تثير القواعد الأميركية في العراق جدلًا واسعًا بين مختلف الكتل السياسية والأحزاب والجماعات الدينية التي تعتبرها خطرًا على وجودها وتهدد مستقبلها سواءً السياسي أو العسكري، خصوصًا بعد تزايد أعداد القواعد العسكرية الأميركية في العراق، خلال السنوات الثلاث الماضية عقب اجتياح تنظيم "داعش"، مدنًا واسعة من البلاد منذ منتصف عام 2014. وحينها وقعت اتفاقية عسكرية مع حكومة كردستان العراق على بناء خمس قواعد لها في مناطق تحت سيطرة الإقليم، وهي قاعدة قرب سنجار، وأخرى في منطقتي أتروش والحرير، إضافة إلى قاعدتي حلبجة في المحافظة وأخرى في محافظة السليمانية وآلتون كوبري في كركوك، بحسب تسريبات لسياسيين عراقيين.
وبعد دخول "داعش" عادت الولايات المتحدة الأميركية بهدوء إلى العراق عبر تلك القوات، فيما ستكون المنطقة الغربية المتمثلة بمحافظات الأنبار وصلاح الدين ساحة لوجود القواعد الأميركية، حيث اتخذت قاعدتي "عين الأسد" في قضاء البغدادي و"الحبانية" في الأنبار قاعدتين عسكريتين لها، عقب سيطرة تنظيم "داعش" على أغلب مدن المحافظة في 2014.
وفي محافظة صلاح الدين، تتخذ واشنطن قاعدة بلد الجوية مقرًا لها لانطلاق طائرات "أف 16" وتوجيه ضرباتها لتنظيم داعش، فضلًا عن وجود قوة أميركية في معسكر التاجي شمال بغداد لأغراض الدعم اللوجستي والتدريب وتقديم الاستشارة العسكرية.
وتوقع عضو مجلس النواب السابق والباحث في العلاقات الدولية عمر عبد الستار، بناء قاعدة أميركية جديدة في منطقة المنصورية في محافظة ديالى، وهو غير معلن لغاية الآن وستكون معدة لحماية "عراق ما بعد داعش" بحسب قوله".
وأضاف في تصريح لـ"العرب اليوم" أن التواجد المكثف للقواعد الأميركية في العراق، يأتي لمنع التمدد الإيراني في المنطقة، وهي سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والذي سيستخدم العراق منطلقًا لتلك السياسة بسبب قربه من إيران والاستفادة من وجود تنظيم داعش لتكثيف الوجود الأميركي في العراق، فضلًا عن قربه من المحيط الإقليمي المتخوف من إيران وسعيها الدائم للتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية".
وأكد عبد الستار أن أميركا اضطرت للخروج من العراق أواخر 2011 بضغط من إيران وعوامل أخرى متعددة، لأن الأخيرة قاومت أمريكا في العراق بمختلف الوسائل، متوقعًا أنه "بعد إكمال تحرير محافظة نينوى ستتكرر تجربة إقليم كردستان في عموم العراق، لأن أميركا تعتبر العراق نموذجها في الشرق الأوسط، وبالتالي لن تسمح لإيران ولا غيرها بالسيطرة عليه، وستحول البلد من نظام مركزي إلى فدرالي".
كما اعتبر عبد الستار أن وجود القواعد الأميركية في المحافظات الغربية يهدف إلى الاستعداد لواقع جديد وتشكيل بنية سياسية وأمنية لتلك المحافظات التي هي بحاجة إلى مواجهة التمدد الإيراني باستخدام المليشيات".
ويرى النائب عن لجنة الأمن والدفع النيابية شاخوان عبدالله، أن بقاء القوات الأميركية من عدمه في العراق، يعتمد على التهديدات الخطيرة التي يتعرض لها العراق،ومدى توافق العراقيين على مبدأ يرضي الجميع لاستلام الملف الأمني، ولازالت أجواء العراق بيد الولايات المتحدة وغيرها من الأمور التي للولايات المتحدة دور كبير فيها، كون هناك اتفاق استراتيجي بين العراق والولايات المتحدة وُقّع قبيل مغادرة القوات الأميركية للعراق".
وأضاف في تصريح لـه أننا " نأمل أنه وبعد القضاء على داعش أن تتمكن الأجهزة الأمنية من مسك الملف الأمني الداخلي لكي نستغني عن أي تواجد لقوات أجنبية على الأراضي العراقية".
وفي ذات السياق كشفت وزارة الدفاع الأميركية أن الولايات المتحدة زادت عديد قواتها في العراق إلى 3870 جنديًا لتعزيز مهام التدريب وتقديم المشورة والإرشاد للقوات العراقية في الحرب ضد تنظيم داعش. وأعلن "البنتاغون" الشهر الماضي " أن عدد القوات الأميركية في العراق وصل إلى 3870 جندي زضابط، مضيفًا أنه من المرجح أن تواصل واشنطن إرسال مزيد من الجنود إلى العراق".
وكان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس دعا خلال الأسبوع الماضي إلى إبقاء القوات الأميركية في البلاد حتى بعد هزيمة "داعش" من أجل عدم ظهور "جماعات إرهابية" مجددًا.ورغم تأكد رئيس الوزراء حيدر العبادي أن العراق يحتاج إلى قوات قليلة بعد الانتهاء من مرحلة "داعش" وتحرير الموصل, إلا أن الصيحات الرافضة لبقاء القوات الأميركية تتعالى بين الحين والآخر حيث يرى المتحدث الرسمي باسم مليشيا "عصائب أهل الحق" نعيم العبودي, أن بقاء القوات الأميركية يحتاج إلى موافقة البرلمان تبعًا للقوانين الدولية, ولابد أن يصوّت مجلس النواب على ذلك، لافتاً إلى أن المطلب الشعبي والبرلماني يصب كله باتجاه ممانعة بقاء تلك القوات بقواعد ثابتة في العراق بعد تحرير الموصل , لأنه تجاوز على القانون والدستور العراقي.
وتهدد أغلب الفصائل باستهداف القوات الأميركية رغم موافقة الحكومة العراقية، حيث هدد زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي بقتل الجنود الأميركيين خلال تواجدهم في عمليات تحرير محافظة نينوى. وتعليقا على هذا التهديد، قال الضابط السابق في الاستخبارات الأمريكية مايكل بريغنت لـ"قناة فوكس نيوز الأميركية"، إن "الأوامر والتهديدات التي تطلقها المليشيات من شأنها أن تؤجج القتال مع القوات الأمريكية مجددا".
من جانبه رفض النائب عن التحالف الوطني محمد الصيهود حيث اعتبر بقاء القوات الأميركية أو المستشارين في العراق بعد هزيمة ودحر "داعش" لا يوجد له أي مبرر أو مسوغ قانوني أو شرعي وتصريحات العبادي بشأن هذا الموضوع مرفوضة وغير مقبولة".
كما طالب نواب في البرلمان العراقي رئيس الوزراء حيدر العبادي بالحضور إلى مجلس النواب لتوضيح حقيقة التواجد العسكري الأميركي في البلاد، بعد ورود معلومات عن وصول قوات إضافية إلى عدة قواعد في البلاد.
أرسل تعليقك