لم يكن أمام "قوى 14 آذار" في اجتماع قياداتها الخميس في "بيت الوسط"، سوى التأكيد على توفير الحماية السياسية لزعيم تيار "المستقبل" الرئيس سعد الحريري والالتفاف حوله، سواء أتيح النجاح لمبادرته ترشيح زعيم تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية أم أجهضت، مع أنه ماضٍ فيها، لأن لا مصلحة لنقل المشكلة الى داخل هذه القوى بدلاً من أن تبقى في مرمى "قوى 8 آذار"، التي عليها ان تتحمل مسؤولية إحباط هذه المبادرة الإنقاذية.
وأكد رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة، في الاجتماع، أن الحريري جدي في طرح مبادرته وليس في وارد التراجع عنها على رغم أن المواقف في داخل "14 آذار" تتراوح بين تأييد ترشيح فرنجية وبين رفضه، إضافة إلى أن هناك من يتحفظ عنها، ليس من باب الانقضاض على المبادرة وإنما للحصول على ضمانات، باعتبار أن فرنجية ينتمي إلى "8 آذار" ولا تمكن مبايعته رئيسا على بياض.
وكشفت المصادر في "14 آذار" أن غياب ممثل حزب "القوات اللبنانية" النائب جورج عدوان لا يحمل بعداً سياسياً ينم عن رغبة في مقاطعة الاجتماع أو تعليق عضويته، وإنما يعود لسبب ارتباطه باجتماع آخر بعدما كان وافق على الحضور، لكن تقديم موعده من الرئيس السنيورة كان وراء غيابه.
هواجس "الكتائب"
ولفتت المصادر نفسها إلى أن بعض الحضور سجل عتبه على "المستقبل" لعدم إعلامه بلقاء باريس بين الحريري وفرنجية، ما أحدث إرباكاً في صفوف "14 آذار"، وسأل عن المانع من وضعهم في صورة هذا اللقاء والأجواء التي اتسم بها.
وأكدت أن حزب "الكتائب" لا يضع فيتو على ترشح فرنجية، إنما لديه هواجس لا بد من تبديدها وتتعلق بالضمانات في حال انتخابه رئيساً للجمهورية، وما إذا كان سيحمل معه برنامج "8 آذار" إلى القصر الجمهوري أم أنه سيكون على مسافة واحدة من الجميع.
ونقلت عن ممثل "الكتائب" في الاجتماع قوله: "من حقنا أن نسأل عن الضمانات إذا ما انتخب فرنجية رئيساً في مقابل وجود الرئيس نبيه بري من "8 آذار" على رأس السلطة التشريعية، ولا نعرف من سيكون رئيساً للحكومة".
كما نقلت عنه قوله إن "وجود فرنجية على رأس الدولة من دون أن تتوافر لنا التطمينات يدعونا لطرح مخاوف مشروعة حول قانون الانتخاب الجديد وما إذا كان هذا القانون سيؤدي إلى "طحن" القوى المعارضة وحشرها لمنعها من الوصول إلى البرلمان بحصة نيابية وازنة".
وقالت إن رئيس حزب "الوطنيين الأحرار" دوري شمعون أبدى ملاحظات على ترشح فرنجية مع أن موفدَين عن الأخير التقياه، في أول خطوة للانفتاح عليه للوقوف على ملاحظاته.
وأدلى وزير السياحة ميشال فرعون بدلوه في هذا الخصوص، ونقلت عنه قوله: "أنا نائب أمثل منطقة الأشرفية ونستعد لخوض الانتخابات النيابية لكننا سنواجه صعوبة إذا ما توحد حزب "القوات" و "التيار الوطني الحر" في موقفهما المعارض لترشح فرنجية".
وفهم من كلام فرعون إنه لا يزال على تحفظه عن ترشيح فرنجية في حال توحد "القوات" و"التيار الوطني" في جبهة واحدة، لكن لا شيء نهائياً حتى الساعة طالما أنه على تواصل مع الحريري من خلال مدير مكتبه نادر الحريري ومستشاره النائب السابق غطاس خوري اللذين التقياه ظهر أمس لتبديد مخاوفه.
وبدا من تحرك الحريري - خوري في اتجاه فرعون - كما تقول المصادر-، أن الرئيس الحريري لم يصرف النظر عن مبادرته في موازاة مواصلة فرنجية تحركه من خلال موفديه إلى عدد من القيادات الروحية والسياسيين، مع أن الأخير كان أكد خلال اجتماعه مع الحريري أن "حزب الله" يبارك تحركه.
خلط الأوراق
وكان لافتاً في الاجتماع إعلام الحضور بموقف رئيس المجلس، وخلاصته أن كتلته لن تشارك في جلسة انتخاب الرئيس ما لم يشارك فيها حليفه "حزب الله"، وهذا ما تبلغه منه رئيس "اللقاء النيابي الديموقراطي" وليد جنبلاط عبر موفده وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور.
وفي هذا السياق، قيل إن همة جنبلاط بدأت تبرد في ضوء ما تبلغه من بري، حتى أن قيادياً في الحزب "التقدمي الاشتراكي" قال في مجلس خاص: "لقد أدينا قسطنا إلى العلى وسعينا إلى إنقاذ رئاسة الجمهورية من الشغور ولسنا مسؤولين عن العقبات التي أخذت تظهر الواحدة تلو الأخرى ضد ترشح فرنجية".
ومع أنه لم يعرف ما إذا كان موقف بري سيـؤدي إلى إعادة خلط الأوراق الرئاسية، فإن المصادر عينها تعتبر أن الحريري تجرأ في طرح مبادرته، لأنه أراد تحريك الملف الرئاسي ولم تكن لديه حسابات ضيقة، على رغم أن البعض يحاول أن يشيع أن لقاء باريس انتهى إلى إبرام مقايضة بانتخاب فرنجية رئيساً مقابل إسناد رئاسة الحكومة إلى الحريري".
وتبين أن قيادات في "8 آذار" كانت وراء إطلاق هذه الإشاعة في إطار حملتها السياسية والإعلامية ضد ترشيح فرنجية، خصوصا أن لقاء باريس شكل بداية حوار وجاءت نتيجته "إطلاق مبادرة لملء الشغور الرئاسي عبر ترشيح فرنجية" ولا شيء آخر. إلا أن الصمت المطلق الذي يمارسه "حزب الله" برفضه التعليق على مبادرة الحريري يفتح الباب أمام السؤال عن موقف النظام السوري وحليفته إيران من ترشيح فرنجية.
وزار موفدان لرئيس "تكتل التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون وآخرون لفرنجية دمشق أخيراً، والتقوا مسؤولاً أمنياً سورياً كبيراً بالنيابة عن الرئيس بشار الأسد للوقوف على رأيه من المبارزة على الرئاسة بين حليفين من "8 آذار".
وفي المعلومات أيضا، أن موفدي عون هما من أعضاء "خلية الأزمة" التي يرأسها وعادا بموقف سوري داعم لـ "الجنرال"، شرط أن "يتحلى بالصبر وضبط النفس الى حين أن تتحسن الأحوال ليؤتى به رئيساً، وعدم الانجرار إلى استفزاز فرنجية أو التعرض له لئلا يجره إلى مناكفته".
وفي المقابل، تردد أيضاً أن موفدي فرنجية عادا بموقف سوري مرحب بترشحه وسمعا كلاماً لا لبس فيه، لكن مع التأكيد أن الملف الرئاسي بيد الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله.
صمت "حزب الله"
على كل حال، والكلام للمصادر عينها، فإن لقاء عون فرنجية في حضور رئيس "التيار الوطني" الوزير جبران باسيل انتهى إلى تكريس الاختلاف بينهما، وعلى رغم ذلك فإن "حزب الله" باقٍ على صمته.
وسألت المصادر عما أخذت تروجه جهات مقربة من عون من أن دعم الحريري لفرنجية يعني أنه موافق على ترشيح شخصية من "8 آذار"، معتبرة أن هذا هرطقة سياسية لن تُصرف في مكان، لأن الذي حصل سيؤدي حتماً الى رفع منسوب المعارضة ضد "الجنرال".
وتابعت أن عون وفرنجية ينتميان إلى "8 آذار" لكن ما يميّز الأخير عن الأول هو أنه على استعداد للوقوف في منتصف الطريق بين الفريقين المتنازعين ولا يمارس الكيدية والتشفي التي سبق لـ "الجنرال" أن مارسها في أكثر من مناسبة، خصوصاً بعد انسداد الأفق أمام مواصلة حواره مع "المستقبل".
ولفتت إلى وجود ضغط دولي على لبنان لجهة ملء الشغور الرئاسي، وأنه سيزداد إذا أحبطت مبادرة الحريري، لأن من يرفضها عليه أن يطرح البديل، إلا إذا كان على علم بموقف دمشق وطهران اللتين لا تحبذان إنجاز الاستحقاق الرئاسي في المدى المنظور، وإلا ما هو التفسير لموقفهما الداعم ترشح عون وفرنجية في آن؟ وكيف يوفقان بين "الضدين" تحت سقفيهما؟
وعليه، لا بد من السؤال عن صمت "حزب الله" صاحب كلمة السر في الملف الرئاسي تحريكاً أو تجميداً، وهل من صدقية للحملة التي تستهدف فرنجية من بعض حلفائه ولم يعد ينقص هؤلاء سوى التعاطي معه على أنه "داعشي"، كما سبق لـ "التيار الوطني" أن ألصق مثل هذه التهمة برئيس الحكومة تمام سلام ومن قبله بالحريري.
لذلك بدأ منسوب المخاوف من العودة بالملف الرئاسي إلى نقطة الصفر يرتفع، وإلا لماذا كل هذه الضجة ضد فرنجية على رغم أن ترشحه سيؤدي حتماً إلى خلط الأوراق السياسية، خصوصاً أن "14 آذار" خسرت حتى الساعة في رهانها على سقوط النظام في سورية كما خسرت "8 آذار" في رهانها على أن الأسد سيستعيد سيطرته على كامل الأراضي واضطر للاستعانة بروسيا لمنع انهيار نظامه؟
مبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية لم تنته رغم جمودها ورغم تطيير كل المواعيد التي ضُربت لإنجازها قبل نهاية السنة. فمن وجهة نظر من شكَّلوا قوة دفع لإنجازها بأسرع ما يمكن انها ما زالت على الطاولة ورصد ردود الفعل عليها مستمر، طالما لم يقدٰم بديل آخر عنها.
مصادر مسؤولة في تيٰار "المستقبل" تعتبر أن لقاء الرابية بين العماد ميشال عون والنائب فرنجية كان سلبيا بين المرشحيْن ولم يؤدِ إلى نتيجة، لا بل ترك الموقف معلٰقا بشكل سلبي بينهما، كما شكٰل رسالة واضحة من "حزب الله" والثامن من آذار بإرادة ضمنية بإطالة أمد الفراغ الرئاسي، وبعدم الرغبة بإخراج تسوية داخلية من شأنها تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، بالرغم من الدفع الدبلوماسي غير المسبوق من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب فرصة ممكنة.
وتقول هذه المصادر إن الرئيس سعد الحريري سعى إلى تقديم مشروع تسوية، وإن كانت غير مكتملة العناصر، لأن بعض البنود تحتاج إلى بلورة وتوافق بين كل القوى السياسية، ولكن موقف الفريق الآخر أقفل الباب على مخرج عنوانه "حماية لبنان وإبعاده عن صراع المحاور، وإعادة بثّ الحياة في المؤسسات الدستورية المعطِّلة". وإذا لم تؤد هذه المبادرة إلى الحلّ المرجو منها، فيكون من إيجابياتها أنها أظهرت النوايا على حقيقتها لدى الفريق الآخر.
ويشير من التقى الرئيس الحريري في الفترة الأخيرة إلى أنه مدرك لحجم الاعتراضات على طرحه هذا سواء داخل كتلة "المستقبل" أو داخل فريق الرابع عشر من آذار،وهو يواجه الجميع بأن من ليس لديه طرح بديل أفضل كفيل بإنهاء الأزمة لا يمكنه أن ينسف هذا الطرح. ويصرّ هؤلاء ورغم كل النفي، على أن كل الأطراف كانت على علم مسبق بنيته ترشيح فرنجية، وأن رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع اطلع منه شخصياً على ذلك، قبل أكثر من ثلاثة أشهر، كما تشير إلى أن "حزب الله" هو أيضاً كان على علم مسبق وقبل سفر النائب فرنجية للقاء الحريري في باريس.
وفق فريق "المستقبل" فإن الرئيس الحريري مصمَّم على هذا الطرح بشكل قاطع، وهو رغم ذلك لا يمانع بالتراجع عنه اذا أعطي بديلاً منه. وصحيح أن هذا الطرح كان مجرد فكرة لم تقلع ولكنها لم تتوقّف، وستبقى مستمرة بفعل الضغط الدبلوماسي الذي لم يُتوقّف من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقت ممكن، وفي طليعة الضاغطين الفاتيكان. ولذلك يعوّل على البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في محاولة جمع الأقطاب الموارنة الأربعة والعمل معهم على اتفاق على مخرج أو اسم مرشح ينقذ الاستحقاق الرئاسي، وتاليا كل بنية الدولة.
رغم كل الرهان على التقاط بكركي هذه اللحظة الدولية المؤاتية لإعادة فتح كوة في جدار الأزمة المتجدِّدة، ورغم كل التنازلات المقدّمة من الرئيس الحريري، تنظر مصادر "المستقبل" بعين الريبة إلى موقف "حزب الله" ومن ورائه إيران وتشكّك بنيّتهما السماح بإخراج لبنان من تعقيدات المنطقة "لأن المطلوب يبدو أكثر من انتخاب رئيس من صفوف الثامن من آذار. هل هو مؤتمر تأسيسي جديد؟ هل هو مخطط لنسف "وثيقة الطائف"؟ الأيام المقبلة وما ستحمله من رسائل ساخنة ام هادئة، كفيل بترجمة النيات الحقيقية".
أرسل تعليقك