لجأ النظام في طهران قبيل ساعات من سريان حزمة أولى من العقوبات الأميركية على إيران، إلى طريقة "كبش الفداء"، في محاولة لتهدئة الغضب الشعبي المتنامي بتعليق فشل السياسات الخاطئة على أفراد، في وقت بات "إسقاط النظام" مطلبا بديهيا للمحتجين في الشارع الإيراني.
وواصل الإيرانيون مظاهراتهم الغاضبة في العاصمة طهران ومحافظات عدة، احتجاجا على سوء السياسات الاقتصادية والخارجية التي أفضت إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات شديدة على بلادهم.
ورفع آلاف المحتجين شعارات لم تشهدها طهران على مدار أربعة عقود، مطالبين بسقوط نظام الملالي، فيما استبدلوا العبارة الشهيرة التي طبعت على العديد من مباني طهران "مرك بر أمريكا" (الموت لأمريكا) إلى "مرك بر خامنئي"، في تحول جذري وصفته أوساط غربية بأنها "نقطة الغليان" التي تسبق انفجارا شعبيا كاسحا.
وقبيل يومين من الموعد المقرر لفرض العقوبات، انهار الريال الإيراني ليخسر نسبة 20 في المئة من قيمته منذ الشهر الماضي، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في الأسعار ووصل بالتضخم إلى مستوى غير مسبوق، وبينما تطال الحزمة الأولى من العقوبات البنك المركزي الإيراني بقيود على تداول الدولار الأميركي، لجأ النظام إلى التضحية بمساعد محافظ البنك أحمد عراقجي، عبر إقالته بسبب "عدم قدرته على مواجهة انهيار العملة"، قبل اعتقاله لاحقا لتسهيله عمليات شراء للعملة الصعبة لبعض شركات الصرافة، وذلك في محاولة لصنع "كبش فداء" وتقديمه للجماهير على أنه سبب الفشل الاقتصادي.
واتخذت إيران إجراءات متناقضة مع ما سبق أن اتخذته "لحماية العملة"، وذلك قبل ساعات من فرض العقوبات، حيث قررت السماح مرة أخرى للمؤسسات والشركات التجارية بجلب الذهب والعملات الأجنبية إلى إيران بعدما فرضت قيودا قبل أشهر على ذلك.
وأقر محافظ البنك، عبدالناصر همتي أن قرار الحكومة في أبريل الماضي بفرض سعر صرف واحد للدولار تسبب في "مشكلات خطيرة" للبلاد.
وتضاعف سعر العملات الأجنبية مؤخرا في السوق السوداء الإيرانية، بينما خسر الريال منذ مطلع العام الجاري نحو ثلثي قيمته.
وعلقت الولايات المتحدة عقوباتها على طهران، بعد إبرام الاتفاق النووي في يوليو عام 2015، مما سمح للنظام الإيراني بالانفتاح التجاري والعودة إلى سوق النفط والحصول على 1.7 مليار دولار قيمة عقود ملغاة مع الأميركيين.
وبدلا من إنفاق عوائد النفط الضخمة على تحسين الخدمات المتردية ومستوى معيشة الشعب الإيراني، أنفق النظام الإيراني مليارات الدولارات على تسليح الميليشيات التابعة له في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وقدمت البنوك الإيرانية خطوط ائتمان بقيمة 4.6 مليار دولار بين عامي 2013 و 2015 إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهو رقم لا يشمل بالقطع نشر آلاف المستشارين العسكريين من الحرس الثوري، وجلب نحو 50 ألفا من الميليشيات الشيعية من باكستان وأفغانستان ولبنان.
وقدرت مصادر استخباراتية أجر المقاتل الواحد في الشهر بـ 300 دولار، مما يرفع الإنفاق إلى ما يزيد عن 12 مليارات دولار في سوريا وحدها، بينما تنفق ما يقرب من مليار دولار سنويا على ميليشيا حزب الله في لبنان، وبينما تنخرط طهران في الصراع الدامي بسوريا، مدت ذراعها في اليمن عبر ميليشيا الحوثي، وأنفقت مئات الملايين من الدولارات على تسليح الميليشيا المتمردة.
وتقدم طهران منذ عام 2003 دعما متناميا للميليشيات الطائفية في العراق، وهي فصائل عديدة لكل منها قيادة عسكرية وعشرات الآلاف من المنتسبين.
وكان قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري قد أقر في يناير عام 2016 بأن بلاده جهزت 200 ألف مقاتل ممن أسماهم الجيل الثوري المسلح في دول المنطقة، ليشير دونما قصد إلى فداحة حجم الإنفاق السخي على الميليشيات الإرهابية عبر تجهيز هذا العدد الضخم.
ولم يمر ذلك مرور الكرام على الشعب الإيراني، فعندما انفجرت موجة ضخمة من الاحتجاجات بدأت من مدينة مشهد مطلع العام وانتشرت في كامل ربوع إيران، كان المحتجون يهتفون "لا سوريا ولا لبنان.. روحي فداء لإيران"، معبرين عن غضبهم بسبب هدر الموارد المالية والاقتصادية على حروب الوكالة في الشرق الأوسط.
وتأتي العقوبات الأميركية التي تهدف إلى ردع إيران عن إهدار مواردها على أنشطتها الخبيثة في المنطقة، وسط تصاعد حاد في المظاهرات والاحتجاجات وصل إلى مقر إقامة المرشد خامنئي في طهران.
وتستهدف الحزمة الأولى من العقوبات بيع وشراء الحديد والصلب والألمنيوم، وسحب تراخيص صفقات الطائرات التجارية، وكذلك معاقبة القطاع الصناعي الإيراني عموما، بما في ذلك قطاع السجاد الإيراني، فيما تهدف الحزمة الثانية التي ستطبق في نوفمبر المقبل إلى حظر الصادرات النفطية بشكل رئيسي وتقييد التبادل التجاري عبر الموانئ الإيرانية، ليخسر النظام المورد الرئيسي الذي استغله في تمويل صنع الأسلحة المحظورة ودعم الميليشيات.
أرسل تعليقك