في يوم مشؤوم، وتحديدًا في (9 - 10 حزيران/ يونيو 2014)، دخلت "غرابيب سود" محلقة فوق سماء "أم الربيعين" مدينة الموصل، لتفرض سيطرتها على ثاني أكبر مدن العراق، وتعلن شرائعها المريضة، وسط ذهول الجميع من أن تسقط ثاني اكبر مدينة عراقية محاطة بأربع فرق عسكرية وبداخلها مائة ألف شرطي ورجل امن، في ساعات بين ليلة وفجرها، واحتار المتابعون في تفسير أسرع سقوط عسكري في التاريخ لمدينة كبيرة بيد مسلحين لا يتجاوز عددهم عشر عدد الجيش النظامي المحيط بها وبداخلها.
فر الجميع آنذاك ولم يبق جندي واحد إلا وخلع بدلته ورماها هاربا بلباس مدني "مخصص له"، فدخل عناصر تنظيم "داعش" المتطرف بلا معركة تذكر مع القوات الأمنية المسؤولة عن حماية نينوى، ليعلنوا بذلك بداية خرافتهم وخلافتهم اللإسلامية لمدينة الموصل.
وأكد المرصد العراقي لحقوق الإنسان أنه لمن المؤسف بعد مرور ثلاثة أعوام على سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم "داعش" لم يُقدم أي من المتسببين بذلك للمحاكمة، ومازال كل من تحوم حولهم الشُبهات طُلقاء ويُمارسون عملهم العسكري والسياسي بشكل طبيعي.
وقال المرصد في تقرير ورد لـ"العرب اليوم"نسخة منه: إنه "على القضاء العسكري في وزارتي الدفاع والداخلية محاكمة نحو ٨٠٠ ضابط مُتهم بينهم كبار القادة الميدانيين لمعرفة المتورطين منهم بسقوط المدينة وفق أرقام جهاز الإدعاء العام العراقي"، كما نقل التقرير عن رئيس الادعاء العام في السلطة القضائية محمد قاسم الجنابي في تصريح لصحيفة المدى في 11كانون الثاني/يناير 2015 أن "القادة العسكريين وآمري الألوية تركوا مواقعهم في محافظة نينوى للعدو ما تسبب بسقوط المحافظة بيد تنظيم (داعش)".
وأضاف الجنابي، أن "القضية برمتها تعد جريمة عسكرية متكاملة لاعلاقة للقضاء والادعاء العام المدني فيها، وأن هناك محاكم عسكرية وفق قانون العقوبات العسكرية وقانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري الذي صدر عام 2007"، مشيرًا إلى أن "هناك محاكم عسكرية ومحكمة تمييز عسكرية مختصة بالنظر بهذه الدعوى، وكذلك هناك مشاورية قانونية في وزارة الدفاع ويوجد فيها محكمة عسكرية، لذا لا دخل للقضاء والادعاء المدني فيها".
وأوضح المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن "إعلان جهاز الإدعاء العام أعداد المتهمين بسقوط المدينة في 10حزيران/يونيو 2014، يضع القضاء العسكري أمام مسؤولية كبيرة في استدعاء كل المتهمين لمحاكمتهم، وعلى الحكومة العراقية أيضاً عدم السماح للمتسببين بسقوط الموصل بالإفلات من العقاب"، مضيفًا أننا "نعتقد أن هناك إرادة سياسية تقف عائقاً أمام بدء المحاكمات العادلة للأشخاص المتهمين بسقوط الموصل، وهذا ما يؤشر على وجود موقفٍ سلبي من قبل الحكومة العراقية بهذه القضية".
وشدد المرصد أن "الإفلات من العقاب لا يُمكن أن يضع العراق في مرحلة استقرار أبداً، على العكس من ذلك، فالإفلات جائزة لمرتكبي الانتهاكات والمتسببين بقتل آلاف المدنيين الأبرياء"، موضحًا أن "سقوط الموصل يتعلق بانسحاب قطعات عسكرية وأمنية أدى إلى احتلالها من قبل تنظيم داعش وهي بموجب المشرع العراقي جريمة عسكرية تخضع من ناحية الاختصاص إلى القضاء العسكري"، كما طالب المرصد محكمة قوى الأمن الداخلي إلى ممارسة دورها بمحاكمة المتهمين من مراتب ومنتسبي وزارة الداخلية، خصوصا مع ورود معلومات عن وجود ٧٠٠ متهم من عناصرها وضباطها بالجريمة".
وطالب المرصد أيضًا "بالمحكمة العسكرية بمحاكمة المتهمين من مراتب وزارة الدفاع، خصوصا وان الحديث يدور عن اتهام ٧٦ ضابطاً ميدانياُ بيهم قادة كبار بالجريمة ذاتها"، حيث قال: إن "من المستغرب بقاء جميع الأسماء التي وردت بالتقارير التحقيقية خارج إطار المحاسبة حتى اللحظة، والأكثر من ذلك مازالت بعض القيادات السياسية والأمنية تُمارس عملها بمناصب عُليا في الدولة العراقية".
وتابع المرصد : "يُعاقب بالإعدام وفق قانون العقوبات العسكرية العراقي لسنة 2007 كل من "سعى لسلخ جزء من العراق عن إدارة الحكومة أو لوضع العراق أو جزء منه تحت سيطرة دولة أجنبية، وترك أو سلم إلى العدو أو استخدم وسيلة لإرغام أو إغراء آمر أو شخص آخر ما، على أن يترك أو يسلم بصورة تخالف ما تتطلبه المواقف العسكرية موقعا أو مكانا أو مخفرا أو حامية أو حرسا خفرا"، كما يُعاقب بالإعدام كل "من سلم أو سبب تسليم المعامل العسكرية المختصة بالعتاد وأدوات الحرب والمصانع ومخازن التعبئة ومن سبب أو سهل استيلاء العدو على قسم من القوات العسكرية، بالإضافة إلى كل من كان آمرا لموقع وسلمه إلى العدو قبل ان ينفد كل ما لديه من وسائل الدفاع أو أهمل استعمال الوسائل المذكورة".
وتصادف هذه الأيام الذكرى السنوية الثالثة لسقوط الموصل بيد تنظيم داعش الإرهابي، فيما شُكلت لجنة برلمانية للتحقيق بخفايا سقوط محافظة نينوى منذ أكثر من سنتين، ولم تعلن نتائج تحقيق اللجنة حتى اللحظة التي كُتب فيها هذا التقرير.
وبدوره أكد عضو مجلس محافظة نينوى حسام العبار قي تصريح صحافي أن "اللجنة التي تشكلت في مجلس النواب للتحقيق حول قضية سقوط الموصل، فيها شخصيات ذُكرت بالتحقيق، وهي أكثر من 40 شخصية بين قيادات أمنية وقيادات سياسية وإدارية"، واستطرد، إن "اللجنة البرلمانية المعنية بسقوط الموصل، حولت ملف السقوط إلى الجهات القضائية"، عازيا ذلك "لعدم وجود الضوابط القانونية في قضية التحقيق، وفي البداية كانت مجرد سرد للأحداث بالأسماء، وتحتاج إلى جهة قضائية لتتولى ذلك".
وبًن العبار، أن "الشخصيات التي اتهمت بسقوط الموصل، أغلبها شخصيات سياسية وبالتالي الجوانب السياسية طغت على عملية عدم تفعيل الملف"، متسائلا "حول سبب عدم تفعيل لجنة التحقيق بقضية سقوط الموصل"، وأوضح، إن "أهالي الموصل لا يزالون حيارى فيمن كان السبب بسقوط مدينتهم بيد التنظيم الإرهابي"، كما وأشار إلى، أن "ملف التحقيق دخل ضمن الصفقات السياسية، وسيبقى ضمن الملفات المتروكة جانبا".
من جانبه لفت عضو اللجنة التحقيقية بسقوط الموصل، النائب عن محافظة نينوى عبد الرحمن اللويزي : "حددنا في اللجنة، بعض الشخصيات التي تقع ضمن دائرة الاتهام، وكان ضمنها شخصيات رفيعة ابتداء من رئيس الحكومة آنذاك (نوري المالكي)، ومرورا بكل الشخصيات المؤثرة بالقرار حينها"، كما أضاف أن "مهمتنا في اللجنة انتهت بتسليم التقرير إلى هيئة الرئاسة علنا وأمام الإعلام، وكان من واجب الهيئة قراءة التقرير داخل مجلس النواب ليعلم الجميع مضامين التقرير، وهذا ما لم تفعله هيئة الرئاسة واكتفت بإحالة الملف إلى 5 جهات، وهي مجلس القضاء الأعلى والمدعي العام ورئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع وهيئة النزاهة".
وأظهر، أن "موقف القضاء بأن الاتهامات التي تطال العسكريين تقع تحت ولاية قانون العقوبات العسكري، واختصاصهم فقط في الجرائم المدنية"، لافتا بالقول ان "بعض الشخصيات السياسية تكاد تكون فوق القانون، وهناك ملفات لإدانتها أو محاكمتها، ولكن لم يتخذ بحقها أي إجراء.. وعدم وجود إرادة سياسية بين الكتل لمحاسبة تلك الشخصيات".
أرسل تعليقك