نيويورك ـ سناء المرّ
بعد أن نقلت وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" أبو زبيدة إلى سجن عسكري أميركي في غوانتانامو باي بكوبا، مثل أمام هيئة من ثلاثة ضباط في إطار جلسة استماع له في مارس/آذار 2007. ووصف بلغة إنجليزية ركيكة كيف تعرض للتعذيب داخل السجون التي تديرها الوكالة.
وقال إن جسده تملكته رعشة قوية عندما ظل واقفًا لساعات عريانًا ومقيدًا داخل غرفة باردة، بينما كان عاجزًا عن تحميل ثقل جسده على ساقه المصابة. وتحدث عن الإذلال الذي تعرض له مع اضطراره للتبول في وعاء كبير أمام أشخاص آخرين "مثل الحيوان"، ووصف تعرضه للإيهام بالغرق حتى توقف عن التنفس واحتاج إلى إجراءات إنعاش.
وقال: "لقد قيدوني تمامًا، حتى رأسي. ولم يعد بمقدوري فعل أي شيء. ووضعوا قطعة قماش في فمي وصبوا الكثير من الماء"، وأضاف: "عند اللحظة الأخيرة قبل أن أموت"، كانوا يوقفون الأمر، ثم يعيدونه مرارًا ومرارًا، وكنت أقول لهم: "لو أنكم تريدون قتلي، اقتلوني فحسب". جاءت شهادة أبو زبيدة في مجموعة من السجلات المكشف عنها أخيرا لجلسات استماع عسكرية لسجناء سابقين لدى "سي آي إيه"، كانت الحكومة قد كشفت عن السجلات هذا الأسبوع استجابة لدعوى قضائية في إطار قانون حرية المعلومات تقدم بها الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، والذي أمد "نيويورك تايمز" بالوثائق.
يذكر أن الكثير من التفاصيل بخصوص برنامج التعذيب الذي أدارته "سي آي إيه"، بما في ذلك معلومات عن أسلوب معاملة أبو زبيدة، أصبحت معروفة بالفعل على النطاق العلني، بما في ذلك تقرير يقع في 500 صفحة من لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ صدر في ديسمبر/كانون الأول 2014. إلا أن تلك التفاصيل اعتمدت في الجزء الأكبر منها على مذكرات حكومية، بينما تضيف الوثائق المفرج عنها حديثًا أول شهادة شخصية للسجل التاريخي المتنامي. وقال درور لادين، المحامي لدى الاتحاد الأميركي للحريات المدنية: "في وقت يقترح بعض السياسيين إحياء برنامج التعذيب، من المهم للغاية أن يطلع الرأي العام الأميركي على هذه الشهادات الآتية من مصادرها الأصلية، وليس مجرد سرد صاغه من أجازوا التعذيب يحوي مبررات لما فعلوه".
من ناحية أخرى، فإن أنصار برنامج "التحقيق المعزز" التابع لـ"سي آي إيه"، يقولون إنه وفر معلومات أنقذت أرواحًا. ومع ذلك، فإن التقرير الصادر عن مجلس الشيوخ خلص إلى أن المدافعين عن البرنامج بالغوا في قيمة المعلومات التي جرى الحصول عليها مِن ورائه، وفي الوقت ذاته قللوا من وحشيته. كان دونالد ترامب الساعي لنيل ترشيح الحزب الجمهوري له بالانتخابات الرئاسية قد اقترح إحياء مثل هذه الأساليب في التحقيق وتوسيع نطاق استخدامها. وكانت "سي آي إيه"، قد بدأت برنامجها للمواقع السوداء للتسليم والاحتجاز والتحقيق مع إلقائها القبض عام 2002 على أبو زبيدة الذي جرى الاعتقاد خطأ بأنه زعيم بارز بتنظيم القاعدة. وبدأت الوكالة في إغلاق البرنامج عام 2006، بعد صدور حكم من المحكمة العليا بخصوص معاهدات جنيف يضع محققي الوكالة في مواجهة خطر التعرض للمحاكمة لارتكابهم جرائم حرب.
ونقلت إدارة بوش في سبتمبر /أيلول من ذلك العام، المحتجزين في السجون التي تديرها "سي آي إيه"، إلى غوانتانامو باي. وبعد شهور عدة ، عقدت جلسة استماع لكل محتجز أمام ما أطلق عليه محكمة لمراجعة وضع المقاتل، وذلك بهدف تحديد ما إذا كان المحتجز جرى توصيفه كـ"عدو مقاتل" بصورة صائبة "بحيث أصبحوا عرضة للاحتجاز لأجل غير مسمى طوال فترة الحرب".
وأصدرت الحكومة نسخًا من بعض الوثائق عام 2009، لكنها حذفت وصف المحتجزين للمعاملة التي تعرضوا لها من جانب "سي آي إيه"." وفي فقرة سبق أن خضعت للرقابة، ادعى أبو زبيدة، الذي وصف كيف أنه اختلق مخططات إرهابية وهمية للنجاة من الاعتداءات، أن محققًا يتبع الوكالة اعتذر له بعد إدراك الحكومة أنها أساءت فهم دوره. وقال: "بعد ذلك، كان كل ما قالوه لي: (نأسف، لقد اقترفنا خطًا كبيرًا)".
ونشرت الوكالة، الأربعاء، عشرات الوثائق المعرضة لدعاوى قضائية منفصلة ومتداخلة في ظل قانون حرية المعلومات من قبل الاتحاد الأميركي للحريات المدنية و"فايس نيوز"، ورغم أن الوثائق المفرج عنها جرى حجب أجزاء كبيرة منها، فإنها كشفت بعض التفاصيل الجديدة القليلة."
على سبيل المثال، تضمنت فقرة جرى رفع الحظر عنها في مذكرة من رئيس الفريق الطبي التابع لـ"سي آي إيه"، سطرًا يقول فيه إن أبو زبيدة بدأ التعاون بالفعل قبل تعرضه للإيهام بالغرق، وإن هذا الأسلوب لم "يقدم أية معلومات قيمة كان من المستحيل الوصول إليها عبر سبل أخرى"، وقد ورد هذا السطر في تقرير مجلس الشيوخ. إلا أنه كانت هناك جملة أخرى لم ترد بالتقرير جاءت على النحو التالي: "قال الاختصاصي النفسي المحقق لاحقًا إن استخدام الإيهام بالغرق أكد أن (إيه زد) ليست لديه أية معلومات أخرى عن أخطار وشيكة - مبرر مبتكر لكنه ينطوي على التفاف"، واستخدمت العبارة الحروف الأولى من اسم أبو زبيدة بالإنجليزية في إشارة له.
يلذكر أن كثيرًا من الوثائق التي حصلت عليها "نيويورك تايمز" تخص جلسات استماع لمحتجزين يواجهون حاليًا محاكمات بتهمة ارتكاب جرائم حرب أمام محكمة عسكرية في غوانتانامو. في تلك القضايا، تتركز استراتيجية محامي الدفاع على الدفع بأن موكليهم لا ينبغي أن يواجهوا عقوبة الإعدام، مقابل تعرضهم للتعذيب على يد الحكومة. ومن بين هؤلاء المحتجزين عبد الرحيم النشيري المتهم بالمعاونة في تخطط تفجير المدمرة "كول" الأميركية عام 2000، مما أسفر عن مقتل 17 جندي بحرية. كان النشيري قد تعرض لبعض أكثر صور سوء المعاملة تطرفًا، تبعًا لما أفاد به المفتش العام لدى "سي آي إيه"، بما في ذلك الإيهام بالغرق وتشغيل مثقاب إلى بجوار رأسه."
ولدى سؤاله عن أساليب التحقيق التي استخدمت معه، ذكر النشيري الكثير، مثل إبقائه معلقًا في وضع مقلوب لمدة قرابة شهر، وتعرضه للغرق تقريبًا وضربه في الحائط وإجباره على الوقوف داخل صندوق صغير لمدة أسبوع. وكان يسأل نفسه مرارًا أثناء الإجابة: "ماذا فعلوا معي أيضًا؟"."
وهناك نص أيضًا لشهادة خالد شيخ محمد، المتهم بكونه العقل المدبر لهجمات
أرسل تعليقك