موسكو ـ حسن عمارة
أطلق مرسوم أصدره الرئيس فلاديمير بوتين يتناول "أسرار الدولة"، ضجة جديدة، وسجالات حادة في روسيا، ودفع محامين إلى التلويح باللجوء للمحكمة العليا، في سابقة تتحدى قرارات سيد "الكرملين"، فبينما لم تكد تهدأ الضجة التي أثارتها رزمة قوانين أُقِرَّت تعديلاتها، أخيرا، ووضعت قيودا مشددة على نشاط منظمات المجتمع المدني باعتبارها "عميلة للغرب" حتى تجدّدت النقاشات الساخنة حول مرسوم رئاسي هذه المرة.
ووقّع بوتين المرسوم، الخميس، حيث صَنّف خسائر الجيش والمؤسسات الأمنية في "عمليات خاصة" تنفذها في زمن السلم، ضمن الأسرار التي يجب التكتُّم عليها، وملاحقة من يفشي تفاصيل منها قضائيًا بتهمة "الخيانة"، في تعديل لمرسوم سابق يفرض قيودا على إفشاء معلومات عن خسائر الجيش في زمن الحرب.
وفور نشر المرسوم على الموقع الرئاسي؛ احتدم النقاش وربط معلّقون المرسوم بالوضع في أوكرانيا، خصوصا مع تزايد معطيات عن خسائر عسكرية روسيّة في المواجهات الدائرة شرقه، وتنفي موسكو رسميا، أي تدخُّل مباشر لجيشها، وتشير بيانات وزارة الدفاع الروسية إلى أنّ الروس الذين يقاتلون في صفوف حكومتي لوغانسك ودونيتسك شرق أوكرانيا، "متطوعون".
وأبرز الناطق باسم "الكرملين" ديمتري بيسكوف، أنّ مرسوم الرئيس لا علاقة له بالصراع في أوكرانيا، مؤكدًا أنّه لا يمهّد لتدخل مباشر في البلد الجار، وهذه إشارة إلى اتهامات معارضين روس وأطراف غربية، برزت بعد تحرُّكات عسكرية روسية واسعة قرب الحدود مع أوكرانيا، اعتبرها حلف "شمال الأطلسي"، "مناورات للتغطية على زج قوات روسية إضافية في مناطق شرق أوكرانيا".
واعتبر عضو لجنة الدفاع في مجلس الدوما فرانتس كلينتسيفيتش، أنّ المرسوم يعتبر رد فعل شرعي على التغيُّرات في العالم، موضحًا أنّ نشاط "داعش" وتصرفات القوات الأوكرانية في وسط أوروبا، تدفع روسيا إلى خطوات استباقية؛ لكن المعارضة الروسية أصرّت على أن المرسوم يرتبط بتدخُّل عسكري روسي مباشر في البلد الجار، ونشرت معطيات مرات عن قتلى في صفوف وحدات عسكرية روسية تحارب في أوكرانيا.
كما اظهر تقرير نُشِر أخيرا، أعدُّه المعارض بوريس نيمتسوف الذي قُتِل في موسكو قبل أشهر، تفاصيل عن حجم الخسائر الروسية في الأرواح والمعدات، ورأى الخبير العسكري بافل فيلغنهوير، أنّ هدف المرسوم الرئاسي "سجن أو تخويف" الذين يرغبون في كشف معلومات عن الخسائر الممكنة للجيش الروسي في أوكرانيا، تحت ستار ضجيج السجالات عما إذا كان المرسوم يمهِّد لتطوير النشاط العسكري في أوكرانيا، ولَفَتَ حقوقيون روس إلى انتهاكٍ للقوانين يجعل المرسوم غير شرعي، ما يستوجب اللجوء إلى المحكمة العليا.
وبيّن رئيس صندوق "حرية المعلومات" المحامي إيفان بافلوف، أنّ "العصا الغليظة التي ترفعها السلطات فوق رؤوسنا لمنع بثّ أي معطيات عن خسائر عسكرية أو تداولها في زمن الحرب، تمهِّد لواقع خطر، فهذا يعني أن يتجاهل المجتمع أي تصرُّف تُقدِم عليه السلطات أو أي أخطاء ترتكبها، حتى لا تقع تحت طائلة العقوبة بتهمة الخيانة".
كما نوّه بافوف إلى أنّ مرسوم بوتين يتعارض مع بندٍ صريح في قانون أسرار الدولة، يقضي بعدم جواز التكتُّم على الأحوال الطارئة والحوادث التي تهدد أمن المواطنين وصحتهم، وذكر أنّ فريقا من المحامين يعمل على تقديم اعتراض أمام المحكمة العليا في غضون أسبوعين، لافتًا إلى أنّ "نزوع "الكرملين" للتغطية على الخسائر في أوكرانيا يجعله يضع قوانين مثيرة للشك، تفرض قيودا على كل جوانب حياتنا".
وزاد أنّ ملف سفيتلانا دافيدوفا الذي تحول قضية رأي عام خلال الشهور الأخيرة، وكانت السيدة أُوقِفَت بتهمة "الخيانة العظمى" وقضت المحكمة بسجنها عشرين عامًا، لأنها أجرت اتصالا هاتفيا بالسفارة الأوكرانية في موسكو؛ لكن بافلوف الذي تولّى الدفاع عنها انتزع اعترافا من المحكمة في جلسة لاحقة، بعدم ثبوت التهمة، ما دفع إلى إصدار قرارٍ بإطلاقها وتقديم النيابة العامة اعتذارا إليها.
أرسل تعليقك