أكد مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أنَّ الحرب الإسرائيلية مجددًا على حركة "حماس" و"حزب الله" اللبناني لم تسقط من حسابات الحكومة الإسرائيلية المقبلة بقيادة بنيامين نتنياهو.
وأوضح المركز أنه مع بداية عام 2015 تعيش "إسرائيل" وضعًا من الهدوء في مواجهة لاعبيْن واجهتهما عسكريًا في الأشهر القريبة الماضية؛ الحرب ضد "حماس" في غزة في صيف عام 2014، والهجمات المتبادلة بينها وبين "حزب الله" على الجبهة الشمالية التي وقعت في كانون الثاني/ يناير 2015.
وأضاف "وفق تشريح خارطة المصالح الشاملة فليس لأحد من الأطراف، لا "إسرائيل" ولا "حماس" ولا "حزب الله"، أي مساعٍ للبدء بجولة أخرى من القتال في الوقت الحالي، ومع ذلك ووفق خارطة القوات العاملة والمؤثرة على الاعتبارات الاستراتيجية لهؤلاء اللاعبين، وخصوصًا وفق توجه المزاج الجماهيري في غزة ومصر وسورية كما ينعكس على المواقع الاجتماعية، يبدو أنه في حال استمرار التوجهات القائمة على الساحتين ورغم عدم الرغبة لدى الطرفين؛ فإن المواجهة في المستقبل القريب ليست مستبعدة على الجبهتين".
وأبرز الكاتب في مركز دراسات الأمن القومي اوريت فارلوب، "علينا أن نسأل كيف تعيش إسرائيل اليوم وضعًا متناقضًا؟ حيث هذان التنظيمان المناهضان ليسا معنيين، ولا شرعية جماهيرية لهما حاليًا في الحرب ضدها من ناحية وهي ذاتها غير معنية بهذه الحرب".
وتابع فارلوب "من الناحية الأخرى فإنَّ تحليل الأحداث والتوجهات في غزة وجنوب سورية تشير في حقيقة الأمر إلى أنّ المواجهة العسكرية على الجبهتين حتمية تقريبًا في المستقبل المنظور، فلماذا إذًا الأطراف الثلاثة اليوم، وهم الذين يتقاسمون نفس المصلحة وغير معنيين بالحرب، ورغم ذلك يقفون قريبًا من بلوغ اندلاعها؟"
واستدرك "كي نفهم الواقع السياسي في قطاع غزة، يجب التركيز على جانبين مركزيين يؤثران على حماس؛ الأول والأكثر تأثيرًا هو سياسة مصر كما تتقرر تحت سلطة نظام عبد الفتاح السيسي، مصر تنظر إلى "الإخوان المسلمين" و"حماس" كتهديد لمصر، عندما اُختير السيسي لرئاسة مصر أعلن أنه لن يكون هناك شيء اسمه الإخوان المسلمين في فترتي".
واستطرد "يُطبق هذا النهج منذ اللحظة الأولى التي استلم فيها نظام الحكم بطريقة ملتوية، بل لقد اشتد حدة عقب موجة العمليات الصعبة في سيناء في كانون الثاني/يناير 2015، وقتل فيها أكثر من ثلاثين جنديًا وضابطًا ومواطنًا مصريًا بأيدي "أنصار بيت المقدس"، إثر سلسلة الوقائع في سيناء، ورغم عدم وجود تقارب مباشر بين "الإخوان" لا عقائدي ولا تنفيذي وبين التنظيم الذي أدى ولاء القسم لداعش؛ إلا أنّ النظام المصري اتهم "الإخوان" بأعمال العنف؛ وزعم أنّ الجناح العسكري لـ "حماس" يتحمل مسؤولية جزء من العملية، وأنّ بعضًا من السلاح الذي عثر عليه في مسرح العملية جاء من غزة".
وأشار فارلوب إلى أنَّه "في الفترة الأخيرة أصدرت المحكمة المصرية في القاهرة قرارًا قضائيًا اعتبرت فيه أنّ جناح "حماس" العسكري كتائب عز الدين القسام تنظيمًا إرهابيًا، وفي المقابل يُمارس ضغط إعلامي وجماهيري للتحرك ضد التنظيم، وقنوات التلفاز في مصر تشجع السيسي على تقويض "حماس"، حتى وإن كان الثمن دخول غزة؛ كل ذلك يضاف إلى العداء القائم بين القاهرة وبين سلطة الحكم في غزة، وتؤسس التقديرات السائدة على المواقع الاجتماعية، والتي مفادها أنّ مصر في ظل حكم السيسي غير مهتمة برؤية غزة عامرة في ظل سلطة "حماس" بعد عملية "الجرف الصامد"، وأكثر من ذلك يتضح من خلال المواقع الاجتماعية أنه من ناحية مصر فإن إسرائيل لم تنهِ عملها، وأن مصر معنية بتقويض سلطة "حماس" في غزة".
وبيَّن أنَّ "العنصر الثاني من حيث الأهمية، الذي يزج بـ "حماس" إلى الزاوية هو ميزان القوى الداخلي في مواجهة السلطة الفلسطينية، فإلى يومنا هذا لا يعتبر اتفاق الصلح بين غزة والضفة الغربية حقيقيًا، وعلى ضوء ذلك فإن عودة السلطة إلى غزة غير قابلة للتحقيق، وبانضمام الوضع الصعب في غزة إثر عملية "الجرف الصامد"، وأضف الى ذلك الخطوات الكبيرة من قبل مصر التي تهدف إلى جعل الأمور أصعب على "حماس"، بواسطة فرض قطاع أمني في الجانب المصري من حدود غزة مع سيناء ورفح، وإغلاق المعبر، وتدمير بيوت في رفح".
واستدرك " بالإضافة إلى سعي السلطة المصرية إلى القضاء على "حماس"، وكذلك عدم تحويل الأموال من قبل السلطة إلى "حماس" وتجميد أموال المساعدات من قِبل الدول المانحة للإعمار؛ كل ذلك يؤدي إلى ضعف حكم "حماس" في غزة من ناحية، وإلى الغضب والاحتقان الشعبي في القطاع من الناحية الأخرى".
وبيَّن "من خلال الحوار على مواقع التواصل الاجتماعي في غزة ترتسم صورة بائسة للوضع، وتشير هذه الصورة إلى أنّ غزة تقف على حافة الانهيار، وتشبه قنبلة يدوية منزوع مقبض أمانها؛ لذلك فرغم أنّ "حماس" غير معنية بالحرب فإنها تعيش ضائقة وتقف مرة أخرى على منزلق، قد تلجأ في نهاية الأمر إلى الاصطدام المباشر مع إسرائيل بهدف التخلص من الضائقة التنظيمية ومن الانتقادات الشعبية في القطاع".
ونوَّه مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، بأنَّه على رأس جدول أعمال "حزب الله" هناك ثلاثة تحديات والصراع المباشر مع "إسرائيل" ليس واحد منها: (1) منذ شهر أيار/مايو 2014 ليس هناك رئيس للبنان، وعلى خلفية ذلك فإن "حزب الله" مشغول في حوار مع حزب "المستقبل".
وأضاف "يهدف هذا الحوار إلى بلورة تفاهم لتسوية الموضوع الرئاسي، وفي ذات الوقت يُؤمِن مكانة التنظيم في الدولة. (2) "حزب الله" يسعى إلى تقويض الانتشار المتزايد للراديكالية السنية بقيادة "جبهة النصرة" و"داعش" في لبنان. (3) الحرب التي يديرها "حزب الله" في سورية بهدف الدفاع عن نظام الأسد، وإضعاف معارضيه؛ تتطلب استثمار العديد من الموارد مثل القوى البشرية وأدوات القتال , وتجبي منه ثمنًا عسكريًا وسياسيًا".
وأردف المركز "في العام الخامس على اندلاع الحرب الأهلية في سورية؛ وجد "حزب الله" نفسه أمام معضلة استراتيجية جوهرية، الثوار بقيادة "جبهة النصرة" أسسوا استحواذهم على هضبة الجولان من القنيطرة وجنوبها في الساعة التي تتعزز هيمنة "حزب الله" شمالي المنطقة، وإنّ تقدم الثوار باتجاه الشمال نحو دمشق وحدود سورية لبنان يشكل تهديدًا استراتيجيًا لنظام الأسد ومحور إيران سورية و"حزب الله"، "حزب الله" إذًا مضطر للعمل على لجم تقدم الثوار ودحرهم عن المناطق التي تمكنوا منها، وقد شرع حاليًا في عملية عسكرية، ومعه قوات القدس الإيرانية في منطقة درعا".
وواصل "إسرائيل تراقب بقلق تأسيس بُنى "حزب الله" بدعم إيراني في هضبة الجولان، وإنّ أي سيطرة جغرافية لحزب الله في الجولان ستكون بمثابة تهديد محتمل لإسرائيل، إذا قدّرت إسرائيل أنها تواجه تهديدًا ملموسًا فعلى الأرجح أنها تعمل على تقويضه، وإلى ذلك فإن حزب الله يعمل على تحقيق تطلعاته في السيطرة على هضبة الجولان، فمن المتوقع أن يقف في خط الاصطدام مع إسرائيل".
ويختتم فارلوب قائلًا "رغم الفوارق الجغرافية والإستراتيجية القائمة على الجبهة الشمالية، والجنوبية أيضًا؛ فإن أحدًا من الأطراف لا يبدو معنيًا بالتصعيد، ورغم ذلك يمكن القول أنه في كلا الحالين التطورات الإقليمية، وخصوصًا صعود الجهاد السلفي، تخلق ردودًا تسلسلية تغلبت موجتها على قسم إقليمي، وتقوض بشكل غير مباشر الاستقرار على ساحات المواجهة بين إسرائيل وجاراتها".
وأكمل المركز "في شبه جزيرة سيناء؛ يعمل تنظيم "أنصار بيت المقدس" ضد النظام المصري ويسعى إلى زعزعة استقراره عن طريق اتصالات له منسوبة لـ "حماس" في غزة من بين وسائل أخرى، التصعيد في الصراع مع "أنصار بيت المقدس" والأعمال المضادة للنظام في مصر، والتي ستشمل ضغطًا إضافيًا على "حماس" في قطاع غزة، قد يكون من شأنها أن تؤدي إلى تسلل العنف إلى القطاع، ومن ثم تتوجه ضد إسرائيل".
واستدرك "ووجود قوات جبهة النصرة في هضبة الجولان تشكل خطرًا على مصالح نظام "الأسد" و"حزب الله" في مناطق نفوذهم جنوبي دمشق وبيروت، وأعمال "حزب الله" المضادة قد تجره إلى مواجهة مع إسرائيل".
واختتم "كل هذه السيناريوهات سواء كانت بين مواجهة إسرائيل و"حماس" في غزة أو المواجهة بينها وبين "حزب الله" في الجنوب السوري تبدو ممكنة في المستقبل المنظور، ونُقدِر أنّ تغييرًا استراتيجيًا للواقع في غزة وجنوب سورية يحدث نتيجة مبادرة سياسية وتغيير علاقات القوى الإقليمية أو أي مقابل آخر يمكن أن يدفع الأطراف عن خط المواجهة".
أرسل تعليقك