقتهما منذ أن تعرف إليه عام ٢٠٠٨، وقرر أخذه تحت جناحه بتعيينه مستشارًا له في القصر الرئاسي، ثم وزيرًا للاقتصاد.
لا يستخدم هولاند عبارة "الخيانة" في حديثه عن ماكرون، لكنه يأخذ عليه اعتماده الغموض عندما كان يسأله عن نياته السياسية. وحتى عند تأسيسه حركته السياسية "إلى أمام"، لم يبح ماكرون لهولاند الذي أراد استيضاحه عن طموحه الرئاسي. مع ذلك، قرر الأخير الإبقاء على ثقته به.
وتوقف هولاند عند أخطاء التقدير والتوقيت التي ارتكبها خلال حكمه، وأقر بأن ما قام به افتقر في أحيان عدة إلى الشرح والتوضيح، لكنه لم يوفر خلفه لجهة أسلوبه وجوهر ما يقوم به. في المقابل، يقول إن ماكرون يمارس الحكم بأسلوب ملكي، وإنه لم يكن يومًا من أصحاب الميول الديموقراطية الاجتماعية، وإن جوهر توجهاته يترتب عليه تفاقم في عدم المساواة الاجتماعية.
لا يخفي هولاند إعجابه بالرئيس الشاب وبـ "جرأته" و "قدرته على إغواء محاوره بإسماعه الكلمات التي يرغب في سماعها". وهو أيضًا غير نادم على قراره عدم الترشح للرئاسة مطلع كانون الأول /ديسمبر عام ٢٠١٦ لأنه لو فعل، لمهد الطريق الرئاسي أمام أحد مرشحي اليمين فرانسوا فيون، أو اليمين المتطرف مارين لوبن.
ينطوي الكتاب على بعض الندم على أخطاء ارتكبها خلال ولايته الرئاسية، وعلى أسف عميق، وربما حسرة لكون أوباما خذله عندما تراجع في اللحظة الأخيرة عن قرار توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري بسبب استخدامه للسلاح الكيماوي.
أرسل تعليقك