بغداد – نجلاء الطائي
رسمت الانتخابات المحليَّة التي شهدها العراق بداية العام الحالي خارطة تغيير واضحة للمشهد السِّياسي، فرئيس الوزراء نوري المالكي المتَّهم بالاستبداد من قبل خصومه، فقد نفوذه المحلِّي في مدن عدَّة، أهمها بغداد والبصرة.
لم يستعمل المالكي جنودا وآليات عسكرية لاسترداد المقاعد المحلية التي خسرها، بسبب الإخفاق الواضح في أداء فريقه البلدي الذي عجز عن تقديم الخدمات للسكان المحليين، بل إن أعضاء في دولة القانون مشتركون في حكومتي هاتين المدينتين حالياً دون اعتراض وتذمر منهم.
وتحكم العاصمة بغداد اليوم من قبل تيار إسلامي كان متهما بالتطرف وحمل السلاح، إلا أنه يحكم الآن مدينة تاريخية، وزعيم التيار مقتدى الصدر أوصى ممثليه بالحفاظ على مدنية المدينة واحترام تاريخها.
وقال القيادي البارز في حركة الوفاق الوطني التي يتزعمها إياد علاوي سالم دلي، في تصريح لـ "العرب اليوم": إن مباحثات كانت تجري بين الأطراف الرئيسية، وتتضمن قائمة الدكتور إياد علاوي ومتحدون والحوار الوطني، بالإضافة إلى الحل التي يتزعمها جمال كربولي في العاصمة الأردنية عمان قد فشلت"، مبينا إلى "عدم دخول القائمة العراقية مع متحدون في أي شكل من الأشكال"، مرحجا أن "تحالفات قد تحدث ما بعد الانتخابات الرئيسية"، ولم يؤكد على أية قائمة معينة بذاتها، ودخول الدكتور إياد علاوي بقائمة منفردة بذاتها.
فيما كشفت القيادية في كتلة الحل التي يتزعمها جمال الكابولي النائبة سهاد العبيدي عن "التوقيع النهائي للتحالف، بين كتلة متحدون والحل، ومازالت المباحثات مستمر ما بين الكتل الرئيسية الثلاثة "الوفاق الوطني" بزعامة إياد علاوي، وقائمة "متحدون" برئاسة أسامة الجيفي، وأخيرا "الحوار الوطني"، الذي يقودها صالح المطلك، والتي من المؤمل إعلانها اليوم بصورة رسمية.
وقالت النائبة عن "كتلة الحل"، في تصريح خاص لـ "العرب اليوم": إن المباحثات مستمرة لحد الآن بشأن الدخول في قائمة واحدة، أو بشكل كتل منفردة للانتخابات المقبلة، لافتا إلى أن "السياسة في العراق تدعم من الخارج، بما فيها القوائم السياسية الموجودة على الساحة ولحد الآن، متمثلة بالقائمة العراقية التي تدعمها جهات خارجية"، معتقدة العبيدي أن "الدكتور إياد علاوي يفضل الدخول بقائمة منفردة للوفاق الوطني، ويؤيد ويشجع ذلك الدستور العراقي بتفضيله القائمة المتوسطة على الكبيرة".
أما المجلس الإسلامي الأعلى الذي يقوده الشاب عمار الحكيم تنافس بذكاء سياسي وحصل في الانتخابات المحلية على أهم مدينة اقتصادية في العراق، وهو الآن يعد لها العدة لتكون مدينة المال والأعمال وفق دراسات أعدتها أهم الشركات العالمية لوضع إستراتيجية الإعمار والبناء وأقصد البصرة.
الحكيم والصدر اللذان جمعتهما خصومة سابقة يلتقيان اليوم على أهداف مشتركة، وهما قريبان في النسب العائلي، ويغيران بأسلوب سريع وملفت للنظر أداء فريقيهما السياسيين.
في السابق كان أتباعهما يتنافسون بالسلاح على النفوذ في المدن العراقية واليوم هما حليفان ويتنافسان في حل الأزمات السياسية ويحثان ممثليهم المحليين باستمرار على تقديم الخدمات.
أسامة النجيفي هو ابن العائلة البرلمانية في العهد الملكي، كان يقود معركة سياسية في مدينة الموصل مع الأكراد، هو الآن يمتلك قوة نفوذ في العاصمة ومدن أخرى، ويسعى لبناء علاقات أكبر في المنطقة، وأصبحت له صلات وثيقة بالتحالف الكردستاني وكتلة التغيير التي جعلت التنافس في كردستان أكثر تفاعلاً وحيوية في إطار التغيير الذي نتج عن الانتخابات المحلية المنصرمة، وهيأت لمعادلة سياسية جديدة في المنطقة الكردية.
وأحمد الجلبي الذي كان منشغلا في السابق بملفات اجتثاث البعث، يبدو اليوم أكثر انشغالا بفكرة تأسيس الفريق المقبل.
بينما يجلس الجلبي في بستانه الذي ورثه من عائلته في شارع فاصل بين الكاظمية ومدينة الحرية في بغداد، يقول: إنه والتحالف الوطني الآن يفكرون بصياغة شكل حقيقي لدولة ومؤسسات متماسكة ولا يهمه من سيكون "كابتن" الفريق الذي سيضعونه في حالة العزل إن لم يجد الإدارة.
ولم يبتعد الجلبي، الذي يهتم دائما بالحسابات والتنمية الاقتصادية، عن سيناريوهات سياسية لاستبدال الطاقم الحكومي الحالي بإجماع سياسي، ولا يستبعد "مفاجأة" في عملية اختيار رئيس وزراء ما بعد انتخابات 2014.
لا يبدو أن الانتخابات المقبلة ستنتج عن فوز قائمة كبيرة مثل السابق، فسجل مفوضية الانتخابات لم يدون أي اسم للقوائم الكبيرة بين 277 كيانا، فبعد أن كان المالكي زعيما لدولة القانون تجده اليوم مسجل رسميا زعيما لقائمة حزب الدعوة، وإياد علاوي غيّر اسم قائمته العراقية إلى الوطنية، بعد أن غادرها الحلفاء السنة، والنجيفي تمسك بمتحدون، في حين دونت المفوضية اسم حيدر العبادي، المهتم بملابسه الأنيقة دائما، كزعيم لائتلاف دولة القانون.
مسعود بارزاني، العنيد للغاية، كان منشغلا خلال أعوامه الماضية باستقطاب الشركات العالمية إلى كردستان وتوسيع علاقاته في المنطقة، يسعى اليوم إلى الحصول على منصب رئيس جمهورية العراق بعد غياب طالباني، كردة فعل على إخفاقه وشركاء سياسيين بإجراء تصويت برلماني لسحب الثقة عن المالكي.
رئيس الوزراء نوري المالكي، واجه تحركات الإطاحة به في الربع الأول من عام 2012 بطرق دستورية، واعتمد صلاحيات رئيس البلاد جلال طالباني، والآن ينتظر تحديا كبيرا للحصول على ولاية ثالثة.
سيواجه المالكي خلال الفترة المقبلة مزاعم كبيرة، تتمثل، بتحريك قطعات الجيش، والضغط على القوى السياسية، والتلويح بملفات فساد، ومحاولات لقيادة انقلاب عسكري، ولكنه سينال نصيبه الانتخابي بشكل هادئ، وسيعتمد على الاتفاقات السياسية، وإذا تطلب الأمر منه سيسلم السلطة إلى خليفته من التحالف الوطني مثلما سلمها له سلفه السابق، الذي ينحدر من حزب الدعوة أيضا.
أرسل تعليقك