نواكشوط- الشيخ بكاي
ينتظر هذه الأيام أن تقدم الحكومة الموريتانية إلى البرلمان، من أجل الدراسة، تعديلات دستورية تلغي إحدى غرفتي البرلمان، وتغير كلمات النشيد الوطني، وألوان علم البلاد، وسط جدل سياسي ساخن، ورفض من قطاع عريض من الرأي العام.
واقترحت هذه التعديلات أخيرًا، بعد دعوة صدرت عن ثلاثة وزراء تحت قبة البرلمان، تحثّ على السماح للرئيس محمد ولد عبد العزيز بمأمورية ثالثة. وهو ما اعتبر دعوة صريحة إلى خرق الدستور الموريتاني، الذي يحدد للرئيس مأموريتين فقط، وتقول مادة "محصنة" فيه إنه يمنع تغيير المواد الخاصة بتحديد المأمورية عبر الاستفتاء أو أي طريقة أخرى. وهذا ربما ما كان له دوره في الرفض، الذي وجهت به التعديلات المقترحة في أوساط المعارضة وقطاع واسع من النخبة المثقفة.
وعلى الرغم من أن الرئيس - الذي تنتهي فترته بعد نحو العامين، أعلن مرات أنه لا يريد مأمورية ثالثة، ولا يسعى إلى تغيير المواد الخاصة بالمأمورية، فإن مخاوف ظلت موجودة لدى البعض من أن يتم "التحايل على الدستور". واستجابت أحزاب معارضة للدخول مع السلطات في حوار مباشر بشأن هذه التعديلات، ووافقت عليها، وقاطع الحوار "المنتدى الوطني للديمقراطية" الذي يضم أحزابًا وازنة، و"تكتل القوى الديمقراطية" الذي يقوده أحمد ولد داداه وهو حزب المعارضة الرئيسي.
وقبل أيام تراجعت السلطة عن تمرير التعديلات عبر استفتاء شعبي، كما كان متفقًا عليه مع "الأحزاب المُحاوِرة"، ما قاد إلى رفض أبرز هذه الأحزاب، لما وصفته بـ"النكوص عن ما اتفق عليه". وتمنح القوانين الرئيس الموريتاني حق إجراء التعديلات عبر الاستفتاء الشعبي أو عبر غرفتي البرلمان مجتمعتين.
وكشفت السلطة أن التكلفة المالية للاستفتاء الشعبي كبيرة، فيما لا يكلف تمرير التعديلات عبر البرلمان الخزينة العامة أموالً، لكن الأحزاب "المُحاوِرة" تقول إن قوة الاستفتاء لا تقارن ببرلمان تسيطر السلطة على الغالبية فيه. ولم يعرف بعد ماذا سيكون قرار الرئيس عزيز، لكن البرلمان سيستعرض النصوص ويرفعها إلى الرئاسة في انتظار أن يقرر الاستفتاء أو اللجوء إلى البرلمان.
ويختلف الموريتانيون بشأن هذه التعديلات من نواح عدة، فإلغاء "مجلس الشيوخ" وهو الغرفة العليا في البرلمان، لم يجد معارضين إلا في أوساط المجلس نفسه، لكن الرفض لدى البعض جاء لِمَا ذكر الرئيس أنه سيحل محل الشيوخ وهو "المجالس الإقليمية".
وفي حين ترى السلطة أن تشكيل هذه المجالس يشجع اللامركزية التنموية، ويشرك المواطنين أكثر في إدارة شؤونهم، يرى الرافضون أن من شأن ذلك فتح باب التفكيك في بلد به أقلية عرقية يرفع متطرفوها الانفصال أحيانا، وبه قبائل قد تفتح المجالس باب الصراعات بينها. أما تغيير ألوان العلم والنشيد فيختلط في الجدل حوله السياسي بالرومانسي.
ويقول معارضو التغيير إن جرأة السلطة على تغيير الرموز أمر مرفوض، وأكد سياسي في تصريحات خاصة إلى "العرب اليوم"، أن هذا يعرض دستور البلاد، لأن يكون لعبة يغيرها الحاكم كما يريد". وفي الواقع وخارج التعلق الرومانسي بكلمات وألوان عرفها الناس منذ استقلال البلد، تنطلق معركة "الرموز" من خلفية خاصة ذات صلة بالتاريخ. فقد انغمس الرئيس الموريتاني قبل شهور في موضوع "المقاومة" الموريتانية للاستعمار الفرنسي، مطالبًا بإعادة كتابة تاريخها.
وأضاف في تصريح في مدينة الرشيد التي كان يزورها، وهي من بين مدن هدمها الفرنسيون على رؤوس أهلها، أنه ينبغي تصويب التشويه الذي لحق بتاريخ البلد بأيدي الفرنسيين، الذين هم من كتب هذا التاريخ. وقال "لقد كتب الاستعمار الفرنسي والمقتنعون بروايته تاريخنا، وشوه المقاومين، وعلينا إعادة الاعتبار للذين شوهوا ونعيد الاعتبار للذين ضحوا من أجل البلد واستقلاله".
ويريد الرئيس عزيز تغيير كلمات النشيد الوطني، لتكون بها إشادة بالمقاومة. وكلمات النشيد الحالي دينية، "كن للإله ناصرا..."، ويعارض البعض تغيير الصبغة الدينية للنشيد. وينطبق على العلم الوطني أيضا الأمر نفسه، ويتوقع أن تكون في ألوانه المقترحة إحالة باللون إلى "دماء الشهداء".
أرسل تعليقك