دمشق ـ نور خوّام
انتهت معركة تل أبيض سريعًا وعلى نحو مفاجئ، إذ أن الجميع كان يتوقع أن "داعش" سيقاوم بشراسة وحتى النهاية في الدفاع عن المدينة، نظرًا لأهميتها الإستراتيجية للتنظيم وكذلك لتداعيات خسارتها على بقية المناطق التي يسيطر عليها.
وتقع المدينة على بعد 100 كليو متر من مركز محافظة الرقة عاصمة "داعش"، وتتصل شرقًا بمدينة رأس العين التي تشكل جسرًا لمحافظة الحسكة والمناطق الكردية المفتوحة على إقليم كردستان العراق، وتربط غربًا محافظة حلب في محافظتي الحسكة والرقة، وكانت تشكل بوابة إستراتيجية للتنظيم مع تركيا.
وأوضحت التقارير أن معظم المقاتلين القادمين عبر تركيا للالتحاق بالتنظيم في محافظتي الرقة ودير الزور كانوا يستخدمون منطقة تل ابيض معبرًا للدخول، مع الإشارة إلى أن طول الحدود الإدارية لمناطق تل أبيض مع تركيا هي بحدود 70 كليو متر، كما أن المعبر يشكل بوابة اقتصادية لـ "داعش" الذي يتحكم بطرق التجارة ونقل البضائع وتهريب النفط وفرض الضرائب.
ولعل ما كان يدل على أهمية تل أبيض لـ "داعش" منذ سيطرته على المدينة قبل نحو عام، هو فرضه لطوق أمني محكم على المناطق الشرقية والغربية للمدينة بغية قطع التواصل أمام الوحدات الكردية والقوى المتعاونة معها من "غرفة بركان الفرات" التي تضم مجموعة من فصائل الجيش الحر والتي قاتلت إلى جانب الوحدات الكردية في كوباني، وأن التنظيم أعد تحصينات دفاعية وحفر أنفاقًا وخنادق وفخخ العديد من المساحات للحؤول دون خسارتها مستقبلًا.
وخسر التنظيم هذا المعقل المهم وفي شكل فاجئ الجميع بما في ذلك القوى المهاجمة التي دخلت المدينة، وعليه يمكن القول أن الدرس الذي ينبغي استخلاصه من معركة تل أبيض هو أن تنظيم "داعش" بقدر ما هو قوي في الهجوم من خلال الكثافة النارية والسيارات المفخخة بقدر ما هو فاشل ولديه ثغرات في الدفاع.
واحتلت معركة تل أبيض مكانة كبيرة لدى الأكراد، ودليل ذلك الاستعدادات الكبيرة والمسبقة لوحدات حماية الشعب، وكذلك طريقة الهجوم من الشرق "رأس العين" ومن الغرب "كوباني"، إذ كان الأكراد يرون أن بقاء المدينة تحت سيطرة "داعش" يعني أن المناطق الكردية أو ما يعرف بالكانتوتات الثلاثة "الجزيرة - كوباني - عفرين" ستبقى مقطوعة الأوصال ولا يمكن الانتقال عبرها كرديًا، بل إن الرؤية الكردية تتجاوز الانتقال إلى قضية جوهرية تتعلق بصلب الدفاع عن المناطق الكردية شرقًا وغربًا، حيث من المعروف أن الهجمات التي نظّمها "داعش" ضد المناطق الغربية من محافظة الحسكة، خصوصًا رأس العين نفذها عناصر التنظيم المهاجمة من ريف تل أبيض المؤلف من قرابة 400 قرية وبلدة، والأمر نفسه ينطبق غربًا على كوباني، وعليه كانت في صلب الإستراتيجية الكردية إزالة هذا العنصر الأمني المهدد لعمق المناطق الكردية، ولعل ما جرى يزيد من ثقة الأكراد بقدراتهم، وربما التفكير بربط هذه المناطق بمنطقة عفرين في أقصى الشمال، كي يصبح الشريط الحدودي السوري مع تركيا بمعظمه مترابطًا في شكل قطعة جغرافية واحدة تحت سيطرتهم، ولعل ما يشجعهم على هذا الأمر الحماية الجوية للتحالف الدولي، لاسيما الأميركي.
ويؤجج ذلك المخاوف التركية من إقامة إقليم كردي في شمال سورية على غرار إقليم كردستان العراق، يتمتع بمواصفات البقاء ويمتلك عناصر الديمومة، وهو ما يزيد من القناعة بأن مقدمات إقامة دولة كردية في المنطقة باتت ترسم ملامحها على وقع الرغبة المعلنة لإقليم كردستان العراق في نيل الاستقلال، والصعود الكردي في تركيا في مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية.
أرسل تعليقك