عمان - العرب اليوم
عقد جلالة الملك عبدالله الثاني، في واشنطن امس الأربعاء، لقاء قمة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، تناولت الجهود الدولية المبذولة لمحاربة الإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط والعالم، ومستجدات الأزمة السورية، وجهود إحياء مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وتطرقت القمة، التي حضرها سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، إلى سبل ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين الأردن والولايات المتحدة، وذلك في إطار الدور المحوري الذي تقوم به المملكة في المنطقة.
وفي تصريحات مشتركة، بعد لقاء القمة، أكد الزعيمان حرصهما المشترك على إدامة التنسيق والتشاور بين قيادتي البلدين حيال التعامل مع التحديات التي تواجه المنطقة والعالم، وسبل تطوير علاقات التعاون الثنائية.
وفيما يلي تصريحات جلالة الملك: "فخامة الرئيس. أشكرك جزيل الشكر على حديثكم، ويسعدني أن أكون مجدداً في واشنطن. أوّد أن أثني على ما عبرتم عنه. نحن ممتنون للغاية للدعم الذي قدمتموه لنا في الأردن. وحقيقة الأمر أنه لا يوجد دولة تدعم الأردن بالحجم الذي تقوم به الولايات المتحدة على الصعيد الاقتصادي، ما يمكننا من التعامل مع تحدي اللاجئين السوريين في بلدنا، وكذلك الحال على الصعيد الأمني والعسكري لحماية حدودنا ومصالح شعبنا.
نحن في غاية الامتنان للدعم الذي نتلقاه منكم ومن إدارتكم فخامة الرئيس، وأيضا من الكونغرس والشعب الأمريكي.
وبوجودي هنا، أود أيضاً أن أعبر عن شكري للرئيس أوباما على قيادته الفذة في التصدي لخطر عصابة داعش، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمواجهة التحديات في سوريا. نحن جميعا نعمل سويا، كأعضاء في المجتمع الدولي، لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، ولكن في ذات الوقت فإن مواجهة خطر داعش قد أخذ حيزا من مباحثاتنا اليوم، خصوصا كيفية التغلب عليه بالسرعة الممكنة، ليس في سوريا فقط، بل أيضا في العراق، وذلك من خلال التواصل مع أشقائنا هناك، ليكونوا شركاء في جهود التصدي للإرهاب والتطرف.
أعتقد أننا نسير في الاتجاه الصحيح؛ فالتنسيق مع الولايات المتحدة في أعلى مستوياته، وهنا أوّد مجدداً أن أشكركم فخامة الرئيس، وجميع المؤسسات الأمريكية، على تعاونكم المتواصل معنا.
سأغادر واشنطن وأنا متفائل بحجم مساهمة الولايات المتحدة في التعامل مع قضايا المنطقة، وفي ظل ما تبدونه من دور قيادي إزاء الوضع في سوريا. آمل أن تحرز نقاشاتكم مع روسيا تقدماً في الاتجاه الصحيح، وبالنظر إلى الموضوع من زاوية أوسع، خصوصا تحدي مواجهة عصابة داعش والمجموعات الإرهابية المرتبطة بها في العالم، فإنني أعتقد أن العالم في وضع أفضل الأن، وذلك بفضل قيادتكم لهذه الجهود.
وكما ذكر فخامة الرئيس، فقد تحدثنا حول سبل إعادة الأمل للعملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. من الواضح أن الأوقات الحالية تمثل تحديا صعباً، ولكن من الضروري أن نزرع الأمل لدى الطرفين، وقد تحدثنا حول هذا الموضوع لبحث ما يمكن أن نقوم به خلال عام 2016، ولبناء الزخم للمضي في الاتجاه الصحيح.
أود مجددا أن أنتهز هذه الفرصة لأشكر الرئيس والشعب الأمريكي على الدعم الذي يقدموه لبلدنا، وتقديرنا الكبير لقيادتكم".
وفيما يلي تصريحات الرئيس أوباما: "يسرني أن ألتقي مجددا بجلالة الملك عبدالله الثاني، أحد أهم حلفائنا في العالم. وكالعادة، أجرينا مباحثات مثمرة حول التحديات التي تواجه الأردن في هذه الأوقات، وفي منطقة تعاني من ظروف في غاية الصعوبة.
وقد تركز معظم النقاش حول الوضع في سوريا والعراق والجهود المشتركة لمكافحة عصابة داعش، حيث يعد الأردن شريكا مميزا في هذه العملية. وكما أعلنت مسبقا، لقد شهدنا تقدما في دحر داعش في الأراضي العراقية، والآن في بعض المناطق في سوريا. ولكن لا يزال هناك عمل كثير ينبغي القيام به. لذلك فإن التنسيق بين بلدينا وشركائنا الآخرين في التحالف في غاية الأهمية، وقد قدم الأردن إسهاما كبيرا بهذا الصدد، فالأردن بلد له دور محوري يتجاوز إمكانياته المحدودة عندما يتعلق الأمر بمحاربة داعش.
وفيما يتعلق بسوريا، فقد أطلعت جلالته على المحادثات التي أجريتها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخصوص اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه. إننا حذرون للغاية بشأن رفع مستوى التوقعات بالنسبة لهذا الموضوع، فالوضع على الأرض صعب، لكننا شهدنا تقدما متواضعا على مدى الأسبوع الماضي أو نحو ذلك فيما يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المعرضين للخطر. ولو حصل أن شهدنا على مدى الأسابيع القليلة المقبلة بعض التراجع في حدة العنف الذي ألحق أذى كبيرا بسوريا، فإن ذلك سوف يوفر لنا أرضية للوصول إلى وقف لإطلاق النار على مدى أطول في كل من الشمال والجنوب، وسوف يسمح لنا بالمضي قدما في عملية الانتقال السياسي الضرورية لوضع حد للحرب الأهلية في سوريا. كما أنها ستسمح لنا بعد ذلك بتركيز جهود جميع الأطراف في المجتمع الدولي بأكمله، بما في ذلك روسيا، لملاحقة داعش وهزيمتها، وهو الأمر الذي لا يتم الأن بقوة.
تحدثنا عن اللاجئين السوريين والعبء الذي يتحمله الأردن ودول أخرى في المنطقة. لقد كان الشعب الأردني في غاية الكرم باحتضانه مئات الآلاف من السوريين الذين فروا من القتال، والولايات المتحدة مساهم رئيسي في الجهود الجارية لإيواء وتوفير الرعاية الأساسية لهؤلاء اللاجئين. لكن الأرقام لا تزال تتزايد، وقد عبرت لجلالة الملك عن التزامنا نحو الأردن ليظل قادرا على مساعدة من يحتاج إليه، وستكون الولايات المتحدة شريكا قويا له وسوف نتأكد، فعلا لا قولا، من أننا نوفر الدعم الكافي فيما يتعلق بهؤلاء اللاجئين.
بالإضافة إلى ذلك، ناقشنا المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي قدمناها ونقدمها للأردن، نظرا لكل ما يقوم به هذا البلد لصالح المنطقة والعالم. من المهم بالنسبة للشعب الأردني أن يعلم أن الولايات المتحدة موجودة لمساعدته في كل خطوة يقوم بها.
وأخيرا، ناقشنا الوضع في إسرائيل والضفة الغربية، والتوتر القائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين هناك. كان لجلالة الملك دورا مهما في الحد من بعض مصادر التوتر المباشرة في الحرم الشريف، وما تسببت به من أحداث هناك. ولكن ما زلنا على اتفاقنا أنه من المهم أن نوفر لكلا الجانبين شعورا بإمكانية تحقيق التقدم، وأن نعطيهما الأمل بدل من اليأس. هذه مهمة صعبة، ولذا فقد تبادلنا الأفكار حول كيفية تحقيق تقدم في هذا المسعى. جلالة الملك لا يزال صوت العقل ونموذجا للاعتدال والتسامح لجميع الأطراف المعنية في هذه القضية، ونحن نقدر عاليا دوره في هذه العملية.
نحن محظوظون أن لدينا صديق مثل الأردن، ونأمل أن يشعر الأردنيون أن الولايات المتحدة تقف معهم في هذه الأوقات. والخبر السار هو أنه سواء تعلق الأمر بالحرب ضد داعش، أو الحد من العنف في سوريا ووضعه على الطريق نحو المصالحة السياسية، أو محاولة التقريب بين الإسرائيليين والفلسطينيين لإدراك مصلحتهم المشتركة في السلام، فإن بلدينا على اتفاق تام حيال كل هذه القضايا، وسوف يستمر الحال على ذلك بفضل القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة، الذي أقدر وجوده هنا اليوم".
وفي رد لجلالته على سؤال حول الوضع في سوريا والتعاون الأردني الأمريكي في التعامل مع مختلف التحديات في المنطقة، قال جلالته "كما قلت سابقاً، وفيما يخص التنسيق بين الأردن والولايات المتحدة فالأمر مميز، وأحد أسباب وجودنا هنا هو التأكد من التقدم في ذلك. وفيما يخص التطورات في سوريا، فمن الواضح أن العملية السياسية تحظى بالأولوية في الوقت الراهن، وكلنا داعمون لما يقوم به الوزيران جون كيري وسيرغي لافروف في إطار العملية السياسية؛ والتأكد في ذات الوقت بأن البعد الثاني لهذه العملية هو محاربة عصابة داعش ودحرها، وأعتقد أن هذين البعدين يكملان بعضهما البعض، وبشكل خاص فيما يتعلق بجنوب سوريا.
هل بإمكاننا الوصول إلى وقف لإطلاق النار في الجنوب السوري وبالقرب من حدودنا، على اعتبار أن هذا الأمر أساسي للعملية السياسية، والتي ستساعد بدورها في تحريك الوضع السياسي للأمام بين النظام وقوات المعارضة. في المحصلة فإن داعش عدونا جميعاً.
وحالياً علينا أن نتابع التقدم الذي يتم إحرازه بين وزيري الخارجية كيري ولافروف، ولدينا مبادرات جيدة بهذا الخصوص، ولكن يجب أن نبقى متفائلين بحذر إزاء إحراز تقدم في العملية السياسية".
وتم خلال جلسة المباحثات الموسعة بين الزعيمين، مناقشة سبل تعزيز العلاقات الثنائية، لاسيما تلك المتعلقة بالتعاون العسكري والأمني في ضوء قانون دعم التعاون الدفاعي الموقع مؤخرا مع الأردن، حيث أبدى جلالته تقديره للدعم الأمريكي في هذا المجال.
كما جرى، بين الزعيمين، بحث الأزمة السورية في ضوء المعطيات الجديدة المتعلقة بوقف إطلاق النار ومتابعة تنفيذ بيان مؤتمر ميونخ للأمن على أرض الواقع، وأهمية الوصول إلى حل سياسي شامل يضمن وقف نزيف الدم وسلامة ووحدة سوريا أرضاً وشعبا.
وتناول جلالته والرئيس أوباما مخرجات مؤتمر لندن، حيث جرى التأكيد على ضرورة تنفيذها، ودعم الأردن بنهج مستدام يرتكز على جذب الاستثمار وتحفيز النمو وليس المساعدات فقط.
وتطرقت المباحثات الموسعة أيضا إلى بحث سبل دعم جهود الحكومة العراقية في محاربة الارهاب ودحر عصابة داعش الإرهابية، والتأكيد على ضرورة تقديم الدعم للعراق للقضاء على داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية، وضمان وحدة وسلامة العراق بمشاركة جميع مكوناته.
وجرى الوقوف على الجهود الدولية في مكافحة الارهاب، مع التأكيد على أهمية محاربته بنهج شمولي يشمل جميع النواحي الأمنية والعسكرية والأيديولوجية، إضافة إلى التشديد على أهمية تسليط الضوء على محاربة جميع بؤر الارهاب في الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا وغيرها من المناطق.
وتم كذلك التطرق إلى الوضع في ليبيا، والتأكيد على ضرورة التحرك وتوحيد الجهود لمنع عصابة داعش الإرهابية من إيجاد موطئ قدم لها هناك.
كما تناول الزعيمان سبل إحياء مفاوضات السلام، وتأكيد جلالته على ضرورة تصدر القضية الفلسطينية لسلم الأولويات كونها القضية المركزية في الشرق الأوسط.
وحضر لقاء القمة: رئيس الديوان الملكي الهاشمي، ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين، ومدير مكتب جلالة الملك، والسفيرة الأردنية في واشنطن.
وتشهد العلاقات الأمريكية الأردنية تطورا لجهة المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة سنويا للمملكة؛ حيث أقر الكونجرس الأمريكي بالإجماع رفع المساعدات المالية السنوية المقدمة للأردن للعام الحالي إلى مليار و275 مليون دولار من أصل مليار دولار، وذلك لدعم اقتصاد المملكة وحماية أمن الحدود ومكافحة الإرهاب، والتخفيف من الأعباء التي تتحملها جراء أزمات المنطقة.
كما وقع الرئيس الأمريكي باراك أوباما أخيرا تشريع التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والأردن للعام 2015، وبما يدعم التعاون العسكري بين البلدين ويضع الأردن على قائمة الحلفاء بنفس وضع دول حلف شمال الأطلسي، ويسهل الإجراءات المتعلقة بالمساعدات العسكرية للمملكة.
أرسل تعليقك