أُصيب 8 من أفراد الشرطة التركية ومدني واحد، اليوم (الجمعة)، في تفجير سيارة مفخخة استهدف مركبة تقل عناصر من قوات الأمن في ولاية ديار بكر، كبرى الولايات ذات الغالبية الكردية، في جنوب شرقي تركيا.
وقال مكتب والي ديار بكر، في بيان، إن الحادث وقع عندما انفجرت قنبلة زُرعت في سيارة قرب سوق للماشية على مسافة نحو 10 كيلومترات جنوب مركز مدينة ديار بكر. وأشار إلى أن الانفجار وقع أثناء مرور حافلة صغيرة تقل 8 من عناصر الشرطة، إضافة إلى سائقها المدني، وأوضح أنه لم يسفر عن إصابات خطيرة، وأضاف أن المصابين التسعة نُقلوا إلى المستشفى لإجراء فحوص.
من جهتها، ذكرت وكالة «الأناضول» الرسمية أن الهجوم تم بواسطة سيارة مفخخة جرى تفجيرها لدى مرور حافلة صغيرة تنقل أفراداً من شرطة مكافحة الشغب على طريق ديار بكر - ماردين أثناء توجههم إلى العمل في الساعة 05:10 صباحاً (02:10 ت.غ).
وأفاد وزير الداخلية، سليمان صويلو عبر «تويتر»، بأن شخصين اعتقلا، ويعتقد أنهما منفذا الانفجار، مشيراً إلى أن جروح المصابين في الانفجار طفيفة، بينما قالت مصادر أمنية في ديار بكر إنه تم القبض على 5 مشتبهين.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الانفجار حتى الآن، كما لم تنسب السلطات التفجير إلى جهة معينة.
* الصراع الكردي
ولطالما كانت ديار بكر، ومنطقة جنوب شرقي تركيا عموماً، مسرحاً للصراع المسلح بين مسلحي حزب العمال الكردستاني وقوات الجيش والشرطة التركيين، منذ انطلاقه عام 1984، حيث قتل أكثر من 40 ألفاً من الجانبين.
ومنذ انهيار هدنة أعلنها «العمال» الكردستاني، استمرت قرابة 3 سنوات في 20 يوليو (تموز) 2015 عقب إعلان أنقرة تجميد مفاوضات السلام الداخلي معه لحل المشكلة الكردية في تركيا، التي أطلقتها الحكومة في 2012، صعد الجيش التركي وقوات الأمن من عملياتهما في شرق وجنوب شرقي تركيا.
وأدت العمليات العسكرية والأمنية إلى تدمير قرى وأحياء كاملة في المنطقة ذات الغالبية الكردية، ونزوح مئات الآلاف من قراهم؛ بسبب فرض حظر التجول أثناء هذه العمليات التي استهدفت تدمير حواجز وخنادق أقامها مسلحو الحزب في كل من ديار بكر وشيرناق وماردين، بحسب تقارير لمنظمات حقوقية تركية.
وحمل حزب العمال الكردستاني السلاح عام 1984؛ سعياً لإقامة منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في جنوب شرقي تركيا، وقتل نحو 40 ألف شخص خلال الصراع بين الحزب والسلطات التركية.
وأعلن الجيش التركي في 18 فبراير (شباط) 2016 مقتل 7 عسكريين في تفجير بعبوة ناسفة استهدف رتلاً عسكرياً قرب مدينة ليجا في ديار بكر، كما أعلنت رئاسة الأركان التركية، في اليوم التالي، مقتل جنديين تركيين وضابط شرطة في هجوم نفذه مسلحون من حزب العمال الكردستاني في ديار بكر.وفي 16 فبراير 2018 بدأت القوات التركية عملية عسكرية في ديار بكر استهدفت مواقع وعناصر حزب العمال الكردستاني، استبقتها بفرض حظر التجول في 176 قرية وبلدة في الولاية.
وذكرت مصادر أمنية لوسائل الإعلام التركية أن نحو 1200 من عناصر قوات الدرك وحراس القرى، وهم عناصر من المتعاقدين مع الجيش التركي، تساندهم طائرات من دون طيار ومروحيات، يشاركون في العملية.
وأشارت المصادر إلى أن العملية تستُخدم فيها تقنيات التعرف على الوجوه بهدف التحديد الدقيق لعناصر «العمال» الكردستاني، الذي تدرجه أنقرة وواشنطن والاتحاد الأوروبي على قوائم المنظمات الإرهابية لديها.
وكانت السلطات التركية نفذت حملة اعتقالات في ديار بكر في يناير (كانون الثاني) من العام ذاته، بعد انطلاق عملية «غصن الزيتون» العسكرية في منطقة عفرين في شمال سوريا المتاخمة للحدود التركية، في العشرين من الشهر نفسه.
وأعلنت وزارة الداخلية التركية اعتقال العشرات في ديار بكر، بعد أن حرضوا مواطنين من أصول كردية وشجعوهم على الخروج إلى الشوارع للاحتجاج على عملية «غصن الزيتون».
وشن مسلحون ينتمون إلى حزب العمال الكردستاني خلال العام 2017 سلسلة هجمات قُتل في بعضها مسؤولون في حزب «العدالة والتنمية»، الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب إردوغان، بينما استهدفت الهجمات بشكل عام مواقع عسكرية وأمنية.
وفي أوائل فبراير 2018 فُرض حظر تجول لمدة يومين في نحو 60 بلدة في ولاية ديار بكر نفسها.
وفي مطلع العام الماضي، أعلنت وزارة الداخلية التركية إطلاقها عملية «أرن 2 ليجا» ضد مسلحي «حزب العمال الكردستاني» في ولاية ديار بكر جنوب شرقي البلاد، بمشاركة ألفين و24 عنصر أمن.
وقالت وزارة الداخلية إن «العملية تعد استمراراً لعملية (أرن)، التي أطلقتها في جبل تندورك بولاية آغري شرق البلاد، في إطار مساعيها الرامية إلى اجتثاث المنظمة (حزب العمال الكردستاني) من جذورها».
* عمليات شمال سوريا
وعلى مدى 3 أعوام تنفذ قوات الأمن التركية سلسلة عمليات تستهدف عناصر «العمال» الكردستاني في جنوب شرقي البلاد تحت اسم «أرن الحصار» بلغ عددها حتى الآن 36 عملية، بمشاركة الآلاف من قوات الشرطة والدرك وحراس القرى.
وأطلق الجيش التركي منذ العام 2019 سلسلة عمليات عسكرية (جوية وبرية) ضد مواقع «العمال» الكردستاني تحت اسم «المخلب»، وتواصلت تحت مسميات عدة، جميعها يرتبط بالمخلب، مثل «المخلب - البرق» و«المخلب - الصاعقة»، وصولاً إلى «المخلب - القفل»، التي أسهمت كثيراً في الحد من هجمات «العمال» الكردستاني في جنوب شرقي البلاد.
وفي سوريا نفذت تركيا 3 عمليات عسكرية استهدفت مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، هي «درع الفرات» في 2016، و«غصن الزيتون» في 2018، و«نبع السلام» التي أطلقتها تركيا في 9 أكتوبر (تشرين الأول) في 2019، والتي توقفت بعد أيام من إطلاقها بتوقيع مذكرتي تفاهم مع الولايات المتحدة في أنقرة في 17 أكتوبر 2019، ومع روسيا في سوتشي في 22 من الشهر ذاته، حيث أوقفت تركيا العملية بعد سيطرتها بمساعدة الفصائل الموالية لها فيما يعرف بـ«الجيش الوطني السوري» على مناطق في شرق الفرات، منها تل أبيض ورأس العين.
وأطلقت تركيا في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) عملية جوية باسم «المخلب - السيف» استهدفت بها مواقع «العمال» الكردستاني شمال العراق، ومواقع «قسد» في شمال سوريا في وقت واحد.
وجاءت العملية بعد أسبوع من تفجير إرهابي وقع في شارع الاستقلال بمنطقة «تقسيم» في إسطنبول، في 13 نوفمبر، تسبب في مقتل 6 أشخاص وإصابة 81 آخرين. ونسبت السلطات التفجير إلى وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) و«العمال» الكردستاني.
ويرى خبراء ومراقبون أنه لا يمكن الفصل بين عودة الاستهدافات في إسطنبول وجنوب شرقي تركيا، والعمليات العسكرية التي تنفذها القوات التركية في شمال كل من سوريا والعراق ضد المسلحين الأكراد.
وهددت تركيا عقب عملية «المخلب - السيف» بتنفيذ عملية برية ضد مواقع «قسد» في شمال سوريا، وتحديداً في منبج وعين العرب (كوباني) وتل رفعت؛ بهدف استكمال حزام أمني بعمق 30 كيلومتراً في عمق الأراضي السورية جنوب الحدود التركية، لكن العملية قوبلت باعتراضات من جانب الولايات المتحدة المتحالفة مع «قسد» في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي في شمال سوريا، وروسيا التي توجد قواتها مع قوات «قسد» والنظام السوري في مناطق سيطرة «قسد».
* تراجع تركي
وتحركت روسيا عبر المشاورات مع تركيا على صيغة تتضمن، بحسب ما أفادت مصادر وتقارير متعاقبة، سحب قوات «قسد» وأسلحتها من منبج وعين العرب (كوباني) وإحلال قوات النظام مكانها، والإبقاء فقط على عناصر أمن قسد (الأشايس) ودمجهم في جهاز الأمن السوري التابع للنظام، بينما طالبت أنقرة بتنفيذ تفاهم سوتشي كاملاً.
وبعد ما يقرب من شهر من التصعيد الشديد والتهديد بالاجتياح البري من جانب تركيا، بدا أن خيار العملية العسكرية البرية تراجع إلى الخلفية، مع تصعيد للحديث عن التقارب بين تركيا ونظام بشار الأسد بدفع من روسيا التي ترغب في إعادة سيطرة النظام على جميع المناطق التي لا تزال في يد المعارضة في شمال سوريا، وإعادة سيطرته على الحدود مع تركيا.
وخلال الأيام الثلاثة الماضية، تحدث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الثلاثاء، مرة عن أنه طلب الدعم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في اتصال هاتفي بينهما الأحد الماضي؛ للقيام بعملية مشتركة في شمال سوريا تنهي التهديدات الأمنية للحدود التركية، مشدداً على التمسك بالحزام الأمني بعمق 30 كيلومتراً. ثم تحدث، الخميس، عن أنه اقترح على بوتين عقد لقاء ثلاثي يجمعهما مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، «وبهذا الشكل نكون قد بدأنا بسلسلة اللقاءات، وأن بوتين تلقى العرض بإيجابية».
وأضاف إردوغان، الذي سبق أن أبدى أكثر من مرة على مدى الشهرين الماضيين استعداده للقاء الأسد: «نريد أن نقْدم على خطوة ثلاثية تركية - روسية - سورية، ولذلك يجب أولاً عقد لقاءات بين أجهزة المخابرات، ومن ثم وزراء الدفاع، ثم وزراء الخارجية».
كما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الثلاثاء، إن أنقرة مستعدة للعمل مع النظام السوري وإعادة العلاقات معه، وإن أجهزة المخابرات تُواصل اتصالاتها به منذ فترة. وأضاف أنه «إذا تصرَّف النظام بواقعية، فنحن مستعدّون للعمل معاً على محاربة الإرهاب، والعملية السياسية، وعودة السوريين».
ووضع مراقبون، تلك التصريحات عن التقارب مع النظام في ملفات مكافحة الإرهاب (ويقصد به التعاون ضد الوحدات الكردية) وإعادة اللاجئين والعملية السياسية في سوريا، في إطار تراجع أنقرة عن العملية العسكرية التي لوحت بها، ليس فقط عقب التفجير الإرهابي في إسطنبول، وإنما منذ مايو (أيار) الماضي، عندما قال إردوغان: «سنأتيهم ذات ليلة على حين غرة» وحدد نطاق العملية بمناطق منبج وتل رفعت، قبل أن تضاف عين العرب (كوباني)، بعدما وجدت معارضة قوية من أميركا وتحفظاً شديداً من روسيا التي تحرص تركيا على الحفاظ على وتيرة تصعيد التعاون معها في مجالات الاقتصاد والطاقة رغم التباين في المواقف في عديد من الملفات، وفي مقدمتها الملف السوري.
* تحركات روسيا
وتحافظ أنقرة وموسكو على نسق علاقات يقوم على الحفاظ على وتيرة التقارب المتسارعة وعدم السماح للملفات الخلافية بعرقلة هذه الوتيرة، وبذلك تم تحويل التباين في سوريا إلى تنسيق عبر التفاهمات في أستانة وسوتشي وموسكو بشأن إدلب ومناطق سيطرة «قسد»، وصولاً إلى الوساطة في إعادة العلاقات مع النظام السوري إلى سابق عهدها قبل 2011.
وواقع الأمر، أن الوساطة الروسية تأتي في وقت حساس ودقيق بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي يواجه بعد 6 أشهر استحقاقاً انتخابياً لا يتوقع أن يمر فيه وكذلك حزبه (العدالة والتنمية الحاكم) بالسهولة التي مكنته بالسيطرة على مقاليد السلطة في البلاد لمدة 20 عاماً في ظل معارضة هشة ومشتتة.
ويبرز الملف السوري باعتباره أحد العناصر الحاسمة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 18 يونيو (حزيران) المقبل، في ظل منافسة حامية مع المعارضة التي ركزت، في جانب مهم من دعايتها، على حل مشكلة اللاجئين السوريين عبر التعاون مع النظام السوري وأوروبا والأمم المتحدة، فكانت الوساطة الروسية للتقارب بين الأسد وإردوغان بمثابة الفرصة ليتولى إردوغان الأمر بنفسه، وأن يوجد الحل وينزع تلك الورقة من يد المعارضة، وبالتالي إبعاد الملف السوري عن حلبة الصراع الانتخابي الساخن.
* موقف المعارضة
وفي هذا الإطار، يبدو أن المعارضة السورية استوعبت الصدمة الأولى لحديث أنقرة عن التقارب مع الأسد، والتي بدأت بتصريح لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في 11 أغسطس (آب) الماضي، عن لقاء عابر جمعه مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في بلغراد في أكتوبر 2021، وتأكيده ضرورة الوصول إلى توافق بين المعارضة والنظام من أجل التوصل إلى حل في سوريا.
وبذلت أنقرة جهوداً لتوضيح الصورة للمعارضة عبر لقاء وزير الخارجية مع قادة الائتلاف الوطني السوري عقب تصريحاته التي أشاعت حالة من الارتباك، وقابلها السوريون في مناطق المعارضة في شمال سوريا بالاحتجاجات والمظاهرات ضد تركيا، ولم تخف المعارضة قلقها أيضاً.
لكن الواضح الآن أن المعارضة استوعبت التحركات التركية، لا سيما مع حرص أنقرة على تأكيد أن وجود المعارضة في تركيا لن يتأثر بخطوات التطبيع مع الأسد.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك