تونس_ العرب اليوم
يعيش الهيكل القضائي التونسي حالة احتقان كبرى على خلفية صدور قرارات رئاسية بإعفاء 57 قاضٍ وقاضية من مناصبهم، اتهمهم الرئيس قيس سعيد بـ"الفساد والتواطؤ والتستر على متهمين بقضايا الإرهاب".
ومن بين الشخصيات القضائية المعزولة، الطيب راشد (الرئيس السابق لمحكمة التعقيب)، البشير العكرمي (وكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الإبتدائية)، عماد الجمني (وكيل الجمهورية الحالي)، يوسف بوزاخر (رئيس المجلس الأعلى للقضاء المنحل)، رياض الصيد (المتفقد العام بوزارة العدل)، مراد المسعودي (رئيس جمعية القضاة الشبان)، سفيان السليطي (المتحدث السابق باسم القطب القضائي والمالي)، يوسف الزواغي (المدير العام السابق للديوانة)، بالحسن بن عمر (المستشار القانوني السابق في حكومتي يوسف الشاهد وهشام المشيشي).
وأصدر الرئيس التونسي قيس سعيد ليلة أمس أمرا رئاسيا يقضي بإعفاء 57 قاض وقاضية، سبقه مرسوم رئاسي تم بمقتضاه تعديل المرسوم عدد 11 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، بشكل يمنح لرئيس الجمهورية صلاحية الإعفاء المباشر للقضاة الذين تتعلق بهم قضايا تمس من سمعة واستقلالية القضاء.
وينص المرسوم الجديد، على أنه لا يمكن الطعن في الأمر الرئاسي المتعلق بإعفاء قاضٍ إلا بعد صدور حكم جزائي بات في الأفعال المنسوبة إليه.استهداف للقضاة المعارضين
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قال القاضي حمادي الرحماني، المشمول بقرارات الإعفاء، إن "رئيس الجمهورية استغل احتكاره لجميع السلطات، فاستخدم السلطة التشريعية لإصدار المرسوم عدد 35 الذي عدل بموجبه المرسوم عدد 11 وخوّل لنفسه سلطة غير موجودة في الديمقراطيات ولا حتى في الدكتاتوريات المقنعة. ثم استخدم السلطة التنفيذية لإعفاء القضاة".
وتساءل الرحماني: "كيف تعفي السلطة التنفيذية القضاة بجرة قلم دون أي موجب ودون إمهال؟.. من الواضح أن الرئيس يستهدف قضاة بعينهم وبالخصوص قضاة المقاومة سواء في الأحكام أو الملفات أو المواقف والعمل النقابي".
وقال الرحماني إن الرئيس تجاوز المجلس الأعلى للقضاء الشرعي ثم تجاوز أيضا مجلس القضاء المؤقت الذي نصبه بنفسه لأنه لم يستجب لرغباته ولم يرضَ بأوامره التي تتخالف مع الأعراف والعقل.
وذكر الرحماني أن قائمة القضاة المعفيين تضمنت أسماء وازنة على غرار رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، ورئيس جمعية القضاة الشبان، وقضاة مدونون معروفون بمواقفهم التي تدافع عن استقلالية القضاء والمنتقدة لقرارات الرئيس.
ويرى المتحدث أن رئيس الجمهورية غلف قراراته ببعض الأسماء المعروفة بالفساد لكي يخلق لبسا ويقنع الشعب بأنه بصدد إصلاح القضاء، مشيرا إلى أن الرئيس استهدف النيابة العمومية بأكملها بعد أن أعفى الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتونس ووكيليْ الجمهورية بمحافظتيْ منوبة وأريانة، ووكيل الجمهورية بتونس الذي يشرف على القطب القضائي للإرهاب والقطب المالي.
وأضاف: "الرئيس ألغى كل المواطن القضائية المقاومة في محكمة تونس التي تستحوذ على القضايا الهامة على غرار الفساد والإرهاب، وسيتحكم من هنا فصاعدا في كل القضايا الكبرى.. ولم يبقَ للرئيس إلا أن يختم الأحكام بنفسه".
وأكد الرحماني أن الهياكل القضائية ستنتفض ضد المرسوم الرئاسي عدد 35 والأمر الرئاسي عدد 516، وستدافع على استقلالية القضاء، متوقعا أن تصدر المحكمة الإدارية قرارا يقضي بإلغاء هذه القرارات، كما فعلت سابقا مع المراسيم غير المشروعة، وفقا لقوله.مجزرة للقضاء ومحاولة للترهيب
وفي تعليق حول الموضوع، اعتبر الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن الأمر الرئاسي الذي يقضي بإعفاء مجموعة من القضاة هو مجزرة للقضاء ومحاولة لترهيب القضاة وتخويفهم وتحويل السلطة القضائية إلى جهاز تنفيذي يخضع لتعليمات رئيس الدولة.
وأضاف: "نحن مع إصلاح القضاء، وهذا ما كنا ننادي به سابقا وناضلنا من أجله طيلة عقود وانتقدنا غياب الإرادة السياسية لإصلاح هذا المرفق طيلة العشرية الماضية".
وشدد الشواشي على أن هذا الإصلاح يجب أن يتم في الأطر الدستورية والقانوينة وطبقا للمعايير الدولية ودون المس من الضمانات القانونية للقضاة، مضيفا: "من حق القاضي أن يدافع عن نفسه وأن يتمتع بحق الطعن، وإذا ما ثبتت في حقه أي مخالفة فليخضع حينها للتأديب وللعقوبات".
وتابع: "أن يصدر مرسوم بالإعفاء غير قابل للطعن وأن تذكر أسماء القضاة في مجلس وزاري وتنسب إليهم تهم غير مثبتة، فهذا يدخل في باب تصفية الحسابات وضمن عملية ممنهجة لجعل القضاء سلطة موالية للرئيس".
وأشار الشواشي إلى أن بعض القضاة الذين وردت أسماؤهم في قائمة الإعفاءات معروفون بنضافة اليد، قائلا "لقد وقع التنكيل بهم لأنهم رفضوا تطبيق تعليمات رئيس الدولة ووزيرة العدل"، داعيا هؤلاء القضاء إلى رفع واجب التحفظ وإخبار الرأي العام عن الأسباب الحقيقية التي دفعت رئيس الدولة إلى إعفائهم.
وقال الشواشي إن بعض الأسماء الأخرى لديها بالفعل شبهات وهي محل بحث تحقيقي في القضاء، بينهم قاضية تقبع في السجن، مستطردا: "ولكن هناك أيضا مجموعة من الشرفاء الذين صمدوا أمام قرارات رئيس الدولة".
ويرى الشواشي أن رئيس الجمهورية سعى من خلال المراسيم الأخيرة إلى توجيه رسالة للقضاة مفادها أن من لا يطبق التعليمات سيكون مآله الإعفاء والعزل دون إمكانية للطعن.
وشدد السياسي على ضرورة أن تكون هناك هبة وطنية وشعبية ضد ما وصفه بالعبث الذي يتحول تدريجيا غلى جنون مدمر ومخرب للدولة التونسية.
بدوره، قال رئيس حزب العمال حمة الهمامي لـ "سبوتنيك"، إن رئيس الجمهورية لم يكتفِ بحل المجلس الأعلى للقضاء، وها هو اليوم "يريد أن يجعل العلاقة بينه وبين القضاة كالآمر والمآمور".
ودعا الهمامي القضاة إلى المقاومة، مشيرا إلى أن الأحزاب السياسية الديمقراطية ستدافع بدورها عن القضاء المستقل والعادل وتواجه ما وصفه بالاستبداد الزاحف.انتصار للسلك القضائي
على الطرف المقابل، اعتبر رئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان الناصري (مقرب من الرئيس) في تعليق لـ "سبوتنيك"، أن التعديلات التي صدرت عن طريق المراسيم والأوامر الرئاسية الأخيرة جاءت لتحديد مسؤوليات العديد من القضاة الذين تجاوزوا القانون وكانت لهم علاقات مع جهات سياسية وخاصة حركة النهضة.
وقال الناصري: "السلك القضائي يتضمن العديد من القضاة الشرفاء والنزهاء، ولكن هذا لا يخفي العديد من الهنات من قبيل قرب البعض منهم من منفذي العمليات الإرهابية وضلوعهم في التستر على الفساد وانخراطهم في الرشوة".
واعتبر أن هذه الخطوة هي "انتصار للجسم القضائي وللعدالة وأنها تحمل رسالة طمأنة للقضاة الشرفاء بالابتعاد عن الضغوطات والتخوفات ويمارسوا مهامهم بكل شفافية ونزاهة".
وأكد الناصري أن رئيس الجمهورية اتخذ قرار العزل بعد أن تحصل على قرائن مؤكدة تثبت إدانتهم، مشيرا إلى أن الإثباتات الموجودة في الملفات تؤكد ضلوعهم في قضايا خطرة، وهو ما استوجب عزلهم إلى حين إثبات إدانتهم أو تبرأتهم.
وتعليقا على الصلاحية الجديدة الممنوحة للرئيس (صلاحية عزل القضاة)، قال الناصري إن تونس تمر بفترة استثنائية وهو ما يستوجب اضطلاع رئيس الجمهورية بهذه المهمة إلى حين انتخاب برلمان جديد ودستور جديد ينص على الفصل بين السلطات.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك